ماليزيا إذ تمنح الشباب الفلسطيني دور القيادة

م. محمد يوسف حسنة

صوتٌ واحد، فريقٌ واحد، أمةٌ واحدة شعار رفعه وفد القادة الشباب المُبتعث إلى ماليزيا لإيصال رسالة فلسطين التنموية، فلسطين الجمع القوية، أحد عشر قائداً وقائدة من الشباب يمثلون خلفيات سياسية متنوعة وقطاعات مختلفة، صهروا الخلاف وحيّدوا التجاذبات، وضبطوا جماح النفس، تناغموا فعزفوا سمفونية الوحدة، وغردوا برسالة التنمية، فكان النجاح حليفهم، والاستقبال الرسمي والشعبي في ماليزيا بانتظارهم، كانوا وقود الفكرة، ودافع انطلاقها فحلقت الفكرة وحلقوا معها، هدفوا لعنونة الوحدة وجعل التنمية عنوان التدخل، فعنونتهم الفكرة، ونادهم الشباب بالقادة، هذا اختصار الحكاية فكيف كانت البداية.

بداية الحكاية

عقب حرب حجارة السجيل والتي أراد الاحتلال بها كسر شوكة الفلسطينيين، فإذ بالله يُلحق بالعدو الهزيمة والعار، ويكتب لغزة أن تكون عنوان الانتصار، استقبلْنا وفداً ماليزياً كبيراً ممثلاً عن الحكومة الماليزية ونادي شباب ماليزيا، ولأن الشباب محور اهتمامنا وإيماناً بأنهم يُشكلون عصب الأمة وقادة مستقبلها، وأنهم قادة التغيير إن أرادوا، وضعنا ضمن برنامج الوفد الزائر لقاء مع القيادات الشابة وتم دعوة الجهات ذات العلاقة، وبدأ النقاش حول آليات التعاون ما بين الشباب الفلسطيني والشباب الماليزي وضرورة التركيز على التعليم والاقتصاد والتنمية الاجتماعية، ولأن المهمة عظيمة والحمل ثقيل كان لابد من خطوات عملية تثبت الجدية وتطبق المتفق واقعاً لا أن يبقى كلاماً متناثراً في الهواء أو مراسلات حبيسة الأدراج، فقررنا تشكيل الحركة الشبابية الماليزية الفلسطينية وعقد الاجتماع التأسيسي في كوالالمبور.

اختيار اللجنة التأسيسية.

لم تكن مهمة اختيار اللجنة التأسيسية سهلة فلدينا من الكفاءات والقيادات الشبابية في قطاع غزة ما يفوق الاحتياج فكان لابد من معايير صارمة وشروط تضمن مشاركة الأكفأ وبما يُتيح مشاركة تخصصات مختلفة وخلفيات سياسية مختلفة، وبدأ السير في عملية الاختيار، حيث تم الإعلان عن شروط الالتحاق والترشح عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتواصل مع المؤسسات الأهلية ذات العلاقة بالإضافة للتواصل مع وزارة الشباب والرياضة لتكاملية الجهد والخروج بلجنة تعبر عن الجميع.

تقدّم من تقدّم وكانت لجنة فرز السير الذاتية والتي خلصت لاختيار أفضل الشخصيات المتقدمة ومن ثم تم تشيكل لجنة مقابلات والتي اختارت أعضاء اللجنة التأسيسة للحركة الشبابية الماليزية الفلسطينية، وبدأت مرحلة التحضير للاجتماع التأسيسي.

مطاردة الحلم.

منذ اليوم الأول لاختيار القادة السفراء الشباب، اجتهدوا في الترتيبات الخاصة بالسفر والأوراق التي يجب أن تقدم في الاجتماع التأسيسي، وما هى الرسالة التي يجب أن تصل، عين على واقع احتياجات أهالينا المحاصرين في قطاع غزة وعين على الطموح المراد أن يصل له حال هؤلاء المواطنين، فأحسنوا الإعداد والترتيب بمهنية عالية وإخلاص تام وتجرد كبير.

بدأت العيون ترقب لحظات المغادرة والطريق إلى ماليزيا، وعقولهم وقلوبهم تعلم  أنهم يخرجون إلى مهمة عظيمة حاول البعض قبلهم ولم يستطع إيصال الصوت والصورة بشكل مناسب، وكانوا يعلمون أن ما يقارب من أسبوعين كفيلة بأن يعرف منهم الآخر وسيكون لهم من كان غريباً عنهم رفيقاً في السفر والترحال، وكانوا على ثقة أن علاقاتهم لن تكون كسابق عهدها بل ستتوثق وستتآلف القلوب وتتقارب الأفكار وتزول الضبابية، فعزموا المسير إلى الهدف وصمموا على أن يروا شعبهم منهم ما يسره، على أمل أن يكونوا خير سفراء له، أيقنوا أن الله فتح لهم باب عظيم عبر إنفاذ تجربة نوعية وإحداث نقلة جدية في كثير من الميادين، تسلحوا بالايمان بالقضية ووضعوا حسن التمثيل لشعبهم وأدركوا أن نجاحهم نجاح لشعبهم وتعزيز لقضيتهم وأن الفشل فشل لوطنهم.

الوصول إلى ماليزيا

نية صادقة، وترتيب مهني محكم، ورسالة سامية، فكانت ماليزيا وكان تحقيق الحلم، ووصل الشباب إلى ماليزيا، واستقبلتهم ماليزيا الرسمية والشعبية بترحاب واحترام، واحتفى بهم الإعلام وحظوا بمعاملة رسمية أشبه ما تكون بمعاملة وزراء، ولا أخفيكم أن ماليزيا أحسنت قراءة الواقع فعلمت أنها بما تقدمه للقادة الشباب في فلسطين سينعكس ايجاباً عليها عبر وجود 11 قائد وقائدة من الشباب يؤمن بها كنموذج يحتذى به ويتحدث عنه وينقل تجربتها الرائدة إلى العالم العربي.

12 يوم في كنف حضارة الإنسان وثقافة التسامح.

كان التعطش لدينا شديد لأن ننهل من التجربة الماليزية، وكان الأصدقاء في ماليزيا عند حسن الظن وأكثر بكثير من كل التوقعات، فوضعوا جدولاً محكماً لم يترك للوفد متنفساً ولا وقتاً للراحة والنوم.

كان يبدأ يوم الشباب بصلاة الفجر حاضراً، ثم ينطلقون بالبرنامج الرسمي من ساعات الصباح الأولى وينتهي في منتصف الليل، ورغم الجهد والتعب الذي ينال من الأجساد إلا أن أرواح القادة الشباب وحماستهم كانت في ذروتها فكانوا يواصلون لقبيل الفجر بساعتين إعداد الأوراق والتحضير للاجتماعات فكان أن أحسنوا إيصال الرسالة مما دعى الماليزين إلى التعبير عن فخرهم بالوفد القيادي الشباب، وقالوا منكم نتعلم الصبر والثبات، منكم نتعلم الاستمرار، مندهشون بما تفعلون متى ترتاحون، فكان الجواب ببساطة أن أصحاب الرسالة لا يعرفون الراحة إلا حين تفارق الروح الجسد إن حسن العمل وطابق ظاهره باطنه.

وعلى مدار اثني عشر يوماً نهل الشباب من الخبرة الماليزية وقابلوا الوزراء والمؤسسات والشباب واستمتعوا بحديث مهاتير محمد باني الحضارة الماليزية والذي خصص وقتاً كبيراً لأجل الاستماع لهم.

مؤتمر نهضة فلسطين

كان الوفد ممثلاً لقطاع غزة ولكنه كان يتحدث باسم فلسطين الجمع، ويعرض الدور المطلوب باسم فلسطين، وبدلاً من أن يعقد الوفد اجتماعاً تأسيسياً عقد مؤتمراً تنموياً حضره العديد من الشخصيات والفعاليات الشعبية والرسمية والمؤسسات الأهلية والطلبة الفلسطينيين الدارسين في ماليزيا، مؤتمراً وجه الأنظار لواقع الاحتياج والطموح في مجال التعليم والاقتصاد والتنمية المجتمعية برؤية تنموية بعيداً عن ثقافة الاستهلاك والإغاثة، وتم عرض تجربة ماليزيا في المجالات وطرح الحلول والخطط التي من الممكن تطبيقها في فلسطين عموماً وغزة خصوصاً.

ولم يغب عن المؤتمر احتياجات الطلبة الفلسطينين الدارسين في ماليزيا والتسهيلات المطلوب تقديمها لهم.

الشباب والقيادة

Top of Form

كثيراً ما نادى الشباب بضرورة أن يتقلدوا بعض المواقع المتقدمة التي يستطيعون فيها خدمة بلادهم وقضيتهم، كنا ننتظر بفارغ الصبر فرصة نوعية نُثبت فيها أننا أهل للتصدر وأن الدماء الشابة أكثر كفاءة وقدرة على التمثيل والحديث في هموم وقضايا الوطن والمواطن دون أن نُلغي دور الكبار العظماء الذين ضحوا بحياتهم ومضوا سني عمرهم في مقارعة المحتل ومحاولة تحقيق طموحات وآمال الشعب الفلسطيني.

كنا ننتظر فرصة ولم نكن نتوقع أن تأتينا الفرصة من ماليزيا تلك الدولة ورغم المسافات الشاسعة التي تفصلها عن فلسطين إلا أن فلسطين حاضرة في قلوب ووجدان الحكومة والشعب الماليزي.

منحتنا ماليزيا فرصة فريدة للاطلاع عن كثب على التجربة الماليزية من خلال لقاء المسؤولين والشخصيات ذات العلاقة، ومنحتنا ماليزيا فرصة ومنبر للحديث عن هموم وشجون المواطن الفلسطيني واحتياجاته من خلال دراسات ميدانية حقيقة وواقعية، ومنحتنا ماليزيا مشاركتهم حلم وآمال وطموحات وتوقعات المواطن الفلسطيني.

منحتنا ماليزيا فرصة صناعة القرار وتمكين الشباب وساعدتنا في شق طريق الشباب نحو مشاركة أكبر في تحقيق آمال وطموحات الشعب الفلسطيني كمقرر قبل أن يكون منفذ للسياسات.

لقد أثبت القادة الشباب المبتعثين من غزة أنهم أهل لحمل الأمانة وخير سفراء لبلادهم، وجدت فيهم التصميم على الهدف فقرأت في عيونهم لا مستحيل مع اصرار، ولا يأس مع الاستمرار، واصلوا الليل بالنهار، مابين اجتماعات رسمية وتحضير لغيرها، امتنعوا عن السياحة في بلد السياحة، ضبطوا التصرفات وقدموا أنموذجاً تفخر به فلسطين، ضحوا بأوقاتهم وابتعدوا عن أهاليهم وأحبابهم لأجل القضية الأسمى والهدف الأعم.

والسؤال المطروح الآن متى سيقتنع الساسة والقادة في فلسطين بضرورة الالتفات إلى الكفاءات القيادية الشبابية، ومتى سيُسند لهم مهمات في مربع صناعة القرار؟!

ماذا بعد

لم تكن الزيارة هى الهدف بحد ذاتها ولم يكن الاستماع للتجربة ومشاهدتها الهدف، هى كانت بداية العمل لأمور قادمة، حقق الوفد العديد من الانجازات على أكثر من صعيد سنترك لعيونكم المشاهدة ولآذانكم الاستماع فترقبوا.

خاتمة

منذ بداية المشوار تعرض المشروع للعديد من الإشكاليات والتحديات، وكان يتطلب النجاح المثابرة والجهد والثبات على المبادئ، والاستعداد لدفع الثمن، وتحمل النتائج، لم يكن هنالك من يدعمنا في توجهنا، بل كان التثبيط والتشكيك والرغبة في الفشل تعتري العديدين، وأبدع البعض في وضع العراقيل ومحاولة التأثير في إيقاف المشروع والفكرة، مضت الفكرة وعلت ونجحت، اليوم ستشاهدون آباء النجاح كُثر، وستجدون من ينسب الفضل لنفسه، وسيستمر البعض في تحقير الإنجاز والتقليل من شأن المبتعثين وفعلهم، لا يهم، فقد تعلمنا أن الوحدة تتطلب المشاركة، واليوم نُهدي النجاح للجميع لمن حاربنا قبل من ساندنا، لمن أراد أن يُثبط عزيمتنا قبل من كان يؤازرنا ويشد على أيدينا، وندعو الجميع أن يتكاتف معنا ففي جعبتنا الكثير، ونترك القول الفصل للميدان.