مشاركة، ومساعدة الجزائر للجيش المصري في حرب 1967
الحلقة الأولى
مقدمة القارئ المدني:
أعترف أنّي وجدت صعوبة في شرح، وترجمة بعض المصطلحات العسكرية الدّقيقة جدّا. ولا أدّعي ملكا ليس لي. وبعض المصطلحات التي لم أستطع فهمها، ولا ترجمتها ألغيتها من الترجمة. ولأن يقال ضعيف أفضل من أن يقال ما لا يليق بالحرّ الأصيل.
ماي 1967، في صحراء سيناء 296:
خمسة عشر يوما قبل كارثة جوان، كنت ضمن بعثة عسكرية توجّهت للعريش، في سيناء، للحضور إلى مناورات عسكرية ضخمة. كنت في مصر للمرّة الثّالثة.
المرّة الأولى لأجل نقل عتاد الجيش الوطني الشعبي على ضفاف النيل.
المرّة الثّانية بناء على دعوى مصرية موجّهة للدول الأعضاء في المنظمة العسكرية الإفريقية. حيث مقرّها في أكرا بغانا.
وثالث سفري لمصر، في ماي 1967، تحديدا قبل اندلاع حرب السّتّة أيّام، وسمحت لي الفرصة بزيارة مدارس تدريب ومتابعة العتاد في سيناء، قرب العريش. 296
الجزائر تغلي: 299
قبل أن يسدل الستار، أعطيت الأوامر. بالاستعداد للالتحاق بالمشرق العربي. مجموعة تحت قيادة الرّائد عبد الرزاق بوحارة، تطير لمصر، مسبوقة بالرائد زرڨيني على رأس فريق الضّباط. 299
الإجراءات الأولية تعني التعهد العسكري للجزائر في المشرق العربي.
كنّا نملك يومها ثلاثة ألوية مشاة متحرّكة، تحت قيادة عبد القادر عبد اللاوي، وأنا، ومحمد علاڨ. 299
بالإضافة لهذا العتاد، أرسلت الجزائر أهم ما تملكه من طائراتها. 299
النقيب محمّد بوزغوب طار من قاعدة جنوب-شرق الجزائر بسربين من ميغ-17. و15 طائرة من نوع ميغ-21 التي تحصّلنا عليها للتّوّ. ووضعت تحت تصرف طيارين مصريين.
وبمجرّد هبوط طائراتنا من نوع ميغ-21 تمّت تهيئتها ووضعت في الخدمة.
طائرتين اضطرتا للهبوط الاضطراري بالحدود الجزائرية-التونسية لأسباب فنية.
طائرة ميغ-21 من طائراتنا، أسقطت فوق العاصمة الصهيونية. وما يزيد في المرارة أن لا طائرة مصرية وصلت عاصمة الصهاينة. (يريد أن يقول: بينما الطائرة الجزائرية وصلت وتمّ إسقاطها). 299
ودعما لمجموع بوحارة، مفرزة دعم وإسناد بقيادة الرائد سليم سعدي، مدير النقل، تبعهم عبر البرّ. وعند وصولهم لليبيا، تلقى سعدي الأمر بالعودة، لأنّها تأكدت أنّ المعركة انتهت. 299
في أكتوبر 1968 تلقيت الأمر بالاستعداد لمساعدة فرقة الرائد عبد القادر عبد اللاوي. بينما مجموعة بوحارة، وفرقة عبد اللاوي التحقتا منذ ستّة أشهر. وقرّر بومدين أن تكون إقامة جنودنا في المشرق العربي لمدّة عام. والعتاد يبقى في مكانه. 302
جنود الفرقة الثّانية كانوا متحمّسين لمعرفة مصر. والحرب لا تخيفهم. والمعارك التي خاضوها في الجبال أيّام الثّورة الجزائرية كانت حافزا لهم. 302
تتكوّن فرقتي من ثلاثة كتائب من 600 جندي، و كتيبة من 31 مدفع T-55، ومجموعة مدفعية، وبطاريتين ذات مدى بعيد عيار 122 ملم، وبطارية قذائف من 152 ملم، وفرقة دفاع مضادة للطيران تتكوّن من بطاريتين 35ملم، وبطارية من 24 رشاش 145 ملم.
تضم 5 سرايا لللاسلكي، والاستطلاع، والقيادة، والخدمات. وفيما بعد، ستلتحق بهم فرقة الهندسة. 302
اتّجهنا إلى مصر عبر طائرة Antonov-12، مدعمة بـسّتّة طائرات التي نملكها يومها، يقودها طيارين جزائريين: طرابلسي، والجيلالي تومولڨي، وسليم بن عبد الله، ورشيد بوتلة، ومحمد بولحرز، ومصطفى جاودي، ودراجي، وصويلح. 304
وحين كانوا بالمشرق العربي كانوا يعملون ليل نهار، ويحلقون في ظروف صعبة، ويطيرون على بعد 4000 علو وهو أقصى علو تصل إليه الطائرة يومها. 304
كلّ أسبوع تصل طائرة Antonov-12 إلى القاهرة محمّلة بالبريد، والتموين. 305
خلال تواجد قواتنا بمصر، من 1967 إلى 1975، كان التّكفل بهم من طرف الحكومة الجزائرية. وللجيش الجزائري رصيد بالمصرف المصري مموّل من طرف الخزينة الجزائرية. والمنحة التي تقدّم لهم وهم بمصر هي نفسها المنحة التي تقدّم لهم بالجزائر. 305
على الجبهة: 305
في 11 مارس 1969، أعلنت مصر وبشكل رسمي عن وقف إطلاق النار. وفي الحقيقة، الاعتداءات الصهيونية لم تتوقف منذ جوان 1967. وقال عبد الناصر: "لا أستطيع اقتحام سيناء، لكن يمكنني تحطيم نفسية الصهاينة عبر الاستنزاف".
الجيش الصهيوني ضرب بقوّة عبر الضربات الجوية وعمليات النخبة في العمق، قاصدا بذلك تدمير البنية التحتية أو الحصول على معلومات. 305
استمرّت المعارك الخاطفة لغاية وقف إطلاق النار في أوت 1970. المفروض على الفريقين من طرف الولايات المتحدة الأمريكية. استغلّ الصهاينة الوضع لتعزيز مواقعهم عبر إنشاء خطّ ثاني من الدفاع. 306
انفجر لغم فاستشهد جندي جزائري. ولم نعثر على شيء من جسده غير بعض قطع متناثرة من جسده. حتّى أمرنا المكلّفون بنقل جثمانه إلى عائلته ألا يفتح الصندوق، ويدفن مباشرة. 308
الجندي المصري شجاع، وخاصّة مطيع. لكن نقص الوسائل، دون شكّ أيضا، وتكوين ضعيف يعيقه. 309
أعجب الجنرال شاهين أمام الجنود المصريين بالتّنظيم الدقيق لنقاط الارتكاز للجيش الوطني الشعبي. 309
أعلن الجنرال شاهين أنّ الجيش المصري الثّاني أعاد تنظيمه استجابة لطلب الأخ خالد، وأضاف: "أنا ضامن للأخ خالد لأنّي رأيته في الميدان".
طلبت في وقت مضى تموقع يؤدي مباشرة إلى قناة السويس لمشاركة فرقتي في العمليات القتالية. لأنّنا لم نقطع آلاف الكيلومترات لنبقى على بعد 14 كلم بعيدين عن العدو. أن تبقى في مكان وأنت مهموم ليس من عاداتي، ولا من جنودي. 310
أثناء الاجتماعات مع شاهين. اندهش المصريون من كوني كنت أكتب باللّغة الفرنسية ما يقوله بالعربية. واقترحت عليهم تقليد الجزائريين سنوات 1950: "جيلي لم يتعلّم اللّغة العربية، لكن هذا لم يمنعهم من طرد الفرنسيين إلى ديارهم". 311
كازمة ملازم رزقي: 314
قصف الصهاينة موقعا يبعد عن مقرّ القيادة بعض الأمتار فقط. وتفاجأ الجنود المصريين من قدوم طائرتين صهيونيتين قادمتين من الشرق. وهي تحطّم الدفاعات الجوية المصرية بالكامل.
انتقلت للموقع، والوضع كان رهيبا، والضّباط المصريين بملابس النوم، وأكثر من ستين 60 قتيل، ومئات الجرحى حسب الملازم فاروق.
أتساءل عن عدم مسؤولية الضباط المصريون الذين أمروا جنودهم بالتموقع في مكان واحد، وبهذا العدد الكبير على بعد أمتار من الصهاينة. الكتيبتين المصريتين لم يكن لهما الوقت لحفر الملاجئ. 314
اندهش قادة مصر العسكريين من قيام الجنود الجزائريين من تهيئة خنادق متين ةعلى عمق 3 أمتار، وتحت إشراف الملازم رزقي. واندهش أبو غزالة المصري قائلا: "من أين تعلمتم كلّ هذا؟".
والجزائر هي التي دفعت ثمن المواد لتهيئة الخنادق المتينة لحماية الجنود المصريين. واستعنا بقطار قديم قد أصيب. لتحويل المواد لخنادق متينة.
وبعد الانتهاء من العمل، وتهيئة الخندق بالحجارة. قال لي القائد العسكري، ورئيس الدفاع الجوي للجيش المصري الثّاني: "تملكون مهندسين لصناعة كلّ هذا؟". أجبته: "لا، في الجزائر، أي أحد يمكنه التهيئة بهذه المواد". 315
الجيش الوطني الشعبي يشارك في كلّ العمليات العسكرية التي تحدث في الجبهة للجيش المصري الثّاني، كالمضادة للطيران، والمدافع، والبطاريات. 315
الفرقة الجزائرية تصيب الصهاينة: 319
كثّف الصهاينة هجوماتهم الجوية ضدّ الفرقة الجزائرية 319.
كانت ترمي علينا عشرات أجهزة الهجوم على الأرض، والميراج، والفانتوم.
مجموعتنا المضادة للطيران، بقيادة النقيب حسين أوصديق تضم بطاريتين ذات 6 مدافع 37 ملم، و24 رشاش 14،5 ملم، موضوع على أربعة ذات 6 أعمدة متحرّكة.
لا يوجد طائرة صهيونية أصابت أهدافها مادامت نيراننا مشتعلة ودقيقة.
العاملين في مضادات الطيران الجزائرية، المنتمين لصفوف الجيش الوطني الشعبي، يبرهنون هذا اليوم، أنّهم لم ينسوا أبدا ما تعلّموه خلال حرب التحرير. 319
أصيب بعض جنودنا بسبب الصدمات التي أصابتهم عبر واقي الرأس.
أقول: تحدّث الكاتب عن هجمات صهيونية جوية عديدة حاولت أن تصيب المضادات المدفعية الجزائرية. لكن وبفعل النيران الجزائرية كانت القنابل الصهيونية تصيب أماكن بعيدة بحوالي 100متر، و800 متر. 319
ويعود نجاحنا في ذلك إلى التدريب الجيّد، والتهيئة التي قمنا بها، والتي شكّك فيها بعض قادة الجيش المصري. وفي الأخير قلّدنا الجيش المصري مستعملا الوسائل الكبرى. 319
بعد نجاح مسؤول فرقة المضادات الجوية الجزائرية تلقى تهاني قادة مصر، والفلسطينيين، والسودانيين. وبعدما اتّصل بومدين ليقف على حالة الجيش الوطني الشعبي. 320
أعلمني قائد الجيش المصري الثّاني المصري أنّ طائرة صهيونية ثالثة سقطت (مايعني أن الدفاعات الجوية الجزائرية أسقطتها). وبعدما هنّأ رجالي على ما قاموا به. سألني: كم عدد خسائركم؟ أجبت: لم يمسّ أيّ أحد من رجالي. صاح متعجبا: "أۤزۤاي۟". 320
أقول: من الأخطاء القاتلة التي ارتكبها الجيش المصري أنّ البطارية المضادة للطيران غير محمية ببطارية أخرى. وهذا من "الناحية الفنية انتحار". ووعدهم الجزائريين أن يساعدوهم في هذا الجانب. 321
أقول: وهذا ما جعل بطارياتهم، ومدفعيتهم، وجنودهم هدفا سهلا أمام الطائرات الصهيونية.
وبمجرّد ما نصّبنا بطارياتنا. فاجئنا الطائرات الصهيونية. وأعمدة الدخان تدلّ على أنّ طائرة صهيونية سقطت. 321
تعجّب الجنرال شاهين من الخنادق التي هيّئناها وتسمى حفرة-الزجاجة الموروثة عن عهد الاستدمار الفرنسي، والتي ورثها عن الفيتناميين. ويكفي حفر ثقب على شكل فم الزجاجة، ضيّقة في البداية ثمّ تتّسع لتستقبل إنسان. وتحمي الجندي ضدّ كلّ قنابل العدو. خاصّة البطارية. وتمكّنه من استعمال سلاحه وهو في مكانه آمن". 322
وأخبرني الجنرال شاهين أنّ الجيش المصري تبنى بشكل رسمي "النموذج الجزائري لتثبيت الأفراد ضدّ القنابل". 322
طيلة المشاركة في حرب الاستنزاف بمصر، الكتيبة الجزائرية أصابت الصهاينة بأكثر ممّا تلقته. والخسائر في صفوفنا مقارنة بخسائر العدو الصهيوني، لا تتعدى خسائر حوادث المرور أو التي كانت بسبب الأخطاء إطلاق النار بالصدفة. 322
العودة إلى الوطن: 326
بعد العودة إلى الجزائر بتاريخ: أكتوبر 1969، واستخلافنا من طرف أربعة فرق جديدة محمّد علاهم.
كانت لحظات حزينة ونحن نودّع إخواننا المصريين. وأخذت عطلتي من الجنرال مصطفى شاهين، الرجل الذي اعتبرني دوما أحد رجاله، ويدعوني لحضور كلّ الاجتماعات مع ضباطه، ويعلمني بأدقّ التّفاصيل التي تحدث في الجبهة. 326
عدت إلى مصر للمرّة الرّابعة في بدايات سنوات 1970. وكنت عضو لجنة مكلّفة بتسليم عتاد عسكري للقوّات العسكرية المصرية. واللّجنة تحت قيادة العقيد محمّد صالح يحياوي.
حملنا رسالة من هواري بومدين والتي يعلم فيها وزير الدفاع المصري محمود فوزي، أنّ الجزائر تضع تحت تصرّف مصر:
60 طائرة حربية.
150مدرعة مصفحة.
100 دبابة قدّمت لنا من الاتحاد السوفياتي، وتمّ دفع ثمنها من طرف الجزائر. 327
رجالي وأنا غادرنا مصر في حالة حرب مع الإيمان أنّنا أدينا دورنا. كنا إلى جانب الجيش المصري الذي كان يسير نحو هزيمته شيئا فشيئا. 327
الحلقة الثّانية:
نصائح الجيش الوطني الشعبي، وأخطاء الجيش المصري في حرب 1967
الحلقة الثّانية والأخيرة
مقدمة: سبق للقارئ المتتبّع أن عرض الحلقة الأولى[1] من الكتاب. وهاهو يوفّي بوعده حين وعد القرّاء الكرام بالحلقة الثّانية.
من معاني حرب الاستنزاف:
كلّفت حرب الاستنزاف تضحيات جسام لمصر. كما لا حظت ذلك بنفسي. 294
حرب الاستنزاف لم تكن لدى الجيش المصري وسيلة ضغط ضدّ الصهاينة لطرده من الأراضي المحتلّة. ومحت تدريجيا هلع حروب 1956، و1967. صفحتي 294-295
شجاعة الجيش الوطني الشعبي الجزائري في حرب الاستنزاف:
أتحدّث عما قامت به الكتيبة الثّانية التّابعة للجيش الشعبي الوطني التي كنت أشرف عليها أثناء أقوى مرحلة من حرب الاستنزاف. 295
الجيش الوطني الشعبي محظوظ لأنّه شارك إلى جنب الجيش المصري في نفس الوقت. وشرع في اقتحام نار جديدة من أشكال الحرب، فوجد ثقته في امكاناته. 295
أتقدّم بالشكر لشجاعة مدفعية الميدان حيث شجاعتهم أجبرت الفرقة المصرية الثّانية، والفلسطينيين، والسودانيين للإعجاب بهم.
أتوجّه بالشكر للطيارين الذين ظلوا قائمين باستمرار على خطّ الجزائر-القاهرة، محوّلين ضجيج طائرة Antonov-12 لحافلة لأجل إخوانهم الذين يحاربون في الجبهة لا يحتاجون لشيء. وأتوجّه بالشكر، لكلّ وحدات الجيش الوطني الشعبي الذين سبقوا، أو التحقوا بالكتيبة الثّانية على مسرح الحرب في المشرق العربي. 295
مدّة ثمانية سنوات، من 1967 إلى 1975، انخرطت الجزائر بجيشها، ومالها، وعتادها لتبيّن كامل تضامنها مع مصر الأخت. 296
تضحيات، وقيم الجيش الوطني الشعبي الجزائري أثناء حرب 1967:
وأنا أخطّ هذه الأسطر، وبعد مرور خمسين سنة ( لغاية سنة 2017) من الملحمة المصرية، آلاف من قدماء جنود الجيش الوطني الشعبي الذين أصيبوا، وتعرّضوا لأسوء الظروف، يتظاهرون في الجزائر بتاريخ: جوان، وجويلية 2017 لتبيان كيف كانت تضحياتهم تجاه إخوانهم المصريين كانت عظيمة ويطالبون بالاعتراف بحقوقهم. والذين يجدون عندي كلّ التعاطف، والتضامن. 296
هذه الصفحات التي أتطرّق عبرها لمساري العسكري هي أفضل شهادة تبيّن أنّ الوقوف لجانب القضايا العادلة، والأخوية للجيوش هي قيم خالدة. ويتعدوا المحيط السّياسي، والظروف المحيطة.
عظمة الرّئيس هواري بومدين من خلال وقوفه مع إخواننا المصريين:
حين أعلنت الحرب، استجاب هواري بومدين، بطريقة واحدة. لكنّها كم هي عظيمة، وشريفة. أمام جبهة الجنود، في مدرسة طفراوي الجوية حيث انطلقت أسراب الطائرات تجاه مصر، واستدعى الاحتياط، وقائمة الذين تركوا أرواحهم الفتية في رمال السويس. 296
فرنسا تخوض حرب 1967 للثّأر من الجزائريين:
جنود فرنسيين ذهبوا لمصر للبحث عن ثأر ضدّ جبهة التّحرير الوطني، وآخرون (وذكرهم). 297
الجنرال الجزائري يثني على الجيش المصري رغم النقائص:
قلت أثناء عودتي للجزائر للذين يريدون أن يسمعونني: المصريين أقوياء في نشوب حرب، وسينتصرون في أيّة حرب دون شكّ. وأعتقد أنّهم سيقضون على الهيمنة الصهيونية في لمح البصر. وردّد الضّباط المصريون ذلك بكلّ تأكيد. وكان يلزمني وقت أنّه أثناء المناورات العسكرية التي أجراها الجيش المصري بقيادة المارشال عبد الحكيم عامر كانوا يتعمّدون التمثيل عبر طلي الأهداف والنيران على أنّ الهدف أصيب فعلا، ولتقديم صورة مشرّفة لجيشهم. 297
الاتحاد السوفياتي يغضّ الطرف عن أخطاء الجيش المصري:
لم يكن من أهداف الخبراء الروس نقل التكنولوجيا، بل البقاء أكبر وقت ممكن، وبيع عتادهم. وكانوا يغضّون الطرف عن المهازل التي كان يقوم بها الجيش المصري بأنّه أصاب أهدافه. وفي الحقيقة كان يتظاهر بأنّه أصاب الأهداف. 297-298
حزن الجزائريين على هزيمة إخوانهم المصريين:
قبل اشتداد حرب 5 جوان 1967 بين الصهاينة والعرب. كنت في مقرّ المحافظة السّياسية للجيش الوطني الشعبي. وأخبار الانتصارات الواردة من القاهرة لا تنقطع. وسمعت عبر المذياع وأنا في الأصنام (الشلف حاليا) أنّ الصهاينة احتلوا العريش. العريش التي زرتها منذ أيّام فقط. واحتلال العريش معناه أنّ آخر جدار مصر سقط. وغدا سمعنا أنّ الصهاينة قصفوا، واحتلوا قناة السويس. اعتبرنا هزيمة الجيش العربي إهانة مرعبة. والشعب الجزائري مات حصرة، وأصيب بسكتات قلبية. شباب جزائري استسلم للموت ورمى نفسه في الفراغ. 298-299
أسباب هزيمة الجيش المصري، والعرب، وعبد الناصر:
عدم كفاءة قادة الجيوش العربية، وثقة عبد الناصر في حراس مجانين الدبلوماسية
هزيمة الجيوش العربية أدّت في الجزائر إلى إحباط كبير. واهتزّ الشعب الجزائري بموجة من الغضب والاستنكار، والتي لم يشهدها من قبل. 299
الأنظمة العربية مسؤولة عن الهزيمة لأنّها لم تعمل على الوسائل العسكرية القادرة على صدّ الصهاينة. 300
أتيحت لي الفرصة وأنا في جبهة القتال بقناة السويس، أنّي لا حظت أنّ قيمة الجندي المصري. والجيوش العربية ضحية عدم كفاءة قادة أركانهم، ووقوعهم في حسابات سياسية صغيرة عمياء لمسؤوليهم في مواجهة القوّة الحقيقية التي تواجههم، والاهتمام بالمعارضين عوض توجيه قوّتهم نحو العدو الحقيقي الصهيوني.
التقييم السياسي للوضعية لدى الصهاينة، والمقدّمة من طرف السّلطة المصرية، كانت خاطئة. وعبد الناصر كان يثق في حراس مجانين الدبلوماسية. 300
هواري بومدين يشتري السّلاح للجيش المصري:
الرّئيس هواري ليس الرّجل الذي تتركه يقاتل لأجل معركة خاسرة. ذهب حيث يعتقد أنّه الأكثر ضغطا: وضع الحلفاء الروس في وجه الجدار. ذهب لموسكو وطلب من بريجنيف ألا يترك مصر، قائلا له: "أعد تسليح الجيش المصري، الجزائر ستدفع ثمن كلّ الأسلحة التي تقدّمها!".
هواري بومدين هذا الرجل صاحب الدم-البارد الأسطوري، تصرّف مثل أوسليمان، ومثلي، ومثل كافة الجزائريين. ترك نفسه للعاطفة. 300
الجيش المصري مطالب بمراجعة أخطائه:
المطلوب من مصر أوّلا، أن تقوم بنقدها الذاتي. وعلى المتسبّبين في الهزيمة أن يغادروا. وضرورة ظهور نخبة عسكرية جديدة، والحصيلة المرّة مهما كان صداها تقدّم من طرف المصريين أنفسهم. ستّة أيّام بعد بدء المعارك، الجوية العربية لم تعد موجودة إطلاقا، الدبابات المصرية، والأردنية، والسورية. واحترقت في سيناء، والضفة الغربية، وأعالي الجولان. الصهاينة ضاعفوا مساحتهم لثلاث مرّات. أصبح يحتلّ سيناء، وغزّة، والأردن، والقدس الشرقية. وتوسّع صحراء سيناء، المزروعة بأحذية الجنود المصريين الفارين، كانت الصور التي ميّزت الذاكرة 300-301
نصائح هواري بومدين لعبد الناصر الذي يرفض أن يكون ثوريا:
في الحقيقة، يعتقد بومدين أنّ الأوضاع ليست سهلة، خاصّة في الظروف السّياسية يومها. ولا يعتقد في النهوض السّريع للجيوش العربية، والتي لم تستطع الدّفاع عن خطوطها رغم أنّها كانت سهلة. ويؤمن بالثّورات الشعبية وقد قال ذلك لعبد الناصر. ونصحه بجرّ الصهاينة نحو النسيج العمراني للمدن العربية، وقنصهم عبر عدّة عمليات، واضطرارهم من أن يوجدوا جميعا في نفس المكان؛ بكلمة واحدة مواجهتهم في الشارع العربي، في عمق شمال إفريقيا، وداخل صفوف الشعب المسلم الكثير والمتحمّس. لا يملكون لا الإمكانات البشرية، ولا الوسائل العسكرية، ولا الأحلاف للدخول في مثل هذه المغامرة. وعبد الناصر، الذي رأى أنّ القاهرة ستسقط لم يكن له نفس نظرة بومدين. عبد الناصر إداري، ولم يكن، ولا يريد أن يكون ثوري. وبومدين أخطأ في الرجل. ولم يكن "هو شي ميه" الذي كان يريده. ويظهر أنّه الزّعيم الأكبر، ويتغنى بالعروبة، وبالوحدة العربية، ويتراجع أمام الحلّ الوحيد، والحقيقي للحلّ.
تريد الجزائر معالجة المشكلة من جذورها، وهي: فلسطين. وعبد الناصر يريد استرجاع سيناء. بومدين يواصل مشروعه الكبير. وعبد الناصر يسعى نحو الهدف الصغير. 301
الجيش الصهيوني المنهزم وقف على حافة القناة لتجنّب المصيدة التي تمناها بومدين. وغزّة، تظهر حقيقة في 1967، أنّ بومدين كان على حقّ. 301-302
أخطاء الجيش المصري، ونصائح قيادة الجيش الوطني الشعبي:
أقول: ذكر الجنرال الجزائري صاحب الكتاب عدّة أخطاء ارتكبت من طرف الجيش المصري (كوضعية الكاسمة)، وغيرها. ونبّه الجنرالات المصرية لذلك. وأخذوا بها، وأمروا جنودهم بالتقيّد بها. وأثنوا مرارا على قيادة الجيش الوطني الشعبي في مصر. وكمثال راجع صفحة 311-310
أقول: تحدّث الكاتب عن نقائص مادية رهيبة لدى الجيش المصري. ونقل هذه النقائص للقيادة العسكرية. وكأنّه يقول: لا يمكن دخول حرب، والانتصار فيها بهذا النقص الرهيب في الوسائل المادية، وفي الخطط الحربية.
الضباط المصريين الذين قدّموا لنا تسليم المهام لا يهتمون بسلامة جنودهم. 312
أقول: يتحدّث الكاتب عن أنّ الجيش الوطني الشعبي قدّم مساعدات طبية للجنود المصريين المصابون من طرف الصهاينة.
فهمت من الكاتب: الجيش المصري يفتقر لأبسط أدوات التمريض. 313
والأهم من ذلك أنّ القيادة غير مهتمة بجنودها، ولا يهمها مصيرهم. ويفتقرون للجانب الروحي في مواجهة الصهاينة.
"يحتاج الأمر لوقت وحرب الاستنزاف لكي تفهم القيادة المصرية أهمية الجانب الروحي لدى الجنود". 313
لا تهينوا جثامين الجنود الجزائريين:
رجالي، وأنا في مصر هنا للتضامن مع إخواننا العرب ولا نخفي شيئا. 314
قلت للملازم الأوّل فاروق: لا نطلب من عمال المطار الدولي للقاهرة غير التعامل مع جثامين الجنود الجزائريين، المتّجهين إلى الجزائر ألا يتم التّعامل معهم على أنّهم بضاعة سيّئة. لكنّه لم يستطع فعل شيء. بسبب البيروقراطية الخانقة، وغير الإنسانية. 314
ثمن الكراء للجزائري المساعد:
وضع المارشال عبد الحكيم بيته الفاخر تحت تصرفنا. ثمّ وصلنا تحذير من المحامي يطلب منّا دفع ثمن إيجار البيت الذي استعملناه. 308
الصهاينة فوق القصر الجمهوري:
طائرتين حلقتا وبشكل غير معتاد، خارقة جدار الصمت، وبعلو منخفض جدّا حتّى أثاروا الزوابع الرملية. وفي الغد علمنا أنّها حلقت فوق القصر الجمهوري لعبد الناصر. 316
الضعف الرّهيب للجيش المصري أمام الصهاينة: 316
لم يكن الجيش المصري، في مستوى مواجهة الصهاينة. 318
أذاع مذياع القاهرة أنّ الطيران الصهيوني حطّم المحطّة الكهربائية لنجا حمادي. وبعدها بقليل أذاع الصهاينة: "المحطّة لم تقصف بطائراتنا، بل حطّمت من طرف نخبة الطوافات". 318
أقول: ذكر الكاتب تفاصيل العملية الصهيونية. والتي لم يعلم بها الجيش المصري إلاّ فيما بعد. ما يدلّ على الضعف الرّهيب للجيش المصري. مع العلم قام جنود النخبة الصهاينة بالعملية وقد كان لهم "كامل الوقت للوصول إلى أهدافهم، وقتل المدافعين عنها، ووضع قنابلهم المتفجّرة. وانتهت مهمتهم بنجاح". 319
الجيش المصري لم يسقط طائرة صهيونية:
أقول: ممّا فهمته -وإلى أن تكذّبني الأيّام، والقراءات القادمة- أنّ الجيش المصري لم يسقط ولا طائرة صهيونية واحدة.
الصهاينة يسرقون رادار مصري أمام أعين الجنود المصريين: 322
اشترت مصر رادار "الطائر" المتطور. مهمته مواجهة الضربات الجوية الصهيونية، ومعرفة المسافة، والاتجاه، والتحليق ولو كانت الطائرة على علو منخفض جدّا، ويحتوي على عدّة دفاعات ثابتة، ومتحرّكة، وأرضية، وجوية.
والطامة الكبرى أنّ الصهاينة استولوا عليه عبر عملية النخبة، وفكّكوه لقطع صغيرة ونقلوه عبر طوافات. وحدث كلّ هذا أمام أعين الجنود المصريين. 323
القاهرة مهدّدة بسبب ضعف، وعشوائية البطاريات المصرية :
وصل الصهاينة إلى مسافة 60 كلم عن القاهرة. وللأسف وحداتي لم يلاحظوا، أدنى إجراءات الحماية. 324
البطاريات المصرية قوية من حيث الحجم لكن قدراتها (المدى والاستيعاب، والحجم) ضعيفة بالنسبة للصهاينة. بطاريات الصهاينة تصيب كلّ جبهة القتال والعمق في سيناء. 325
القدرات الفنية والمناورة للمدافع التي يمتلكها المصريون (T.54, T.55, T.62) تجاوزها الزمن. وتموينهم كذلك. وكانت المدافع المصرية تحطّم قبل أن يرصدها العدو. 325
أقول: تحدّث الكاتب عن أخطاء ارتكبتها المدفعية المصرية وأصابت البطاريات الجزائرية عوض العدو. وكان ذلك بسبب انقطاع الاتصال أثناء تصحيح الرمي. 325
أقول: الجند المصري لم يكن يحسن إصابة دبابة العدو. لأنّه لا يصيبها في القلب. وكانت طلقاتهم عشوائية لا تصيب الهدف. 326
وسوم: العدد 1126