بين مرسي والمشير وأمريكا!
صلاح حميدة
زارت وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة مصر واجتمعت مع الرّئيس المصري ومع المجلس العسكري ومع منظّمات الأقباط والمرأة وأطراف أخرى سياسيّة ومجتمعيّة، حيث أثارت بعض الأطراف المعادية لجماعة الإخوان المسلمين الكثير من الانتقاد ضدّ الرّئيس المصري محمّد مرسي وضدّ جماعة الإخوان المسلمين بسبب هذا اللقاء، واتّهمت الإخوان بإبرام " صفقات " مع أمريكا، وبسماحهم لها بالتّدخّل في الشّؤون المصريّة الدّاخليّة. بالرّغم من أنّهم أعلنوا أنّ احترام معاهدات مصر الدّولية مرتبطٌ بالتزام الأطراف الاخرى بتلك المعاهدات، بالإضافة إلى مطالبة الأمريكيين بإلغاء ديون مصر الخارجيّة، ودعمها اقتصاديّاً، ومساعدة مصر في تتبّع الأموال المسروقة و المهرّبة للخارج.
الملفت أنّ الأطراف الّتي تتّهم الإخوان بتلك الاتهامات كانت عبر التّاريخ – ولا تزال- جالسةً في حضن أمريكا واستخباراتها، وتَعتاش على ما تقدّمه أمريكا لمؤسّساتها الأهليّة، وبعض تلك القوى لم يؤذهم الإخوان بأيّ قول أو فعل ومَن قَتَلَهم وداسهم بالعربات المدرّعة هم من يناكفون ويعرقلون عمل الإخوان، وهم من لوّحوا بطلب الحماية من المارينز، وبالتّالي فإنّ كرههم للإخوان هو ما يعمي بصيرتهم ويدفعهم لهذا الفعل وذاكَ القول، وهذا يدلّل على فقدان للبوصلة عند هؤلاء وارتمائهم في حضن العاملين لإعادة إنتاج نظام مبارك من خلال دعوتهم لوضع كل الخيوط بيد المجلس العسكري، تحت لافتةٍ مضلّلة بأنّهم يدافعون عن الدّولة المدنيّة، فالعسكري ضدّ المدني على الإطلاق، ولا يحتاج المرء لفهلوة لفهم ذلك.
كما أنّ هؤلاء يتّهمون الإخوان بعقد صفقات مع العسكري وترك الثّوّار في الميدان. ولكن الواقع يثبت أنّهم مَن يخذل الثّورة والثّوار ويبيعونهما علانيّةً للعسكري، وتلك القوى مّن انتخبت رجل مبارك أحمد شفيق، ويهتفون بأنّهم لن يخضعوا ( لحكم المرشد) ولو تماشينا معهم في هذا الاتهام، بالرّغم من أنّ رئيسهم ليس المرشد، إلا أنّ المرشد يتغيّر بالانتخابات، وحكم العسكر منذ العام 1952م لا يتغيّر إلا بالموت أو الخَلع أو القتل أو الثّورة الشّعبيّة، فنحن نرى مرشدين سابقين، ولكنّنا لا نرى رؤساء إلا ميّتين أو مقتولين أو مخلوعين أو مسجونين. و يرمي هؤلاء الإخوان بما هم فيه ويعتقدون أنّ النّاس لا ترى ولا تسمع، ويعملون مع العسكر لإلغاء الإرادة الشّعبيّة من خلال تلك الأحكام القضائيّة المسيّسة، بحجّة عدم السّماح للإخوان بالسّيطرة على مفاصل الدّولة، فما العيب والمشكلة في فوز الإخوان بإرادة الشّعب المصري، وبأيّ حقٍّ يمنح هؤلاء والعسكر أنفسهم حقّ الوصاية على الإرادة الشّعبيّة المصريّة، وبأيّ حقٍّ يعملون على عرقلة تنفيذ الإخوان لبرنامجهم الانتخابي، وتحقيق وعودهم للنّاخبين؟ لدرجة أنّ بعضهم بلغ منه الحقد والسّفاهة حدّاً دفعه ليقوم بإلقاء القمامة في الشّارع بكمّيّات كبيرة بعد تنظيفها مباشرةً، لعرقلة خطّة الرّئيس لجعل شوارع مصر وأحيائها نظيفة، حيث أعرب محافظ أحد المحافظات المصريّة عن قراره بمعاقبة كل سيّارة تلقي نفايات في شوارع المحافظة، لأنّ الأمر وصل حدود أن يصبح ظاهرة!!.
لم يكن الإخوان عبر التّاريخ حلفاء للأمريكيين، وكانوا مضطهدين عموماً من قِبَل أمريكا و حلفائها، بل كان – ولا يزال- بعض حلفاء أمريكا يعتاشون من حربهم على الإخوان عبر ما يسمّى بالحرب على الإرهاب، و الإخوان في عرف أمريكا من الحركات الّتي تعتبرها إرهابيّة، ولا يزال الإخوان في عدد من الدّول العربيّة الحليفة لأمريكا ملاحقين ومحاربين، وحتّى في أمريكا يلاحق الإخوان وتُغلَق مؤسّساتهم الخيريّة، ولا يزال بعضهم في السّجون حتّى الآن، وإذا أردنا أن نلخّص ما يجري في مصر الآن، فحلفاء أمريكا هم من يعرقل عمل الإخوان ويعمل على سرقة فوزهم الإنتخابي ويمنعهم من تنفيذ برنامجهم الإصلاحي، ولو كانت أمريكا تدعم التّحوّل الدّيمقراطي في مصر، وتدعو العسكر للإكتفاء بدورهم الأمني – كما تعلن – لَأَمَرَت رجالها في العسكري والقضاء بذلك، ولاستجابوا لأمرها بترك الإخوان وشأنهم فوراً مثلما فعلوا في قضيّة المنظّمات الأهليّة، حيث أصرّت أمريكا على أن يقوموا بالسّماح لمواطنيها بالسّفر في طائرة عسكريّة هبطت بلا إذن و بطريقة مهينة للقضاء وللسّيادة المصريّة ولهيبة العسكر، وتمّ لها ما أرادت، ولم نسمع كل من يدّعون حرصهم على هيبة وسيادة مصر يفتحون أفواههم بكلمة واحدة، والغريب أنّهم يزاودون على الإخوان ويتّهمونهم بالرّغم من أنّ الأخوان يقولون أنّ احترام الإلتزامات والمعاهدات الدّوليّة (تبادلي)، وأنّ العلاقات مع كل الدّول ستقوم على مبدأ ا(لنّدّيّة) ومصلحة مصر أوّلاً!.
هدف تلك المزاودات والوقفات والمقالات هو المزاودة والتّشويش على الرّئيس والإخوان، فمن يرمون الإخوان بتلك الصّفات يعلمون علم اليقين أنّها تنطبق على من يطلقونها فقط، ويهدفون من خلالها لتشويه صورة الإخوان عبر ترداد الأكاذيب باستمرار، أو لدفعهم لتبنّي خيارات سياسيّة متهوّرة قبل تثبيت أقدامهم في الحكم، ممّا يعطي قوى الدّولة العميقة الفرصة للانقضاض عليهم بحجّة أنّهم ليسوا رجال دولة وليسوا إلا مجموعة من المغامرين، ويسوء هؤلاء قدرة الإخوان على تجاوز أغلب الفخاخ الّتي ينصبونها لهم، بدءاً من مصائد ما بين انتخابات النّيابي والرّئاسة، وليس انتهاءً بحلّ البرلمان والإعلان الدّستوري المكمّل وتقديم الحكم بشأن لجنة إعادة الدّستور تمهيداً لحلّها أيضاً، وهي معركة حاسمة تحتاج ( للحكمة والصّبر وطول النّفس والحزم أحياناً) كما قال الرّئيس التّونسي منصف المرزوقي قبل أيّام، وقد يكون الإخوان والرّئيس مرسي مطالبين - بعد حكم المحكمة المتوَقَّع بحلّ لجنة صياغة الدّستور- ببعض الحزم في وجه قوى الظّلام والثّورة المضادّة، وَلنَرَ وقتها موقف أمريكا من المواجهة بين قوى الرِّدَّة والثّورة المضادّة وبين الإرادة الشّعبيّة الممثّلة بالرّئيس والبرلمان، وإذا كان معروفاً أنّ الأمريكيّين ينظرون للعلاقة مع مصر بمنظار إسرائيلي، فبإمكاننا فهم الدّعوة العلنيّة الّتي وجّهها قاتل الأسرى المصريين في سيناء وصديق مبارك و عمر سليمان للمُشير ومن يدعمه من قوى وشخصيات ليستمروا في ( محاصرة الرّئيس مرسي وإسقاطه في النّهاية، لأنّه يشكّل تهديداً لإسرائيل) فبن إليعازر يتحدّث مع موظّفين أو أصدقاء حميمين، وليس لمعادين للأمريكان أو مدافعين عن سيادة مصر أو عن الدّولة المدنيّة؟! بالإضافة إلى أنّ كلامه يُسَلِّم بأنّ من يخاطبهم ويعرفهم عبر السّنين حريصون على أمن إسرائيل، وأنّ نداءه لهم سيشحذ من هِمَمِهِم لينقضّوا على أعداء إسرائيل إبتداءً مِنَ الرّئيس محمّد مرسي والمرشد والإخوان ومن يناصرونهم من القوى الحيّة في مِصر.
لا يخفى على أحد أنّ الأمريكان ليس لهم صديق دائم، وتحرِّكُهُم المصلحة فقط، وأنّهم كانوا يتعاملون مع الكثير من الحكّام والسّياسيّين والمسؤولين العرب بمنطق السّيّد والعبد، وهم الآن يتعاطون بحذر مع دول الرّبيع العربي، ويسعون لاستيعاب تلك القوى الصّاعدة، من باب عدم التّصادم مع إرادة الشُّعوب والادّعاء أنّهم مع ( التّحوّل الدّيمقراطي) بينما يطلقون العنان للمتأمركين - في مصر وغير مصر- لتكثيف ضغوطاتهم على القوى الثّوريّة لدفعها للإرتماء في حضن أمريكا، أو التّصادم الغير محسوب مع قوى الدّولة العميقة والخروج المبكِّر من الحكم قبل أن يشتدَّ عودهم ويستعصوا على الاستئصال، ولذلك يتطلّب التّعامل مع تلك المعطيات الحذر والحكمة وأيضاً بعض ( الحزم والحسم واستخدام قبضة القانون، وعلى الرّئيس أن يُرِيَ هؤلاء قُوَّتَهُ.... فَمَن أَمِنَ العُقُوبَةَ أساءَ الأَدَب) كما قال منسِّق حملة مصر فوق الجميع.