لماذا حلب؟

محمد عبد الكريم النعيمي

محمد عبد الكريم النعيمي - المدينة المنورة

[email protected]

 كان غريباً أن تكون مشاركة حلب أخيراً في الحراك الثوري - بقيمتها الرمزية الكبرى - بهذا الشكل المدوي بعد أكثر من عام ونصف على انطلاقة الثورة السورية.

 نعم كانت هناك مشاركات في التظاهرات السلمية لبعض أحياء حلب، لكنها كانت دون المأمول والمتوقع من مدينة هي الأكبر من حيث عدد السكان، وهي التي تضم في تكوينها الديمغرافي النسبة الأعظم للسنة - وقود الثورة المشتعل - بالإضافة إلى حالة الثأر المختزنة في نفوس أهلها بعدما نالها ما نالها من قمع نظام الأسد الأب إبان ثورة الثمانينيات.

 على كل سيغفر السوريون لهذه المدينة الاقتصادية ما أسماه البعض "تخاذل" أهل حلب عن اللحاق بركب الثورة مبكراً، بغض النظر عن الأسباب التي كانت وراء ذلك، بعد أن جاء التحاقها بالثورة قوياً مزلزلاً للنظام الأسدي بهذا الشكل غير المتوقع، ولكن لماذا حلب وفي هذا الوقت؟

 من الملفت أن معارك حلب اندلعت مباشرة بعد المناوشات والاشتباكات بين الجيش الحر وقوات الأسد في قلب العاصمة دمشق، ما يرجح وجود خطة لدى الجيش الحر لإشغال النظام بما أسموه "بركان دمشق زلزال سوريا" وبالضربة الموجعة باستهداف أبرز وجوه النظام القمعية في عملية تفجير مبنى الأمن القومي.

 وبعد أن ظن الجميع أن المعركة في سوريا باتت "معركة دمشق"، وقبل أن يستفيق النظام من الضربة المؤلمة ويستعيد بعض تركيزه، إذا ببوصلة الجيش الحر تتحول فجأة إلى الشمال، لتضرب بقوة قلب العاصمة الاقتصادية بلا هوادة، ولتحول بذلك الشمال إلى كرة ملتهبة تؤرق أمن النظام وتسهد ليل رموزه.

 ولكن ما قيمة حلب إلى جانب دمشق بعد أن تمكن الجيش الحر من اختراقها؟ وما الذي يجعل من حلب أكثر أهمية في هذا الوقت بالتحديد؟

 يبدو أن الثوار أدركوا أن لا طريق نحو العاصمة دمشق إلا عبر حلب، وأن التركيز على دمشق في هذه المرحلة نوع من استعجال قطف رأس النظام قبل التمكن من أطرافه وإصابتها بالشلل خاصة في حلب، نظراً لما تمثله السيطرة عليها من ضرب العصب الاقتصادي للنظام، ولوقوعها قريباً من تركيا التي تؤوي قيادة الجيش الحر وعدداً كبيراً من مقاتليه، والتي تشهد الحدود السورية معها سيطرة شبه كاملة للثوار السوريين، ما يجعلها نقطة مركزية للانطلاق نحو تحرير باقي المدن والمناطق السورية بعد تأمين خط للإمداد عبر تركيا، وهي الميزات التي تفتقدها دمشق.