نقاط مضيئة ..متلألئة ..في مؤتمر المعارضة السورية بالقاهرة

د. موفق مصطفى السباعي

نقاط مضيئة ..متلألئة ..

في مؤتمر المعارضة السورية بالقاهرة

د. موفق مصطفى السباعي

كنت قبل أيام كتبت عن مشاهداتي في مؤتمر القاهرة ، ووعدتكم أن أكتب عن المحطات ..أو المواقف ..أو النقاط الإيجابية الرائعة التي لمستها وعاينتها بنفسي في القاهرة ..

وحينما أكتب ..أكتب بلغة علمية رصينة صادقة تصور الواقع كما هو .. بعيدة كل البعد عن  لغة الشعر والأدب والإعلام التي تجنح أحيانا للتضخيم والتهويل لتحصل على سبق إعلامي ، أو فرقعة دعائية ..فأنا أسمو بنفسي وقلمي عن هذه الأساليب ..لكوني طبيبا جراحا ..لا ينقل ولا يتكلم  إلا بما يراه في الواقع والميدان ، مهما كان شكله ونوعه..

ومن هذا المنطلق السامي الرفيع ..ومن هذا الهدف النبيل ..أعرض بعض النقاط التي وجدتها حقا وصدقا مضيئة ..رغم أنف الجاحدين ..والمشككين ..واللاهين ..والعابثين الذي ليس هم إلا الصيد في الماء العكر ..وإلا تتبع عورات الناس ..وشحذ ألسنتهم القاطعة ..الجارحة لتمزيق وتقطيع أهلهم وأصدقائهم ..وأبناء بلدهم ..وهم – لغفلتهم – يحسبون أنهم يحسنون صنعاً..

النقطة المضيئة الأولى : حضور ذلك الرجل العملاق الذي يدعى الراهب أو الأب باولو..

بينما كنت أتجول بقاعة المؤتمر قبل بدايته ، خاصة وأن مسؤول الأمن قد أخبرني أنه يجب علي تعليق بطاقة المؤتمر على صدري كي أتمكن من الحضور ، وإذا بي أشاهد السيد جورج صبرا وإلى جانبه الأب باولو .. فلما سلمت عليه ..عرَفني به فعانقته بحرارة – لأني سمعت عنه أشياء مذهلة وعظيمة – ولما عرف أني قريب الشيخ مصطفىزاد في تحببه لي ، وبعدها قلت لجورج ..لم تصلني دعوة رسمية ..فكيف لي أن أحصل على بطاقة الدخول ؟؟؟ فذكر لي اسم شخص مسؤول عن هذا الأمر ، فسألته كيف أعثر عليه..وإذا بالأب بالو يتحمس وينطلق معي للتفتيش عنه ثم يخاطبي : أنت ابن الشيخ مصطفى تدعو ولا تُدعى !!!!...

كان هذا الرجل الحر..الإيطالي الجنسية ..السوري المشاعر والأحاسيس والهوى ..الذي يعشق سورية كعشق أي سوري حر آخر ..والذي أمضى ثلاثين سنة في منطقة القلمون ، وتطبع بأخلاق أهلها المسلمين وعاداتهم ، وتكلم بلغتهم ...كان شعلة من النشاط والحركة في المؤتمر والدفاع عن الثورة السورية ، وعن المسلمين أكثر من كثير من المنتسبين إلى المسلمين ..وكان أحد الأشخاص الخمسة الذي جلسوا على المنصة في المؤتمر الصحفي الذي عقده البطل خالد أبو صلاح لأجل فك الحصار عن حمص..وتكلم بحرقة وألم وطالب المجتمع الدولي بفك الحصار فورا ..مما حدى بالسيد برهان غليون لأن يطالب بمنحه الجنسية السورية عقب انتصار الثورة ...ومما دفعني أيضا لأن أقول له سأطلق عليك لقب الشيخ باولو الذي تستحقه أكثر من كل الشيوخ الذين لا يزالون يوالون بشار وينافقونه..

النقطة المضيئة الثانية : السيرة الطيبة ..والذكر الحسن ..والسمعة العالية ..والشهرة الفائقة للشيخ مصطفى لدى العلمانيين وغير المسلمين ..وهذه الحقيقة لم ألمسها إلا في هذا المؤتمر ..فقد أشاد جورج صيرا بشخصيته الجامعة وكتبه المفيده وأنه دائما ما يتصفح كتابه ( هكذا علمتني الحياة ) ويستلهم منه القوة والرشاد .. أما السيدة ريما فليحان وهي كانت رئيسة اللجنة المنسقة للمؤتمر فقد صرحت أن الشيخ مصطفى هو قائد للسوريين كلهم ولا يزال .. وأما هيثم مناع فقد أعلن لي أنه ليس هو رمز للإخوان المسلمين فحسب .. بل هو رمز للوطن السوري كله ..

وهذا ما دعاني أن أستغل هذا الشعور الطيب حول الشيخ مصطفى الذي تُوفي قبل ثمان وأربعين سنة ، ولا تزال سيرته العطرة تعبق في الجو برائحتها الذكية ، وتنعش الخلق بأريجها الفواح ..أن أقول لهم جميعا .. إذن تعالوا نستظل بخيمته التي لاتزال ترفرف فوق سورية ، ونتعاون مع بعضنا ، ونتآلف معا ، كما كان يفعل ذلك رحمه الله ، قبل ستين سنة منذ الإستقلال الأول وحتى وفاته ..

النقطة المضيئة الثالثة : ذلك البطل المغوار ..رمز الصمود والثبات في عاصمة الثورة ..الشاب الجرئ الشجاع ..خالد أبو صلاح الذي وصل القاهرة صباح اليوم الثاني متخفيا ..مُطاردا من كتائب الأسد الجهنمية ..وحينما دخل القاعة ضج الحاضرون بالتصفيق والترحيب وعانقه وقبله الكثير من الحاضرين .. بدءً من أكبرهم سنا وهو السيد هيثم المالح إلى أصغرهم سنا ، وألقى رسالته التي حملها من أهل حمص المحاصرين ، المظلومين ، والتي جاء لأجلها .. وقطع الفيافي والبراري لأجل توصيلها ألا وهي ضرورة فك الحصار عن حمص التي تعيش حياة مأساوية خانقة لا نظير لها ، وشرح لهم أن ثمة 800 عائلة في الأحياء القديمة لا يصلها الغذاء ، ولا حتى الخبز ، ولا أبسط مقومات الحياة منذ أشهر ..

وبعد مغادرته القاعة اجتمع به السفير التركي الذي كان ينتظره في بهو الفندق ، واستفسر منه عن الوضع الصحي في حمص ، فذكر له شدة المعاناة في نقص الأدوية والتجهيزات الطبية ، مما يؤدي إلى بتر أطراف كثير من الجرحى بسبب افتقاد الإمكانيات العلاجية ، ونقص حاد في المشافي الميدانية ، التي يلاحقها النظام الأسدي بالتدمير والحرق .

وبعدها جاءه القنصل الفرنسي ليعرض عليه خدماته في تأمين تأشيرة إلى فرنسا خاصة وأنه لا يحمل جواز سفر وإنما ورقة عليها صورته فقط ..

وفي هذه الأثناء سعى برهان غليون لترتيب مؤتمر صحفي على الهواء مباشرة لإسماع صوت الثوار للعالم .. وفعلا تم عقد مؤتمر صحفي سريع ، وجلس على المنصة إلى جانب خالد أبو صلاح ، كل من هيثم المالح وبرهان غليون ونجاتي طيارةوالأب باولو ..والكل طالبوا المجتمع الدولي بسرعة التدخل العسكري لإنقاذ ما تبقى من السكان ، ووقف المجازر ، وأعلنها البطل خالد صريحة عالية مدوية بالمطالبة على الأقل بالحظر الجوي أما الممرات الآمنة فأصبحوا ليسوا بحاجة إليها ..لأنهم هم من صنعها ، ولكنهم يريدوا الآن حظر الطيران .

النقطة المضيئة الرابعة : وهي اجتماع شمل المعارضة بكافة أطيافها بعد نقاشات مستفيضة وحادة أحيانا .. على المصادقة على ورقة العهد الوطني وورقة المرحلة الإنتقالية بعد تعديلهما حسبما طالب به المشاركون ، ورفض أي حوار مع نظام بشار ، أو القبول بتشكيل حكومة تحت إمرة بشار ...مما يؤكد على أن المعارضة السورية – على عجرها وبجرها – هي أفضل وأشرف وأنبل معارضة عرفها التاريخ الحديث مقارنة بالمعارضة التي استلمت الحكم على ظهر دبابة أو التي قبلت بتشكيل حكومة مع نظام دكتاتوري ...وبالرغم من انسحاب قسم من الوفد الكردي الذي لم يعجبه تعبير الشعب السوري واحد بكل مكوناته العرقية والطائفية بمافيه الأكراد وإنما كان يصر على أن يذكر أن سورية تتكون من الشعب الكردي والشعب العربي ..وكأنهم يريدون أن يجعلوا من سورية أرضا تحتوي شعوبا كثيرة وليس شعبا واحدا وهم بهذا يبيتون لتقسيم سورية فيما بعد ، كما أنهم أصروا على ذكر اللامركزية السياسية ..ومع هذا فالورقتان حظيتا بالموافقة ..

النقطة المضيئة الخامسة : تم لقاء عاجل على هامش المؤتمر بيني وبين السفير الأمريكي مع عدد من السوريين فقلت له بكل صريح العبارة : أنتم تُحَمِلون روسيا وزر عدم اتخاذ مجلس الأمن قرارا بالدفاع عن الشعب السوري تحت البند السابع غير أن الحقيقة خلاف ذلك تماما ..

فأنتم الذين تعطلون إصدار هذا البيان حقيقة .. وأنتم الذين تدعمون نظام بشار فعليا ..وتتظاهرون بأن الروس هم المعطلون تستغلون غباءهم وحماقتهم وجشعهم للمال .. فهم كل الذي يريدونه بضعة مليارات من الدولارات ليضعوا بصمتهم على قرار مجلس الأمن ويتخلوا عن نظام بشار ، الذي لا يقيمون أصلا له أي وزن ولا إعتبار ، ولكنكم أنتم ترفضون إعطاءهم المال ..وتمنعون غيركم من الدول العربية أو سواها من دفع المال لهم لأن الجالية اليهودية في فلسطين التي سيطرت على الحكم منذ 64 سنة وأطلقت على نفسها دويلة اسرائيل .. ترفض إزالة زميلتها ورفيقة دربها الجالية النصيرية التي سيطرت على الحكم في سورية منذ 32 سنة وأطلقت على نفسها سورية الأسد..فهما توأمان لا ينفصلان  نشأا في رحم واحدة ..

اندهش السفير كثيرا لهذا الكلام الصريح الفاضح لأسياده في البيت الأسود ، وفغر فاه وأخذ يتمتم ويتلعثم ولا يدري بماذا يرد

وشعرت من حركاته وتلون وجهه ، أن هذا الكلام قد نزل عليه كالصاعقة ، فما كان يتوقع ولا كان يتخيل أن يتجرأ عليه عربي مسلم بهذا الكلام القوي

الذي يكشف عورته ويهتك ستره وستر حكومته .

وبعد أن استجمع قواه التي بدر عليها الإنهيار قال : نحن نسعى بكل قوتنا لمساعدة الشعب السوري والخلاص من الديكتاتور بشار ..

قلت له ولذلك بادرت وزيرة خارجيتكم العجوزة الحلوة تكرر نفس العبارة منذ سنة ونصف

يجب على الأسد الرحيل .. ولم يبق له إلا أياما معدودة حتى يسقط .. ولم يسقط لأنكم لا تريدونه أن يسقط

اسمع يا سعادة السفير أنتم أردتم إسقاط الثورة وليس إسقاط بشار .. هذه حقيقة أصبح يعرفها الطفل الصغير عندنا ..

وسأفشي لك سراً أنكم أسديتم للثورة خيرا عظيما – من حيث لا تشعرون – فأصبح أصغر الثوار يفهم بالسياسة أكثر من أكبر سياسي عندكم ويعي ألاعيبكم ومؤامراتكم ، ونظرة سريعة على لافتات المتظاهرين على أرض سورية تبين لك صدق ما أقول ..

وأصبح الشعب يعشق الحرب وحمل السلاح وهذا ما فيه من خطر على معشوقتكم وحبيبتكم الجالية اليهودية في فلسطين المهددة بالزوال بعد أن نزيل توأمها الجالية النصيرية في سورية ...

وبعدها افترقنا وكانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد نصف الليل .