نُزوحٌ قَبْلَ السُّقوط

محمد عبد الرازق

( ما يقربُ من عشرين ألف نازح سوري، خرج من نقطة ( المصنع ) الحدودية مع سورية منذ يوم الاربعاء ). هذا ما صرح به مسؤول لبناني صباح اليوم الجمعة لوسائل الإعلام.

اللافت للنظر في أمر هذا النمط من النزوح أنّه مألوف في لحظات ما قبل سقوط الأنظمة؛ فلقد شهدناه قبيل سقوط نظام صدام، حيث غصَّت شوارع العاصمة الأردنية بهؤلاء الهائمين على وجوههم؛ فضلاً على أفواج أخرى قد يممت وجهها نحو الغرب.

و هاهو المشهد يحدث اليوم في سورية، فهؤلاء النازحون يودّون النجاة بأرواحهم قبيل سقوط الأسد، وهم في جلّهم ممَّن قد أعدَّ لهذا اللحظة عدتها، فقسمٌ كبير منهم قد هرَّب رؤوس أمواله كما أشارت التقارير قبل أيام، و هو الأمر الذي كتبنا عنه في حينها، و اعتبرناه مؤشرًا على تفكك النظام.

و قسم آخر يخشى السقوط؛ فيخاف أن تطاله يد المحاسبة بسبب ما اقترفت يداه؛ فيودّ النجاة بنفسه، و ليكن من بعده الطوفان، و هؤلاء النفعيون، و المتسلقون، أشبه ما يكونون بالعوالق التي تمص الضرع حتى ينشف؛ و لا أدلَّ على ذلك أن يكون من بينهم أبواق النظام، و ماسحو الجوخ، و منهم سيء الذكر ( شريف شحادة ) الذي أعلنت مصادر في قناة المنار اللبنانية القبض عليه برفقة عائلته من قبل الجيش الحر، و هو في طريق هروبه إلى لبنان.[ و هو الأمر الذي ننقله، و لا نتبناه].

إنّ هذا النزوح الذي تشهده المعابر الرسمية اللبنانية، ليس الوحيد في بابه؛ فهناك نزوح آخر تشهده الأردن، و ضمن هذا السياق يمكن تفسير حالة التأهب و الاستنفار الأمني في المنافذ الأردنية، و إعادتها لعدد ليس بالقليل منهم إلى سورية، و هو ما لم تفعله مع من جاءها لائذًا عن طريق المعابر ( غير الشرعية).

و ضمن هذا السياق أيضًا يمكن تفسير تعليق الرحلات الجوية القادمة من ( حلب، و دمشق ) إلى الأردن بدءًا من اليوم الجمعة.

و هناك أعداد أخرى قد يممت وجهها نحو الغرب، ممن أسعفهم الحظ، و كان لديهم وثائق سفر مزدوجة، أو تيسر لهم الحصول على تأشيرات دخول إلى دوله، و قد ذكرت مصادر مطلعة في مطاري دمشق، و حلب أن أعدادًا من السوريين، من أصحاب النفوذ، و ميسورو الحال قد استقلوا الطائرات المتجهة نحو أوروبا.

نقول: إنّ ما تشهده المعابر الحدودية، و المطارات من هذا النزوح أمر متوقع، و كثيرًا ما يكون في أوقات كالتي تشهدها سورية اليوم، و هو نزوح ما قبل السقوط، بغرض النجاة بالنفس، و ليكن من بعده الطوفان. و كثرٌ من هؤلاء ممَّن كان يدفع بالأمور نجو الغرق، فلمَّا كانت هذه اللحظة صعدوا على ظهر السفينة، و تركوها المياه تجرّها نحو الأعماق؛ فهم و النظامُ سواءٌ في الجريمة، و المآل.