عام الحرية

التجمع الوطني السوري

عام الحرية !

بيان من التجمع الوطني السوري

في الائتلاف الوطني

تدخل ثورة "الحرية لشعب سورية الواحد" عامها الخامس على التوالي، لتكون واحدة من أطول ثورات العصور القديمة والحديثة، وتقدم أمثولات فريدة في التضحية والنضال، تؤكد قدرة أي شعب أعزل على مقاومة الظلم والاستبداد والدفاع عن حقوقه بتصميم يعد بالانتصار، ما دام يطالب موحدا ومتضامنا بالحق في الحرية: أثمن قيم الوجود الانساني، التي تستحق كل ما يقدم على دربها من تضحيات، باعتبارها القيمة التي يرتبط بها احترام المواطن وحفظ حقوقه، وتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع.

 صمد شعب سورية العظيم طيلة ألف وخمسمائة يوم من القتل والتشريد والتهجير والتعذيب والتجويع، لأنه نجح بعد فترة قصيرة من انطلاق ثورته في بلورة مفهوم جامع للوطنية، أرضيته وحامله مساواة السوريين في الكرامة، واجه مجتمعنا به وطنية الاستبداد السلطوية، القائمة على العبودية والإذلال، كما نجح في الحيلولة دون تحويل سياسات التمييز الطائفي، التي رعاها واستعملها النظام ضده طيلة نصف قرن، إلى حرب أهلية، وتمسك بما طالب به من عدالة ومساواة، وحافظ على طابع ثورته الوطني واستقلالها النسبي عن رهانات وصراعات الخارج الدولي والإقليمي، الذي تكالب على بلاده وعمل لاستخدامه في تصفية حسابات متنوعة لا علاقة له بها، بينما قاوم وقاتل الغزاة من كل صنف ولون، الذين جلبهم النظام لحمايته، فأغرقتهم مقاومته في مآزق لن يخرجوا منها بغير الإقرار بحقه في الحرية، والجلاء عن وطنه مهزومين خائبين.

 هذا كله يؤكده ما تبين خلال سنوات الثورة الأربع وغدا واضحا كعين الشمس، وهو أن المجتمع السوري أقوى مما كان يعتقد أي مراقب لعلاقاته مع النظام، وأقوى بكثير من نظام العصابة الأسدية وتنظيماتها العسكرية والسياسية، وأنه نجح في بلورة قوته واستخدامها خلال فترة قصيرة من نشوب الثورة، لذلك لم يهزم رغم كثرة أعدائه وما استخدموه لكسره من سلاح ووحشية. هذا الإنجاز، هو أعظم ما حققه شعب الحرية، الذي أدام بفضله ثورة شاملة اجتازت سنوات شهدت مجازر ومذابح يومية، بينما كان النظام وحلفاؤه يعتقدون أنه مجتمع ضعيف وسيهزم خلال ساعات أو على أبعد تقدير خلال أيام . أليس من أعاجيب الحرية أن يتحمل شعب أعزل قدرا من الموت ندر أن تحمّل ما يماثله شعب آخر؟ لقد هدموا بيوته فصمد، وقتلوا أطفاله فلم يستسلم ويتخلى عن صموده، وهجّروه فلم تهم عزيمته، ولاحقوه إلى المهاجر بعد أن دمروا مقومات وجوده المادية في وطنه، فلم يزده ذلك إلا تصميما على الحرية وتمسكا بطريقها، وها هو يدخل عامها الخامس أشد إصرارا على نيلها، لإيمانه العميق أن الحياة لا تستحق أن تحمل اسمها وتعاش دون حرية، وأن لا حرية لغير طلاب الحياة، وأن لا طغيان او استبداد من أي نوع كان، بعد ما قدم من أثمان وتضحيات، ولا تراجع عن الثورة وإن استعانت الأسدية بجميع ما في الأرض من قوى الفرس الهمجية ومرتزقتها في لبنان والعراق وأفغانستان واليمن.

 يعلم السوريون اليوم أنهم قاموا بالثورة لأنهم احرار، وأنهم لولا الحرية ما كانوا ليتحدّوا نظاما مجرما كانوا يعلمون تماما أنه سيبطش بهم. لقد ثاروا لأنهم أحرار ويريدون تحرير حياتهم من الاستبداد، أي استبداد، ويحولوا دون سقوطهم مرة أخرى في أيدي طغاة مجرمين، كائنا ما كانت أسماؤهم ومعتقداتهم.

 تدخل الثورة عامها الخامس واثقة من قدرتها على الصمود والاستمرار، وعلى جعله عام الانتصار، عام سورية الجديدة التي ستجعل حرية المواطن منطلق وغاية سياساتها، والقانون سيد وخادم جميع مواطناتها ومواطنيها، والحاكم مسؤولا أمام العدالة كالمحكوم، ولن تسمح لأية جهة بالتعامل مع مواطنيها كعبيد لسادة نصبوا أنفسهم أربابا من دون الله، لا هم لهم غير إذلالهم ونهبهم والتحكم بمصائرهم وكسر إرادتهم واسترقاقهم. أخيرا، لن تسمح سورية الجديدة لأحد بالتمييز بين مواطناتها ومواطنيها، بمن فيهم من لم يشترك في الثورة أو قاومها، فالحرية مبدأ وتكون لجميع خلق الله، أو أنها لا تكون حرية بل وعدا كاذبا ومرفوضا. كما أن حق وواجب الثورة يملي علينا جميعا قوى معارضة وحراكاً ثورياً ومسلحاً، ومجتمعاً مدنياً، أن نقف وقفة مراجعة صادقة مع دروسها وما أنتجته من تجارب ووعي لنرتقي إلى عظمتها، ونتسلّح بروحها الجمعية، فنتمسّك بأهدافها موفرين سبل تحقيقها بكل الوسائل المتاحة.

رغم الصعاب والتجاهل الدولي وطول أمد الصراع، لن تكون سورية بعد ثورة صنعها شعبها لأول مرة في تاريخها غير دولة تقاتل الإرهاب وقيمه وتوالي الإنسان وحقوقه، لذلك لن تستكين لأية جهة مستبدة مهما طغا وبغت، وستبقي مجتمعها الحر، الذي أثبت بأدلة لا حصر لها أنه قوي إلى درجة صمد معها في وجه أعتى نظم الاستبداد والإرهاب وانتصر عليه، في حال يقظة دائمة، كي لا يغلق أحد أو شيء دربه الى العدالة والمساواة والكرامة، أو يحول بينه وبين مد يده بالخير إلى الإنسانية جمعاء. ولن يكون بعيدا، بمشيئة الله وإرادة الشعب، اليوم الذي سنتحدث فيه عن النظام الاسدي بلغة الماضي، وعن الحرية بلغة الانتصار.

الرحمة لشهدائنا، الشفاء لجرحانا، الموت للطغاة والنصر للحرية.