بيان بخصوص قرارات البعد الديني في السويداء

أبعدوهم لأنهم اقتربوا من الوطن

الحرية من أسمى القيم التي تعطي الإنسان فرادته، وتسمح له بتحقيق شرطه الوجودي، وقد ضحى ملايين البشر بأروحهم من أجلها. فمنذ بداية المجتمع الإنساني كان الصراع بين الاستبداد، الذي يحاول سحق الإنسان وتأطيره وتنميطه في سلوك لا يتفق مع روحه النازعة إلى التحرر، وبين الحرية باعتبارها القيمة الأسمى التي تعطي للإنسانية معناها. وقد أدركت الشرائع والمواثيق والمعاهدات الدولية أهمية الحرية؛ فخصصت لها العديد من موادها ونصوصها، لكن الاستبداد كان يحاول، على الدوام، الاستحواذ على هذه النصوص وتفسيرها بالشكل الذي يسمح له بانتهاك الحريات ومصادرتها.

استولت الطغمة المستبدة في سورية، منذ نحو نصف قرن، على الدولة والسلطة، ولاحقاً على المجتمع السوري. فبعد سيطرتها على وسائل تشكيل الرأي العام من إعلام، وتعليم، وأدوات ثقافية، قامت بعملية سطوٍ على المجتمع المدني ومؤسساته، والتهمت استقلاليتها، الأمر الذي منع نشوء مؤسسات مجتمعية تسمح للمواطن السوري بأن يعبر عن نشاطه مدنياً في إطار الخدمة العامة. وبالتالي، لم يبق أمام الأفراد سوى اللجوء إلى المؤسسات الدينية التي شكلت لهم مظلة حماية تُشعرهم بالأمان أمام جبروت الطغمة وبطشها.

مع الزمن، طغى الانتماء الديني الخاص على الانتماء الوطني العام، بالتزامن مع سعي الطغمة الحاكمة لتشويه مفهموم الانتماء الوطني وربطه بتمجيد الحاكم المستبد. ومنذ مطلع السبعينيات، قامت هذه الطغمة بتجيير المؤسسات الدينية لمصلحتها عبر عملية إخضاع منهجية، أدت في النهاية إلى إلغاء وظائفها في رعاية الشؤون الروحية للمواطنين، وتحويلها إلى أدوات لدعم الطغيان وتمجيده، وتبرير جرائم الاستبداد باسم الدين.

 لقد أسعفت المؤسسسة الدينة الرسمية، عبر نصف قرن، نظام الطغمة بسيلٍ من الفتاوى الداعمة لسياساته وممارساته، وحكمت على كل من يخرج على إرادة الطغمة الحاكمة بالخروج على المنظومة الدينية أيضاً. فقد بررت مجزرة حماة في شباط عام 1982، وساهمت في تعميق سيطرة هذا النظام على المجتمع السوري. ومع انطلاق ثورة الحرية والكرامة، وقفت هذه المؤسسة إلى جانب الطغمة المستبدة تدافع عن سلوكها الوحشي، وحرّضت على قمع السوريين وذبحهم، وقد أطلق أحد شيوخ السلطان، بشكل غير مباشر، فتوى القتل، عندما اتّهم المتظاهرين بالخروج على الدين، مقسماً بأن جباههم لا تعرف السجود. كما وقف رأس الكنيسة مدافعاً عن ممارسات الطغمة بشكل يتناقض مع تعاليمها ومنهجها الداعي إلى الحب والسلام، وكذلك فعلت مشيخة العقل عندما حاولت بوسائل عديدة ثني السوريين عن المساهمة في ثورة الكرامة بذريعة الخوف من القادم المجهول.

منذ أيام وجهت مشيخة العقل، وفق البيان المنسوب إليها، "البعد الديني" لأحد الشيوخ في السويداء، وذلك بعد أيام قليلة من تصريحاته التي ينتقد فيها نظام الطغمة بجرأة ووضوح، وقد علل البيان القرار بتكرار "الحوادث المخلة بالدين وآداب الدين، والبعيدة كل البعد عن الأعراف الدينية"، مما يؤكد الطبيعة الأمنية لهذا القرار، وهو ما يتسق مع الدور المعروف للمؤسسة الدينية الرسمية في الوقوف إلى جانب الاستبداد في وجه أي سعي للدفاع عن كرامة المواطنين.

إن لجنة حقوق الإنسان في حزب الجمهورية تندد بأحكام المؤسسات الدينية الرسمية وفتاويها التي تعلن خروج المواطنين عن الملة أو الدين أو الحرمان الكنسي أو البعد الديني، لمجرد رفضهم ممارسات الطغمة الحاكمة وتعبيرهم عن رأيهم بشكل حر ودفاعهم عن كراماتهم. وفي هذا السياق، تدعو اللجنة المجتمع السوري إلى ضرورة التمسك بمطلب إقامة الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة التي تحمي الجميع وتصون كرامة الجميع وحرياتهم، فكلما اقتربنا من هذه الدولة أكثر اقتربنا من الحرية والكرامة أكثر، فهما صنوان لا يفترقان، ولا يمكن أن نصون كرامتنا إن لم نكن أحراراً في وطنٍ حر.

لجنة حقوق الإنسان في حزب الجمهورية                          

5 شباط / فبراير 2015