عذراً أطفال سوريا

عذراً أطفال سوريا

عبير الطنطاوي

[email protected]

صراع صراع صراع في داخلي .. ابنتي تخضع للتخدير الكامل من أجل أسنانها .. جراحة بسيطة لكنها على قلب الأم والب والجد والجدة والأصحاب والأحباب كبيرة كبيرة .. في المشفى الطفلة تبكي تريدني بجانبها في كل لحظة في كل ثانية وأنا دموعي تخون قوتي الظاهرة وتلقط الطفلة نقطة الضعف هذه فتزداد خوفاً وتشبثاً بي وبتلابيب جلبابي .. وأنا أحاول جهدي أن أصرف نظرها عن دموعي ودموع والدها الذي لم يستطع إخفاء قلقه وخوفه وضعفه أمام ابنته .. وبدأ ضميري ينهش صدري أن : عذراً أبناء بلدي .. عذراً أطفال سوريا .. يامن تنامون تحت القصف والضرب .. يا من تصحون على صياح الأهل .. يا من تعيشون بلا أمن .. يا من تصابون بلا معالج ولا قلب يحن .. يا من نسيتم راحة البال ودلال الأهل .. عذراً يا أطفال المسلمين يا من لا تجدون دمعة صادقة تبكي عليكم فتمسح آلامكم ..

والدها يعدها باللذيذ من الطعام بعد أن تصحو بالسلامة من المخدر .. جدها يتكلم معها ويمنيها بأجمل الألعاب والذهب .. عماتها خالاتها جداتها بنات خالاتها صديقاتها أخوها وأختيها .. لم يبق قريب أو بعيد إلا ويعدها بما تحب حتى أصدقاء والدها كل يمنيها بما تحب .. والصغيرة زاهدة بكل ما تحب لا تريد سوى ماما والعودة للروضة والبيت .. وأنا الصراع يدمرني بين حزني وخوفي على فلذة كبدي على قلبي الذي يمسكه الأطباء ويفحصونه وبين أطفال سوريا وصور دمار بيوتهم وصورة الطفل الذي فقد والديه فهو يصرخ بلا مجيب .. وتلك الصغيرة التي فقدت صوابها لما رأت أطفال الجيران وقد غدو أشلاء ممزقة .. قلت لنفسي لم البكاء ! أن هذه الدموع لتذرف على أبناء سوريا وأبناء المسلمين الذين اسفحل الظلم عليهم ولا باكي عليهم ..  بعد ساعة ونصف من العذاب بين الخوف والصراع القاتل خرجت الصغيرة والحمد لله من غرفة العمليات ولم أكن بجانبها بكاءها ملأ أرجاء المشفى لأنها لم تجدني إلى جانبها فقد تركتها لأضع الصغيرة الأخرى في المنزل .. صراخها على الهاتف وهي تقول باكية : أحرق فؤادي .. قطع أحشائي .. تمنيت لو البراق يحملني إليها .. وفي نفس الوقت شعرت بأصوات مئات الأطفال في سوريا وبورما وغيرها تصرخ في أذني تنادي الماما .. لا حرم الله طفلا من والديه ولا والدان من ولدهما .. لما عدنا بها إلى البيت وكأن الله قد رزقنيها هذه الساعة .. جلست بالسيارة في المقعد إلى جانبها وذهبنا إلى محل الألعاب اشترت ما تمنت بفضل الله ..ولما أرادت أن تأخذ الأكثر قلت لها :

ـ  يا حبيبتي كفاية لعبة وتبرعي بالثانية لأطفال سوريا الذين تركوا بيوتهم وألعابهم وثيابهم في بلدهم وغادروا خوفاً من الضرب والقصف ..

رأيتها تتأثر بكلامي وتوافق عليه وتبكي بحرقة على الأطفال .. ولما عادت للبيت جمعت ما عندها من ألعاب ولباس لم تعد تريده وقالت لي :

ـ هو لأطفال سوريا..

أما أختها التي كانت مصرة على رحلة للبحر الميت لما رأت موقف أختها قالت بعزة نفس :

ـ وأنا يا أمي أتبرع للجيش الحر من عيدياتي .. وأتنازل عن رحلتي فداءً لأطفال سوريا المنكوبين ..

ضممت ابنتي الحبيبتين وقلت في نفسي :

ـ عذراً أبناء سوريا على كل لحظة سعادة نقضيها دون أن نفكر فيكم لكنها الحياة تفرض علينا الحلو والمر الحزن والسعادة في آن واحد .. أعذرونا إن حزنا على صغارنا ونسيناكم برهة من الزمن فأنتم في قلوبنا .. أو أسعدنا أولادنا ولم نقدم لكم كما نقدم لهم فأنتم لكم رب كريم يكرمكم ويعوض التقصير عندنا .. اعذرونا إن ذهبنا إلى الحدائق فأطفالنا مهما شعروا بكم يبقوا صغاراً وبحاجة لفرحة في هذه الدنيا .. أرجوكم اعذروا ضعفنا البشري .. أرجوكم .. عذراً أبناء بلدي..