صورتان في سورية
د. أبو بكر الشامي
قال تعالى في كتابه الكريم : (( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا , ويشهد الله على ما في قلبه , وهو ألد الخصام . وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل , والله لا يحب الفساد . وإذا قيل له : اتق الله أخذته العزة بالإثم , فحسبه جهنم ولبئس المهاد . . ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله , والله رؤوف بالعباد)) . .
هنالك في سورية الحبيبة نموذجان اليوم :
النموذج الأول : يمثّله المجرم بشار وشبّيحته الكافرة الفاجرة :
هذا المخلوق الذي كان يتحدث في الإعلام ولقمم العربية , فيصور لك نفسه خلاصة من الخير , ومن المقاومة ، والممانعة ، والصمود ، والتصدي ، و الإخلاص , و التجرد , والحب , والترفع , والرغبة في إفاضة الخير والبر والسعادة والطهارة على الناس . . هذا الذي يعجبك حديثه . تعجبك ذلاقة لسانه , وتعجبك نبرة صوته , ويعجبك حديثه عن الخير والبر والصلاح . . (ويشهد الله على ما في قلبه). .
زيادة في التأثير والإيحاء , وتوكيدا للتجرد والإخلاص , وإظهارا للتقوى وخشية الله . . (
وهو ألد الخصام ، تزدحم نفسه باللدد والخصومة , فلا ظل فيها للود والسماحة , ولا موضع فيها للحب والخير , ولا مكان فيها للتجمل والإيثار .
هذا الذي يتناقض ظاهره وباطنه , ويتنافر مظهره ومخبره . . هذا الذي يتقن الكذب والتمويه والدهان . .
حتى إذا جاء الاختبار الحقيقي ، ظهر المخبوء , وانكشف المستور , وفضح بما فيه من حقيقة الشر والبغي والحقد والفساد:
وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها , ويهلك الحرث والنسل , والله لا يحب الفساد. .
وفي أول اختبار شعبي له , كانت وجهته الشر والفساد , في قسوة وجفوة ولدد , تتمثل في إهلاك كل حي من الحرث الذي هو موضع الزرع والإنبات والأثمار , ومن النسل الذي هو امتداد الحياة بالإنسال . . وإهلاك الحياة على هذا النحو كناية عما يعتمل في كيان هذا المخلوق النكد من الحقد والشر والغدر والفساد . . مما كان يستره بذلاقة اللسان , ونعومة الدهان , والتظاهر بالخير والبر والسماحة والصلاح ( والله لا يحب الفساد. .( ولا يحب المفسدين الذين ينشئون في الأرض الفساد . . والله لا تخفى عليه حقيقة هذا الصنف من الناس ; ولا يجوز عليه الدهان والطلاء الذي قد يجوز على الناس في الحياة الدنيا , فلا يعجبه من هذا الصنف النكد ما يعجب الناس الذين تخدعهم الظواهر وتخفى عليهم السرائر .
( وإذا قيل له : اتق الله أخذته العزة بالإثم . فحسبه جهنم ولبئس المهاد). .
إذا تولى فقصد إلى الإفساد في الأرض ; وأهلك الحرث والنسل ; ونشر الخراب والدمار ; وأخرج ما يعتمل في صدره من الحقد والضغن والشر والفساد . . إذا فعل هذا كله ثم قيل له: ( اتق الله). . اتق الله في شعبك ، واتق الله في بلدك ، واتق الله في المدنيين العزّل ، واتق الله في مدن سورية الجميلة ، وفي عمرانها ، وفي آثارها ، وفي جوامعها ، ومستشفياتها ، ومخابزها ، وكل شيء فيها ...!!!
تذكيرا له بخشية الله والحياء منه والتحرج من غضبه . . أنكر أن يقال له هذا القول ; واستكبر أن يوجه إلى التقوى ; وتعاظم أن يؤخذ عليه خطأ وأن يوجه إلى صواب . وأخذته العزة لا بالحق ولا بالعدل ولا بالخير ولكن(بالإثم). . فاستعز بالإجرام والذنب والخطيئة , ورفع رأسه في وجه الحق الذي يذكر به , وامام الله بلا حياء منه ; وهو الذي كان يشهد الله على ما في قلبه ; ويتظاهر بالخير والبر والإخلاص والتجرد والاستحياء ، ويصلّي الأعياد والجمعات في مساجد المسلمين ...!
إنها لمسة تكمل ملامح الصورة , وتزيد في قسماتها وتمييزها بذاتها . . وتدع هذا النموذج حيا يتحرك . تقول في غير تردد :هذا هو . هذا هو الذي عناه القرآن ! وأنت تراه أمامك ماثلا في الأرض الآن وفي كل آن ! إنه المجرم الأفاك بشار بلحمه وشحمه ...!!!
وفي مواجهة هذا الاعتزاز بالإثم ; واللدد في الخصومة ; والقسوة في الفساد ; والفجور في الإفساد . . في مواجهة هذا كله يجبهه السياق باللطمة اللائقة بهذه الجبلة النكدة: ( فحسبه جهنم , ولبئس المهاد !). .
حسبه ! ففيها الكفاية ! جهنم التي وقودها الناس والحجارة . جهنم التي يكبكب فيها الغاوون وجنود إبليس أجمعون . جهنم الحطمة التي تطلع على الأفئدة . جهنم التي لا تبقي ولا تذر . جهنم التي تكاد تميز من الغيظ ! حسبه جهنم (ولبئس المهاد !)ويا للسخرية القاصمة في ذكر(المهاد)هنا . . ويا لبؤس من كان مهاده جهنم بعد الاعتزاز والنفخة والكبرياء !
النموذج الثاني : الذي يمثّله المجاهدون الأبرار وأفراد الجيش السوري الحرّ :
( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله . والله رؤوف بالعباد). .
ويشري هنا معناها يبيع . فهو يبيع نفسه كلها لله ; ويسلمها كلها لا يستبقي منها بقية , ولا يرجو من وراء أدائها وبيعها غاية إلا مرضاة الله . ليس له فيها شيء , وليس له من ورائها شيء . بيعة كاملة لا تردد فها ولا تلفت ولا تحصيل لثمن , ولا استبقاء بقية لغير الله . . يبيع نفسه رخيصة من أجل دينه ، ثم من أجل وطنه وشعبه وأهله وعرضه وناسه وحرائره ...
أسأل الله أن يقرّ أعيننا بالنصر والتمكين ، وأن يختم لنا بالشهادة في سبيل الله ، وأن يكرمنا بالفردوس الأعلى ، مع النّبيين ، والصدّيقين ، والشهداء ، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً ...