الأبعاد الاستراتيجية لمعركة باب الهوى الأخيرة

الأبعاد الإستراتيجية لمعركة باب الهوى الأخيرة

محمد عبد الرازق

يرى المراقبون أن معركة باب الهوى الأخيرة ( 14ـ15/ 8 ) ستمثل معلَمًا من معالم الثورة السورية، ولاسيما في ريف إدلب الشمالي؛ و ذلك بالنظر إلى المقدمات، و سير العمليات، والنتائج.

ففي المقدمات يذكر أن النظام قد أخذ كفايته من الوقت و هو يُعِدُّ لها؛ في محاولة منه لكسر حالة الجمود التي أعقبت معركة تحرير معبر ( باب الهوى ـ الجديد ) من قبل مقاتلي الجيش الحر، و ما صاحبها من تحرير مدينة الأتارب، و السيطرة على طريق الموصل منها إليه مرورًا بتقاطع مدينة الدانا، فبقيت قواته المتمركزة في منطقة ( باب الهوى ـ القديم ) شبه معزولة، و محاصرة بعد إكمال إطباق الطوق حولها؛ فخط إمداداتها من جهة إدلب تحت نار كتائب الجيش الحر المتمركزة في القرى، و البلدات التي يمرّ فيها، و كذا من جهة حارم ( النقطة المتبقية له من جهة الغرب بعد خروج سلقين من يده بشكل ما ). و هو يريد من خلال هذه المعركة تحقيق أمرين معًا:

1ـ تعزيز وجوده في منطقة ريف إدلب الشمالي، التي باتت شبه خارجة عن سيطرته، و ذلك لما لها من الأهمية؛ كونها تمثل منطقة تحرك المعارضين الآمنة باتجاه تركيا.

2ـ إعادة منفذ باب الهوى إلى سيطرته لما له من أهمية استراتيجية ( اقتصادية، و سيادية )؛ كونه البوابة الأولى له مع تركيا، و الغرب باتجاه الخليج.

هذا من جهته، و أمَّا فيما يخص كتائب الجيش الحر فإنها تريد تخفيف الضغط على الكتائب الأخرى التي تقاتل في حلب في معركة المصير لدى طرفي النزاع، و لا سيما بعد إعادة تنظيم صفوفه في الريف الشمالي لإدلب ( لواء درع الثورة في منطقة كللي، و لواء هنانو في معرة مصرين، و المجلس العسكري في سرمدا )، و سعيهم لإعلان هذه المنطقة محررة بشكل كامل بعد إكمال تحرير مدينة سلقين، و الاتجاه نحو مدينة حارم؛ و بذلك لن يبقى للنظام سوى ثلاث مناطق:

1ـ مدينة إدلب ( و تحديدًا المربع الأمني).

2ـ معسكر المسطومة على طريق ( أريحا ـ إدلب ).

3ـ وادي ضيف في منطقة المعرة.

و في سير العمليات، فإنَّ إدارة المعركة من قبل النظام تشي بكثير من الارتباك، و التخبط. و هو أمر تجلّى ابتداءً من خلال حجم القوات التي حشدها؛ إدراكًا منه للمخاطر الجمّة التي تنتظرها في طريق مرورها بالمناطق التي لا تدين له بالولاء، و السيطرة. ما عدا ثلاث مناطق شيعية حشد منها عددًا كبيرًا من الشبيحة ضمن هذه القوات ( جنوب معرة مصرين، و الفوعة، و كَفَرْيَا ). و قد صدق حدسه في ذلك؛ حيث انهالت عليه الضربات من عموم المنطقة ابتداءً من معرة مصرين، و انتهاءً بسرمدا، بخط نار يصل طوله إلى ( 35 كم ). و قد كان خط الإمداد الوحيد له هو من خلال الطيران المرافق لها.

و ما إن بدأت المعركة حتى فقد السيطرة على قواته، و آلياته؛ و أصبحت جنوده صرعى وسط كروم الزيتون، و على جنبات طريق الأوتستراد، و سعيد الحظ منهم من وجد أنبوب مجاري يحتمي فيه، و تركت آلياته فريسة لكتائب لواء درع الثورة بقيادة العقيد ( مصطفى عبد الكريم ) قبالة بلدة ( كللي )، و قرية (باتبو )، هذا فضلاً على ما تمَّ اغتنامه منها من قبل ثوار بلدات ( معرة مصرين، و حزانو، و كللي، و باتبو، و سرمدا ).

لقد أبلت كتائب الجيش الحر في اليوم الثاني للمعركة بلاءً شهدت على ضراوته أعداد قتلى النظام، و أسراه، و حجم التدمير الذي لحق بدبابات الكتيبة المنسحبة من باب الهوى القديم، إذ تذكر الأخبار أنه لم ينجو منها سوى دبابة واحدة من أصل ثمانية و ثلاثين كانت ترابط هناك على مدى سنة مضت، و هناك أنباء عن مقتل جميع ضابطها بعد أن جاؤوا لفك حصار زملائهم الذين اختباؤوا في معمل بن لادن لعصر، و تعليب الزيتون في حزانوا، فقتلوا معهم أيضًا.

إنّ الخسائر البشرية التي لحقت بكتائب الثوار ( بحدود خمس و ثلاثين شهيدًا، معظمهم في ثوار كللي، و معرة مصرين ) تعدّ في العرف العسكري ضمن المتوقع، قياسًا بما ألحقوه بقوات النظام؛ التي غص بجثثهم المشفى الوطني في إدلب، و مشافي الفوعة، و كفريا ( الشيعيتين ).

إنَّ الأمور تقيَّم بنتائجها، و إنَّ نتائج معركة باب الهوى الأخيرة قد فرضت واقعًا جديدًا على الواقع لا يمكن تجاهله في مستقبل الأيام، و منها:

1ـ دحر قوات النظام من معبر باب الهوى ( القديم، و الجديد )، و إحكام سيطرة قوى الثورة عليه.

2ـ خروج قوات النظام من عموم الريف الشمالي لإدلب، ماعدا جيب ( حارم )، و هو في طريقه للخروج من قبضته أيضًا.

3ـ بسط سيطرة كتائب الجيش الحر نفوذها على الحدود الشمالية الغربية لسورية مع تركيا؛ الأمر الذي سيجعل من خط الإمداد لها محميًّا، و بعيدًا عن أعين قوات النظام.

4ـ ظهور النتائج السريعة لإعادة تنظيم كتائب الجيش الحر، بقيادة ضباط محترفين، ذوي حرص، و نزاهة، و إخلاص لمبادئ الثورة. بعيدًا عن العاطفة، و الارتجال في معالجة الأمور.

5ـ اِمتلاك قوى الثورة لزمام المبادرة؛ فلم تعد تحركاتهم ردة فعل على تحركات النظام.

6ـ اِنكشاف زيف الإعلام المعادي لقوى الثورة؛ الذي ما فتأ يروج أن من يتحرك في هذه المنطقة هم عناصر خارجية، و أنهم يشكلون امتدادًا لفكر القاعدة. فقد رأى أبناء المنطقة، و من تابع مقاطع الفيديو أن وجوه الشهداء، و الجرحى، و من اعتلى ظهر الدبابات، و من كان يقوم بعمليات الإسعاف و الإمداد هم من أبناء منطقتهم ( ضباطَا، و جنودًا، و ثوارًا ).

7ـ اِلتحاق أبناء عوائل كانت توصف بأنها محسوبة على النظام في ركب الثورة، و قد رأينا عددًا من هؤلاء يرتقون في سلم الشهداء؛ الأمر الذي ما كان له أن يتحقق لولا التحول الواضح في مواقف أهلهم من الثورة، و صدق توجهها.

8ـ اِفتضاح أمر النظام في إذكاء النزعة الطائفية بين أبناء المنطقة من الشيعة الاثني عشرية؛ حيث قام بتجنيد المئات من الشبيحة من ( الفوعة، و كَفَرْيَا، و جنوب معرة مصرين ). و هو ما سيرتد سلبيًّا على علاقتهم من المحيط السُنّي الذي يعيشون وسطه، و لذلك على العقلاء من أبناء هذه المناطق الثلاث أن يتنبهوا لخطورة الانجرار وراء النظام في هذا المسعى، و يعرفوا أن وجودهم بين إخوانهم من أبناء السُنّة أقدم، و أبقى من عمر نظام الأسد.

9ـ تجلِّي المواقف الوطنية المشرفة للطائفة الدرزية في القرى السهلية الثلاث ( معرة الإخوان، و كفتين، و بيرة كفتين )، باستضافة النازحين من جيرانهم السُنَّة، و تحديدًا من بلدة ( كللي ).

10ـ اِنكشاف مدى جبن، و خور النظام عن خوض أية مواجهة مباشرة مع قوى الثورة، و كتائب الجيش الحر؛ الأمر الذي استعاض عنه بقصف همجي من الطيران الحربي ( الثابت، و المتحرك ) على القرى، و البلدات التي شارك أبناؤها في هذه المعركة. لقد أمطرها بوابل من الصواريخ، و القذائف الثقيلة ( 500 رطل ) دونما تمييز؛ فأصاب بيوتًا آمنة مثلما أصاب حظائر الحيوانات. و ذلك تنفيذًا لسياسة الأرض المحروقة التي ينتهجها النظام في حربه مع عموم أبناء سورية، و هي سياسة ما عاد النظام يخفيها؛ ففي اتصال لمدير مطار تفتناز العسكري مع قائد لواء درع الثورة ( العقيد مصطفى عبد الكريم )، قال له: إنَّه سيمحو بلدته ( كللي ) عن الخارطة إذا لم يُلْقِ الثوار أسلحتهم، و يستسلموا.

هذه قراءة في الأبعاد الاستراتيجية لمعركة باب الهوى الأخيرة، و لا شك أن هناك المزيد من التداعيات لها ستظهر في قابل الأيام.