الفوضى الخلاقة ..!

حامد بن أحمد الرفاعي

الفوضى الخلاقة ..!

حامد بن أحمد الرفاعي

حقًا إنه لمخجل وعار عندما يؤسس رئيس دولة عظمى سياسة بلاده على ما يسمى (الفوضى الخلاقة)..!وهل الفوضى قط كانت خلاقة..؟وهل كانت في وقت ما من التاريخ البشري مصدرًا للخير ؟وهل هناك شخص عاقل يفكر على هذا النحو بشأن الفوضى..؟إنه لفي غاية الغرابة عندما يفكر شخص ما على هذا النحو في القرن الحادي والعشرين..الفوضى مرفوضة بكل القيم الدينية والأعراف الحضارية..فالإسلام يؤكد أن النظام شرط أساس لإقامة مجتمعات آمنة لقوله تعالى:"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ"واشتهر عن كونفوشيوس قوله:"ينبغي أن يتوفر للناس ثلاثة أمور(النظام والطعام والأسلحة) فقيل:لو طُلب منك التخلي عن واحدة منها فبما تبدأ..؟قال:بالأسلحة!وحين سُئل لو خيرت بين النظام والغذاء فأيهما تختار ..؟قال:النظام.بكل تأكيد التخلي عن السلاح والغذاء لصالح النظام من الحكمة والرشد..لأن السلاح بدون نظام هلاك ودمار..ومع غياب النظام يُفتقد الغذاء وتتوقف التنمية..أجل الفوضى هي الهلاك وهي الدمار..ولكن لماذا الإدارة الأمريكية تفكر وتتصرف على هذا النحو..؟هل هم أغبياء..؟قطعاً ليسوا كذلك فالغباء لا يكون حالة جماعية في مجتمع ما..إذاً لماذا وما هي أسباب تصرفهم على نحو ما يصدر عنهم..؟وكيف نقرأ هذه الحالة في سياسة دولة كبرى ترتكز على مؤسسات عريقة..؟وتتمتع بإمكانات رائدة من مراكز البحوث والدراسات..؟تحدثت في رسالة سابقة عن التآمر..وقلت أن التآمر وسيلة وفن من فنون الحرب..وهو أمر مشروع ومطلوب لرد البغي والعدوان وإفشال مكائد الأعداء..وأمريكا والغرب ودول العالم بعامة تعيش حالة صراع وتصادم وتغالب وحروب طاحنة باردة وساخنة مستعرة بينهم..وفي هذا المناخ المحموم والمتأجج بالبغضاء والكراهية..أنتجت مراكز البحوث الأمريكية فكرة (الفوضى الخلاقة) وسيلة كيدية لتحقق بها ما تريد في حمأة التطاحن بين الأمم..وجاء في الأمثال:(ما بتصفى إلا بعد حرّها أي تعكِّيرها) ومن هنا جاء القول المشهور:"يصطاد في الماء العكر"وهاهي أمريكا اليوم تمارس سياسات الاصطياد بالماء العكر في مستنقعات(الفوضى الخلاقة)التي صنعتها..ولكن هل كل فوضى صناعة أمريكية..؟للإنصاف نقول:لا..فهناك فوضى من فعل وصنع أيدي أهل بلد ما..ودور جنرالات التآمر من خارجها القيام باستثمارها وتعميق أسبابها لحساب مصالح بلدانهم..أما غالب ظاهرة الفوضى فهي من صناعة جنرالات التآمر ابتداءً..التي تعد لها الخطط والوسائل والأدوات المناسبة..وذلك بقصد ارتهان إرادات الشعوب لحساب غاياتهم ومقاصد سياساتهم في الهيمنة والتسلط ..فهاهي الساحة الدولية بفعل مكائد وتآمر الفوضى الخلاقة تحولت اليوم إلى خنادق حروب واقتتال وذبح ودمار وحرائق وهولوكستات..تُؤدى وتُمارس بحماقات هوجاء وأفعال دموية رعناء ووحشية خرقاء..مما يُجسد بدقة المشهد المذهل المرعب الذي أخبرنا عنه سيد الخلق ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم من وراء أربعة عشر قرناً ونيّف..وهو يحذِّرنا من مثل هذه المشاهد المزلزلة فيقول:"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ،وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ..فَقِيلَ:كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ.. ؟قَالَ:الْهَرْجُ،الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ"وبعد لما العجب..؟؟؟!!! إنها الفوضى الخراقة..ولو سموها(خلاقة)!!!