فجرٌ للطائفة الكبيرة الغاضبة
د. سماح هدايا
عندما دعت المفوّضة العليا لحقوق الإنسان "نافي بيلاي" إلى الاتعاظ بما جرى في البوسنة والهرسك لتفادي تكراره في سوريا، محذّرة من خطر انجرار سوريا إلى صراع طائفي شامل، وخلق ظروف لصراع إقليمي أوسع؛ لم تقم، وهي السيدة المهذبة، بتحميل النظام السوري، وحده، المسؤولية عما يحدث في سوريا من دمار و قتل وإجرام، بل ربطت ذلك بالمعارضين المسلحين الذين يسهمون، أيضا، بحسب رأيها، في قتل المدنيين وتشويههم. ففي سوريا، كما ترى، طرفان للصراع: النظام والمعارضة، وكلاهما يرتكبان انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب، وإلى جرائم ضد الإنسانية
ماعاد ينتظر الشعب السوري مثل هذه النداءات والتصريحات المعلوكة، ليس لأنّها منافقة وغير نقية، بل لأنّها في نعومة نقدها غير الموضوعي وميوعتها المواربة، أقرب إلى ما تكون إلى شهادة زور فظيعة، تشوّه ما يحدث في سوريا من جريمة كبرى يتحملها النظام، وتخفّف، في الوقت نفسه، عن كاهل حمل الثقل كلّه للجريمة، وتشرك في تحميلها آخرين. وذلك لطمس الحقائق بالضباب والرمادية واللبس، حتى لا يكون فيها تقوية لموقف الثوار المتقدم على أرض المعركة، رغم كثير التضحيات، وحتى لا يكون هناك مزيد من إضعاف للنظام المدعوم، ما يؤدي إلى انهيار المنظومة القائمة وتداعي مساعيهم. وفي الوقت نفسه لا تخرج هذه التصريحات والنداءات عن مفهوم ورقة التوت التي تحجب عريهم الفاضح الذي يحاولون، بلا جدوى، إخفاءه، حتى لا تتفاقم حالة الإدانة الشعبية لهم كمجتمع دولي يميّع مواقفه في مواجهة نظام إرهابي مجرم، يقتل شعبه، ولتفادي شدة حرجهم في التعامل غير الأخلاقي مع المأساة الإنسانية في سوريا، وفق شرعة حقوق الإنسان التي ظلوا طويلا يتشدقون بها، ويستخدمونها مسوغات للتدخل في شؤون العالم الذي لا يوافقهم. وبمثل هذه التصريحات يؤجلون الأفعال والمواقف اللازمة والواجبة، ويرحلونها بعيدا في ضبابٍ من زخرف كلمات براقة تراوغ على المعاني الإنسانية.
الشعب السوري منذ أكثر من عام ونصف تطحنه رحى نظام عنصري استبدادي إرهابي، وسط التفاف طائفي ممنهج، بينما العالم يدّعي العدالة وينتقد بلا مفعول، ويختفي بعيدا عن الأنظار ليراقب بصمت خبيث مرواغ، ليحلو له فجأة، أن يصحو من فرجته، ويعلن مخاوفه من انزلاق سوريا إلى حرب طائفية شاملة تذكره بما كان يحدث في البلقان.
أين كانت تلك المخاوف التي يرتلها العالم المنافق أمام واقع حرب تدميرية دائرة منذ شهور طويلة، استمر فيها تابعهم المدلل، نظام الأسد، في تنفيذ مجازر فظيعة، مستخدما كل الممنوعات من أشكال الإرهاب الفردي والعصاباتي والحرب التدميرية الشاملة، لينال عنفه كل شيء؛ فحرق الأخضر واليابس وسحق مساحات واسعة من المجتمع المدني وذبح فيها الأبرياء من الصغار والكبار، الأطفال والنساء، المدنيين والمقاتلين، وحرق الأحياء والأموات، وراكم بروجا عالية على صدور الشعب من الأشلاء والجماجم والجثث تحت وابل الرصاص، ورجم الصواريخ، وتساقط البراميل المتفجرة، وزخ القنابل العنقودية والفراغية، وإلقاء الغازات السامة والحارقة؟
يبدو أن مراهنات العالم على نظام الأسد أصبحت تبدو خاسرة، بسبب فشله في قمع الثورة السورية وتطويعها؛ لذلك يحاولون الالتفاف على الثورة لكسرها وحماية مصالحهم ومخطاطاتهم، فيعملون على استثمار الطائفية والتهديد بها، كأنّ الطائفية التي باركوها منذ أزمنة، ورسموا خططها المتشابكة، لم تكن نازلة فينا تقطع رقابنا وتنخر عظامنا. إن الغرب السياسي؛ وعذرا لحتمية التعميم هنا، شبيه بالنظام الأسدي الذي عملوا على تجذيره في سوريا، يخسر الآن معركته، وسيفشل معه، رغم كل العنف والدعم في إدارة المرحلة والتحكم بها، وسوف يلد الفجر، خارج إرادتهم، طائفة جديدة قويّة مخيقة مرعبة، طائفة جبارة اسمها سوريا الحرة، وشعارها بدمنا نسترد وطنا سرقوه منا. سوف تمشي على صليل جراحها لتصل إلى الحرية والكرامة. وسوف تنالهم بشدة لعنة هذه الطائفة الكبيرة الغاضبة التي تخمّر في زيت ركبتيها وعد أكيد بنصر حتمي، وانتقام شديد يطال كل عدو تآمر عليها واغتصب حريتها وسلب كرامتها، وقتل أهلها، ومزّق خارطتها. مهلاً...إن وعد الشعب حق، إذا أراد الحرية وعشق الحياة.