هل اقتربت النهاية في دمشق؟

تقرير:

هل اقتربت النهاية في دمشق؟

المختصر /

"في 20 كانون الأول/ديسمبر 2012، خاطب جيفري وايت وأندرو جيه. تابلر منتدى سياسي في معهد واشنطن. والسيد وايت هو ضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية وزميل للشؤون الدفاعية في المعهد. والسيد تابلر هو زميل أقدم في برنامج السياسة العربية في المعهد. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما."

جيفري وايت

على مدى الأشهر القليلة الماضية، أصبح موقف بشار الأسد العسكري محفوفاً بالمخاطر بشكل متزايد. فقد تضاءلت قدرات النظام الدفاعية -- حيث يواجه صعوبات حتى في الحفاظ على المواقع الأكثر ميزة، كما أن جميع جهوده الرامية إلى دحر قوى المعارضة المسلحة (باستخدامه مدفعية الميدان والقوة الجوية، وفي الآونة الأخيرة صواريخ سكود) قد باءت بالفشل. وتظهر أشرطة فيديو يوتيوب قوات النظام وهي تبدو وكأنها جيش مهزوم وتتصرف كذلك.

وقد ساهمت عدة اتجاهات في هذا التدهور. أولاً، منذ الشتاء الماضي طوّر الثوار قدراتهم القتالية بشكل كبير مما جعلهم يقلصون من تواجد النظام في جميع أنحاء البلاد ويستولون على نقاط تفتيش وحواجز ومراكز للشرطة. وفي سعيهم هذا حصلوا على كمية أكبر من الأسلحة والذخيرة والخبرة القتالية بالتزامن مع عملهم على تقويض قدرة الأسد في السيطرة على الشعب. وحالياً، تسيطر قوات الثوار على خطوط الاتصالات في إدلب وحلب والرقة، وكثيراً ما تقوم بعزل ومضايقة المطارات التابعة للنظام. وقد هزمت عدة وحدات تابعة للنظام وساهمت بذلك في زيادة هيمنتها النفسية.

والأكثر أهمية هو أن الثوار الآن مكتفون ذاتياً: فهم يستولون بصورة منتظمة على أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ تطلق من الكتف وقذائف صاروخية وأسلحة أخرى من قوات النظام، ويظهر أنهم يستبدلون الأفراد الذين يخسروهم بسهولة نسبية. ولا يحتاجون إلى الكثير من التسلح من الخارج، بل على العكس من ذلك؛ ويبدو أن الأحداث قد تجاوزت الجدل الدائر في الولايات المتحدة حول جدوى إمدادهم بالسلاح. ومع ذلك، فهم بحاجة إلى مساعدات عسكرية من بينها أعمال تدريب واستخبارات.

ثانياً، أن قدرات النظام العسكرية آخذة في التدهور. وكان قد قام بآخر مناورة له واسعة النطاق خلال الصيف، عندما حاول استعادة مدينة حلب، وأخفق بذلك -- وربما كانت تلك نقطة التحول في الحرب. واليوم ينفذ الجيش عمليات محلية فقط، ويقوم الثوار برد الكثير منها على أعقابها. ويجري استنزاف قوات النظام بشكل سريع، وتقدر خسائره خلال الخمسة أو الستة أشهر الماضية بحوالي 1,000 قتيل و 4,000 جريح شهرياً. وعلى النقيض من ذلك، فقد المتمردون حوالي 850 رجلاً في الشهر، ويبدو أنهم أكثر قدرة على استبدالهم. وتظهر معنويات قوات النظام ضعيفة إلى حد بعيد من جراء الخسائر المتكررة للمواقع التي كانت تسيطر عليها لمدة طويلة، كما تفتقر هذه القوات إلى العزيمة في خوض عمليات قتالية هجومية.

ثالثاً، أن الثوار قد أغلقوا تقريباً "الفجوة العملياتية" التي تمتع بها النظام منذ اندلاع الحرب، وخاصة من ناحية القوات المدرعة والمدرعات الآلية والتعبئة والحشد عبر البلاد. وبالمثل تضيق "الفجوة أرض- جو" بسبب تطوير الثوار لقدراتهم الدفاعية الجوية. إلا أن "الفجوة المدفعية" لم تتقلص بعد، ولكن الثوار يكتسبون هذه القدرة بخطى سريعة.

من الناحية العسكرية، يواجه النظام خمس احتمالات للعبة النهائية في سوريا:

تفكك المحافظات، مع وقوع السيطرة على المحافظات في يد الثوار - محافظة تلو الأخرى. وهذه العملية سارية بالفعل بدرجة معينة، على الرغم من أن النظام يخفي حقيقة وجودها بإبقائه على الأقل تواجد إسمي له، في كل محافظة.

انهيار فوضوي، بتفكك الجيش السوري داخلياً. إن الموقف يسير نحو هذا الاتجاه.

التقوقع المنظم، بتراجع النظام إما إلى دمشق أو إلى معقل العلويين في مناورة مدروسة. وحالياً، يفتقر النظام إلى القدرة على وضع خطة لهذا القرار وتنفيذه.

الاندفاع نحو الساحل، بفرار النظام بقواته بصورة غير منسقة. وهناك مؤشرات طفيفة بحدوث هذا الأمر.

السيطرة على زمام الأمور، وهو السيناريو الأقل ترجيحاً، عندما يعكس الأسد مسار الحرب رأساً على عقب. وليس هناك ما يشير إلى أن النظام قادراً على القيام بذلك.

إن إحدى المغيِّرات المحتملة لمسار اللعبة هو مخزون سوريا من الأسلحة الكيميائية. فقبل أسابيع قليلة، بدا النظام وكأنه يعد لاستخدام هذه الأسلحة وسط قيام عمليات قتالية بالقرب من دمشق. وعلى الرغم من أن الأسد قد تراجع منذ ذلك الحين عن مثل هذه العملية، إلا أنه ينبغي على المجتمع الدولي أن يكون مستعداً إذا ما لجأ النظام السوري إلى استخدام الأسلحة الكيميائية، سواء لترويع السكان في منطقة معينة، أو قطع الصلة بين المدنيين والمعارضة المسلحة، أو تغيير الوضع العسكري من الناحية التكتيكية.

وفي جميع الأحوال، يبدو أنه لم يبق سوى أسابيع قليلة قبل انهيار نظام الأسد. ومع اقتراب النهاية، قد يقدم حلفاء النظام التماسات يائسة لوقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة، إلا أن الثوار لا يرون على الإطلاق أي ميزة من هذا المنحى، ومن المؤكد أنهم سينتهكون أي هدنة من هذا القبيل. ومن جانبها، فإن روسيا التي هي حليفة النظام منذ فترة طويلة قد تتخلى عن الأسد وتعمل على إجلاء مواطنيها. وفي الوقت نفسه سوف تتزايد أعداد قوات النظام التي تنشق عن الأسد وتنظم إلى الثوار، أو ترفض إطاعة الأوامر، أو تتشتت، بينما قد ينشق بعض المسؤولين في النظام أو يلوذوا بالفرار من دمشق كجزء من هروب علوي إلى الساحل. ومع ذلك، فإن أصدق الدلائل على النهاية سوف تكون حرق المسؤولين الإيرانيين للملفات في سفارتهم بدمشق.

أندرو جيه. تابلر

تأوي حالياً الدول المجاورة لسوريا ما يقدر بـ 450,000 لاجئ مسجل إضافة إلى مئات الآلاف من غير المسجلين. ويواجه 1.5 مليون نازح داخلي في سوريا حالة مأساوية وخيمة. وخلال زيارتي الأخيرة إلى معسكر أطمة للاجئين على جانبي الحدود بين تركيا وسوريا لم أرى سوى القليل من الخيام والقليل من الطعام، ولا توجد هناك مراحيض لـ 12,000 من ساكني هذا المعسكر. ويموت الأطفال من المرض والعراء -- فاحتياجاتهم تفوق معظم الجهود الخيرية الأجنبية بما في ذلك المساعدات المقدمة من "مؤسسة مرام"، وهي منظمة سورية أمريكية سُميت على اسم إحدى الفتيات التي أُصيبت بشلل بسبب شظية أثناء الحرب.

ومن هذا المنطلق، فإن المعركة الخارجية لكسب أصحاب القلوب والعقول قائمة بالفعل -- وفي حين اضمحلت قدرة واشنطن على إرسال مساعدات، تقوم تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية بتعزيز نفوذها. وتأمل هذه الدول الثلاث ذات الأغلبية السنية بتجسيد النتيجة ما بعد مرحلة الأسد من خلال إعادة توجيه سوريا بعيداً عن إيران -- التي هي المنافسة السياسية والطائفية لهذه الدول. وفي الوقت نفسه، وفي ضوء تقاعس الولايات المتحدة، نجد أن الثوار يتجهون نحو الحركة الإسلامية والمشاعر المعادية للغرب. أما الجماعات المسلحة التي كانت منفتحة العقول في السابق فيزداد تشككها من الصحفيين الغربيين، كما أن الجماعات المتطرفة مثل "جبهة النُصرة" قد أصبحت أكثر شهرة. إن واقع تصنيف "النُصرة" مؤخراً كجماعة إرهابية، وجاء ذلك قبل اعتراف الولايات المتحدة الرسمي بـ "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، لم يؤد سوى إلى تفاقم الانطباع السيئ القائم بالفعل تجاه واشنطن، وإلى قيام احتجاجات ضد تقاعس الولايات المتحدة.

لقد تم تأسيس "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" في الدوحة في تشرين الثاني/نوفمبر برئاسة الإمام المحبوب من الجماهير معاذ الخطيب. ويتكون هذا "الائتلاف" من خمسة وستين عضواً منتخباً ويضم أربعة عشر عضواً من مجالس محلية سورية. ومنذ ذلك الحين، تم تشجيعه على تشكيل لجان لمعالجة الأمن والخدمات الإنسانية في المناطق المحررة. وقد عُقد في الدوحة أيضاً اجتماع لقادة المجلس العسكري، أسفر عن اختيار "المجلس العسكري الأعلى" في 7 كانون الأول/ديسمبر. ويضم هذا "المجلس" ثلاثين عضواً برئاسة العميد سليم إدريس رئيس أركان الجيش السابق.

وحيث يتميز "المجلس العسكري الأعلى" عن "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" ولكن ذو صلة إليه -- فقد كان "المجلس" يهدف إلى تنسيق توجيه الأسلحة لأكثر الجماعات المسلحة اعتدالاً في البلاد. ومع ذلك، فنظراً لاستيلاء المعارضة المتزايد على أسلحة النظام، فإن دور هذا "المجلس" أقل وضوحاً الآن، وهو الأمر بالنسبة لقدرته على تجميع الجماعات من خلال توفير الأسلحة. إن تأسيس كل من "المجلس العسكري الأعلى" و "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" هي خطوة في المسار الصحيح، لكن على الرغم من الاستعداد الأولي لهذين الهيئتين إلى التعاون، إلا أن ثمة دليل ضئيل حتى الآن على أنهما سيكونان قادرين على التغلب على الانقسامات في صفوف المعارضة.

ويرى بعض المحللين أن سياسة إدارة أوباما حول سوريا كانت ناجحة -- حيث إن نظام الأسد هو على شفى الانهيار دون مشاركة أمريكية مباشرة في حدوثه. ومع ذلك، فالصراع للسيطرة على سوريا سوف لن ينتهي لبعض الوقت. ونظراً لوجود شكوك في مدى النفوذ السياسي لـ "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" في الوقت الذي يلمع فيه نجم المعارضة المسلحة، فإن أولئك الذين يواجهون الأسد عسكرياً هم الذين ستكون لهم الكلمة العليا عندما يغيب الرئيس السوري عن المشهد. إذ بعد الإطاحة بالأسد مباشرة قد تبدو سوريا كما كانت عليه عام 1923، من خلال هيمنة طوائف مختلفة على مناطق متفرقة من البلاد، تحدث بعدها حالة كبيرة من الفوضى. وبسبب تحفظ واشنطن من تأدية دور ما فإنها ربما قد فقدت فرصة للتأثير على ما سوف تؤول إليه الأمور. لذا، فإن أحد الأسباب القوية لتقديم المساعدة العسكرية إلى الثوار هو الانخراط معهم، وكسب المعرفة عن فصائلهم وتعزيز الموقف معهم حيث سيكونون هم الجهات الفاعلة الرئيسية في تشكيل سوريا ما بعد مرحلة الأسد.

ومن المؤكد أن رغبة الإدارة الأمريكية في إرسال دبلوماسيين ومسؤولي تنمية في مثل هذه الحالة تبدو بعيدة المنال، وذلك في ضوء الآثار الناجمة عن حادث الوفاة المأساوي للسفير كريس ستيفنز في ليبيا. ومع ذلك، يتعين على واشنطن التعاطي بشكل مباشر مع هذه الجماعات المسلحة من أجل تعزيز المصالح الأمريكية في سوريا. وفي هذا الإطار تمثل زيارة قادة الثوار للمناطق الحدودية فرصاً ثمينة للتعرف على الفصائل التي يمكن أن تتلاءم مع تلك المصالح دون المغامرة بالتوغل في مناطق أكثر خطورة. ينبغي على واشنطن أيضاً أن تعمل بشكل مباشر مع الجماعات المعتدلة، المدنية والمسلحة على حد سواء، لفتح قناة للمساعدات الإنسانية والعسكرية وزيادة النفوذ الأمريكي. والأكثر أهمية هو أن أي اتصال يجب أن يتم علانية لا في الخفاء، لكي تتمكن للولايات المتحدة من الحصول على الكثير من الثناء المستحق لها بفضل تدخلها الإيجابي في سوريا.

أعدت هذا الملخص المقررة كاتي كيرالي.