الذكرى الرابعة لثورة يناير المغتصبة

محمد شركي

[email protected]

تحل اليوم الذكرى الرابعة لثورة يناير المصرية التي أجهز عليها النظام المنهار عن طريق ضباط موالين له اعتمدوا طريقة الانحناء أمام عاصفة الثورة وهي في أوج قوتها لينقلبوا عليها بطريقة ماكرة خبيثة تمثلت فيما سمي ثورة مضادة. ومعلوم أن الثورة المضادة هي اغتصاب للثورة . ومن خبث النظام الفاسد الذي ثارت ضده ثورة يناير سيطرته على الجيش عن طريق ضباط متورطين في الفساد يسيطرون على ثروات البلاد ، ويعيثون فيها فسادا . ولم يكن رهان النظام المنهار أمام الثورة الشعبية على الضباط الموالين له فقط بل كان رهانه أيضا على الشرطة التي واجهت الثورة بالحديد والنار معتمدة على عصابات الإجرام المعروفة باسم البلطجية . ولقد شهد العالم كيف وقف البلطجية جنبا إلى جنب مع الشرطة في محاولة قمع الثورة . ومن خبث النظام أنه أوعز إلى ضباطه في الجيش عدم الكشف عن مشاركتهم في قمعها مع الشرطة والبلطجية من أجل تضليل الشعب وخداعه ليثق في المؤسسة العسكرية . وبالفعل ذلك ما حصل حيث عانقت الجماهير المصرية الثائرة الجيش وهي تعتقد أنه بعيد وبريىء من التآمر على ثورتها ، وهي لا تدري بأنه تقاسم مع الشرطة الدور في الإجهاز عليها .واستمر انحناء ضباط النظام الفاسد أمام عاصفة الثورة حتى هدأت سورتها وبدأت أول تجربة ديمقراطية في مصر ، إلا أن انحناءهم في الظاهر كان يقابله التآمر في الخفاء ليل نهار من أجل إجهاض التجربة الديمقراطية الفتية. وكان التآمر داخليا وإقليميا ودوليا بسبب جوار مصر مع الكيان الصهيوني الذي بات يشعر بالتهديد المباشر بسبب هذه التجربة الديمقراطية التي أفرزت نظاما على طرف نقيض مع النظام الفاسد الذي كان يوفر له الأمن والسلام على حساب الأمة العربية وحقوقها المشروعة . وحرك ضباط النظام المنهار طوابيرهم الخامسة لتكيد للتجربة الديمقراطية ، وأنفقت جهات إقليمية المال المدنس بسخاء لهذه الطوابير من أجل عزل النظام الجديد عن الشعب قبل عزله بالقوة . وفجأة حصل الانقسام في حشود المعتصمين بالساحات والميادين ، وتميزت حشود الثورة عن حشود الثورة المضادة التي صنعها ضباط النظام الفاسد بين عشية وضحاها من فلوله ومن البلطجية ومن التيارات الانتهازية العلمانية المدعومة غربيا والسلفية المدعومة إقليميا ، وهكذا أعلن الضباط المتآمرون على الثورة عما سموه ثورة يونيو ، وكانت التسمية متعمدة تعني عودة النظام الفاسد نظام الضباط الأشرار . ووظف ضباط الانقلاب منعدمي الضمائر في سلك القضاء الذين جاءت أحكامهم القضائية عنيفة وقاسية موازية للعنف الشرس الذي مارسه العسكر ضد المعتصمين في الساحات والميادين والمدافعين عن ثورة يناير ضد الثورة المضادة. وتآمر القضاء المأجور ضد الثورة فبرأ الرئيس المخلوع ونجليه وبطانته من جرائم القتل المرتكبة ضد ثوار ثورة يناير ، وخرج المفسدون من السجون وحل محلهم أنصار ثورة يناير ، وصدرت في حقهم الأحكام القاسية والقياسية ، وغير المسبوقة بل المسبوقة بالأحكام الفرعونية في عهد الفراعنة. وفجأة انقلبت الأمور في مصر وأصاب العهر مؤسستها الدينية التي شاركت في المؤامرة وأصدرت الفتاوى لشرعنة الانقلاب ، كما أصاب العهر أيضا المؤسسات الإعلامية التي صارت أبواق دعاية وإشهار للانقلاب . ومرغ المثقفون والفنانون المنحطون أنوفهم في وحل الخيانة ومجدوا الانقلاب ولعقوا بألسنتهم جزمات الانقلابيين القذرة في انبطاح غير مسبوق ، ولطخوا سمعة الفكر والثقافة والفن في مصر التي كانت قاطرة الوطن العربي فكريا وثقافيا وفنيا.وحل محل التجربة الديمقراطية ومحل الشرعية مسخ سمي خارطة طريق من أجل التمويه على انقلاب عسكري فاضح. وهاهي ثورة يناير تودع عامها الرابع دون أن يهدأ بركانها حيث تنطلق المظاهرات والوقفات الاحتجاجية كل يوم بالرغم من شراسة العنف العسكري والبوليسي . وهاهم ضباط الانقلاب يضطرون إلى حشد قواتهم في الساحات والميادين مخافة أن تعود الجماهير الثائرة إلى نقطة انطلاق ثورة يناير بزخم أقوى من الأول . وفي الذكرى الرابعة لثورة يناير عرف الشعب المصري جيدا حقيقة المؤامرة على ثورته ، ولا شك أنه يعرف كيف يعيد الأمور إلى نصابها لأن الثورة كانت ضد الفساد ، وما دام الفساد مستمرا فإن الثورة باقية وستنتصر مرة أخرى وألف مرة كما انتصرت أول مرة.