الأثمان المطلوبة من الثورةِ السورية
محمد عبد الرازق
قلناها في أكثر من مقال: لا أحدَ يُنكِرُ على الدول أن تبحث عن مصالحها في سورية ما بعد الأسد؛ فهذا من طبيعة العلاقات بين الدول، و السياسة لا تعرف الإنفاق بالمجان، فلكلّ موقف ثمنه: عاجلاً، أو آجلاً.
و هذا ما سمعَتْه المعارضة السورية في جلّ اللقاءات التي كانت مع مسؤولي الدول ( عربيًّا، و إقليميًّا، و دوليًّا ). ففي لقاء لها مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما الروسي، قيل لهم صراحةً: نحن لا يهمّنا الأسد، و لا حجم الضحايا، و لا التهديد بالحرب الأهلية، ما يهمنا فقط هو مصالحنا.
و حدود هذه المصالح ليست متوقفة عند المعلن عنه في سورية الآن، بل هي أبعد من ذلك بحسب ما هو مقروء من تصريحات وزير الخارجية ( لافروف )، فهم يخشون أن تصل رياح التغيير إلى موسكو، و أن تتحرك الجمهوريات الإسلامية للمطالبة بالانفصال عن الهيمنة الروسية، و يكون للبُعد السُنِّي القادم في سورية تأثير في ذلك.
ثمَّ بعد ذلك أضيف إلى المسألة ضمانُ أمن إسرائيل، الأمر الذي قالته الوزيرة ( كلينتون ) للمعارضة من غير مواربة: (لا تحدثوني عن المجازر، و أعمال العنف التي يقوم بها الأسد؛ فهي معلومة لنا، ما أريده منكم: كيف ستتعاملون بعد سقوط النظام مع هذين الأمرين: 1ـ مسألة الطوائف، و الأقليات 2ـ أمن إسرائيل ).
و الحال مع أوروبا لا تخرج عن هذا الإطار؛ فهناك مصالح لدولها كانت متحققة في ظلّ نظام الأسد، و هي لن ترضى بأقلّ منها في حال تغييره؛ لذلك نراها مترددة في التعاطي الجادّ مع الشأن السوري، و هي من أجل تتذرع بحجج شتّى، فهي على حدّ زعم وزير الخارجية البريطاني ( هيغ ) لا تستطيع أن تسلّح الجيش الحر بحجة حظر السلاح المفروض من الاتحاد الأوربي على سورية.
غير أنَّ اللافت للنظر في ظلّ سياسة مراعاة المصالح هو المصالح التي تهمّ الدول العربية في هذا الشأن؛ فمصالحها قد تعدَّت الجانب المادي المباشر إلى مسألة الحفاظ على أمن، و استقرار النُّظُم الحاكمة. و هو ما ظهر في الآونة الأخيرة في موقف عددٍ من الدول الخليجية التي تُردِّد في صالوناتها السياسية بأنها تخشى من وصول عدوى الثورة السورية إلى بلدانها، و هو الأمر الذي يُغرِّد به مدير الأمن العام في إمارة دبي ( اللواء ضاحي خلفان )؛ فالإمارات تعارض تزويد الجيش الحرّ بالأسلحة الثقيلة خوفًا من وقوعها في أيدي الإسلاميين على غرار ما وقع في ليبيا، و هو ما يغريهم لتصدير الثورة لاحقًا إلى الخليج.
و هذا ما يفسِّر الموقف المُتردد لعدد منها في الذهاب نحو التخلص من نظام الأسد، و تحديدًا (عُمَان، و الإمارات ).
و الحال قريبة من هذا التوصيف بالنسبة إلى الأردن، فالملك عبد الله ما زال يقاوم إغراءات المساعدات ( القطرية، و السعودية ) التي ستقدم إلى الأردن؛ في حال السماح بإيصال الأسلحة النوعية، و الثقيلة إلى الجيش الحر؛ و ذلك خوفًا منه أن تتحرك قوى المعارضة عنده متأثرة بالتغيير الذي ستنجح به الثورة السورية إذا ما وصل إلى يدها هذا السلاح الذي تفتقر إليه لإسقاط الأسد.
إنَّ كلّ هذه التخوفات التي باتت تبديها الدول تجاه الثورة السورية كان يمكن أن يتمَّ تجاوزها، و التغاضي عنها لو كانت سورية تعوم على بحيرة من النفط على غرار ما كان في ليبيا؛ عندما سارعت القوى الدولية للبحث عن ذرائع من أجل التدخل عسكريًّا انطلاقًا من بنغازي، و كانت الجامعة العربية إحدى أدواتها في ذلك.
و قد قالها رئيس الوزراء التركي من الأيام الأولى للثورة: لن يكون هناك تدخل عسكري في سورية على غرار ليبيا؛ لأن سورية ليست دولة نفطية.
و طالما أن الحال هكذا فإنَّ الدول الفاعلة في الساحة السورية ستطيل أمد الأزمة، و ستترك السوريين حتى ينهكوا أنفسهم، و لن تدع الثورة تمتلك ما يعينها على الحسم بانتظار أن يحصل توافقٌ فيما بينها على تقاسم المصالح بشكل مرضٍ لها.
و ما على الثورة إلاَّ أن تبحث هي الأخرى من مصالحها بعيدًا عن الارتهان لإرادات هذه الدول، و أن تبتكر حلولاً لما تعانيه من نقص في الإمدادات، فالناجح في أزماته يبحث عن الحلول، و العاجز يبحث عن الأعذار.