معركةُ الفوج 46: معركةُ الحَسْمِ المُرتَقَب

معركةُ الفوج 46:

معركةُ الحَسْمِ المُرتَقَب

محمد عبد الرازق

بعد أن باتت معركة حلب ترجح لصالح كتائب الثوارـ و إن كان سير الأمور فيها بطيئًا ـ؛ أدرك قادة هذه الكتائب أنه لابُدَّ من القيام بعمل طال انتظاره يتحقق لهم من خلاله أمران:

 1ـ حماية الحاضنة الشعبية لهم في ريف حلب الغربي، على غرار ما كان في ريفها الشمالي. عندما قاموا بضرب مقرات النظام عن بكرة أبها، ما عدا مطار ( منغ ) الذي ينتظره ما حلّ بمطار ( أبو الضهور) في إدلب.

2ـ السيطرة على خط إمدادات قوات النظام، شبه المحاصرة في المنطقة الغربية، و الجنوبية من مدينة حلب.

و ذلك تمهيدًا للبدء بمعركة الحسم لإتمام تحرير ( محافظة حلب: ريفًا، و مدينةً )؛ حتى تكون مرتكزًا للمعارضة بشقيها: السياسي، و العسكري. بعد أن بات التوجه نحو الداخل خيارًا استراتيجًا لها في المرحلة القادمة.    

و الوجهة لهم هي مقر الفوج ( 46 ) قوات خاصة، في منطقة مثلث ( أورم الصغرى، الأتارب، طريق إدلب )، وهو النقطة العسكرية الأقوى للجيش النظامي في شمال سوريا. و كان من القوات العاملة في لبنان، و عندما صدر قرار مجلس الأمن ( 1959 ) القاضي بخروج القوات السورية من لبنان؛ انسحب وتمركز في ريف حلب في قرية أورم الصغرى شرق الأتارب، و يتألف هذا الفوج من الكتائب الآتية:

81، 625، 53، 326 (مدرعات)، و الكتيبة 613 (مدفعية)، و كتيبة دفاع جوي، و فيه أيضًا مستودعات ضخمة للذخيرة .

 و يبلغ قوامه وفق معلومات من أحد الضباط المنشقين (2650 ) عسكريًا، موزعين بين ضباط، وصف ضباط، ومجندين.

و يشغل مساحة كبيرة، و هو إحدى آخر العقبات على الطريق المؤدية إلى حلب، العاصمة الاقتصادية للبلاد، وكبرى مدن الشمال.

لقد استعدت كتائب الثوار له من خلال توحدها تحت لواء ( المعتصم بالله ) قبل أسابيع قليلة، تحت إمرة العميد الركن ( أحمد الفجّ )، من مدينة الأتارب التي ذاقت الأمرين من جراء القصف المتواصل منه.

لقد بدأ التخطيط لعملية اقتحامه تحت إشراف قائد الجيش الحر ( العقيد رياض الأسعد ) في اجتماع تمَّ في إحدى مناطق ريف إدلب الحدودية مع تركيا، فور انتقاله مع أعضاء القيادة إلى الداخل السوري، و بحضور جلّ الضباط الذين يتولّون مهام ميدانية في محافظتي حلب، و إدلب، و لاسيما في ريفيهما: الغربي، و الشمالي. و بالتنسيق مع قادة المجالس العسكرية في المحافظات الأخرى؛ من أجل تنسيق أعلى درجة من الضغط على قوات النظام في عموم الجبهات.

و قد حشدوا لذلك أكثر من (1500 ) مقاتل، و كان من المتوقع أن تكون هناك حشود أكثر من ذلك، غير أن بعض الترتيبات الميدانية قد عدلت في الخطة؛ فلم يشترك بناء على ذلك مقاتلو لواء ( درع الثورة ) بقيادة العقيد مصطفى عبد الكريم.

ـ ابتداء العملية:

بدأت العملية عند الساعة السادسة صباحًا يوم السبت بتاريخ (22أيلول)، حيث قامت ألوية و كتائب المعتصم بالله، و بالاشتراك مع كتائب فجر الإسلام، والعديد من كتائب الجيش الحر بالهجوم، مستخدمين فيه ثلاثة دبابات غنمتها ألوية المعتصم بالله من معارك سابقة، و راجمة صواريخ كورية، و مدافع هاون ( بعضها محلي الصنع )، و مدافع مضادات طائرات ( مختلفة العيارات ) مثبتة على سيارات نقل صغيرة، و مضادات أخرى من نوع ( كوبرا ) محمولة على الكتف، بالإضافة إلى أسلحة متوسطة وخفيفة.

 بدأ سلاح الدبابات، وكتيبة الهاون بعملية التمهيد المدفعي قبل الاقتحام حيث قاموا بنسف جميع الحواجز على الطرق المؤدية إلى الفوج حيث تم نسف:

1ـ حاجز الزراعة (شمال الفوج تماما على طريق حلب ـ الأتارب ـ باب الهوى ).

2ـ حاجز عويجل (شرق الفوج على طريق الأتارب ـ باب الهوى ).

3ـ حاجز أورم الكبرى (شرق حاجز عويجل على طريق الأتارب ـ باب الهوى ).

4ـ حاجز الشيخ علي (جنوب الفوج تماما على طريق حلب ـ ادلب ).

إلى جانب ضرب عناصر الشبيحة في المنطقة ( خان العسل، أورم الصغرى، أورم الكبرى، كفرناها، كفرجوم، عنجارة، الشيخ علي، عرادة ) من إجل حماية ظهر الكتائب المهاجمة.

 و كان ابتداء الأمر في ضربهم هو اقتحام بلدة أورم الكبرى؛ كونها أكبر مقر للشبيحة في المنطقة، فكان أهلها أحيانًا يقيمون حاجزًا بجوار الجيش لقطع الطريق على أهالي منطقة الأتارب، و ريفها المحرر، و أهالي بلدات شمال إدلب الذين يسلكون الطريق نفسه باتجاه حلب، كالدانا، وإطمة، وتل عقبرين، و كللي، وغيرها

و لكثرة الضربات الموجعة للفوج بدأ القصف بالطيران الحربي والراجمات لجميع البلدات والقرى المحيطة.

ـ نتائج العملية:

1ـ إسقاط طائرة تدريب نوع ( إم بي 223 فلامنغو ـ ألمانية الصنع ) من خلال مدفع عيار (21)، بعد أن فشلت عملية إسقاطها بثلاث صواريخ محمولة على الكتف، نوع ( كوبرا) حرف الطيار مسارها بالبالونات الحرارية التي أطلقها عليها.

2ـ تدمير العديد من مرابط المدفعية.

3ـ تدمير 4 دبابات.

4ـ تدمير راجمة صواريخ.

5ـ تدمير مدفع ميدان عيار 130مم.

6ـ الاستيلاء على الكتيبة 625 المتواجدة في أقصى جنوب الفوج.

7ـ تأمين انشقاق ضباط، وعناصر من داخل الفوج.

 8ـ عدد كبير من القتلى والجرحى، يقدر أحد المنشقين عددهم بالمئتين.

هذا في الوقت الذي تسود فيه حالة ذعر شديدة بين الضباط والجنود المتبقين داخل الفوج؛ خوفاً من المصير الذي ينتظرهم. فالفوج المذكور مازال محاصرًا منذ أربعة أيام، ولا يستطيع النظام إمدادهم بالمؤن والأغذية بغير الطائرات. و إنَّ مقراته الرئيسية لا تبعد عن مكان وجودهم أكثر من كيلومترين، و يتوقعون سقوطها في أيديهم في غضون أيام؛ بعد أن اشتعلت فيها النيران من جراء قصفها.

إنَّ السيطرة على الفوج ( 46 ) ستسرع من وتيرة الحسم في معركة حلب، و هي معركة بدأتها كتائب الثوار في هذا اليوم ( 27 أيلول )، بعد أن أحكمت الطوق على المناطق المحيطة بالمدينة من الجنوب ( الشرقي، و الغربي )، وكانت تمثل عمقًا استراتيجيًا له، و خط دفاع في غاية الأهمية لحماية ظهره من هجمات تلك الكتائب على مدى عام مضى؛ و بذلك تكون خاصرة النظام الرخوة في مناطق حلب ( الغربية، و الجنوبية ) قد انكشفت لهم بشكل يسهل  عليهم الإجهاز عليها في الأيام القادمة إن شاء الله.