تطوراتٌ في الأداء نوعيٌّ للجيش الحر ستُحدِّدُ ملامِحَ المرحلة القادمة

تطوراتٌ في الأداء نوعيٌّ للجيش الحر

ستُحدِّدُ ملامِحَ المرحلة القادمة

محمد عبد الرازق

ما عاد الحديث عن إمكانيات الجيش الحر مغلَّفًا بسياج من السرية و الكتمان بعد التصريحات التي أدلى بها قائده ( العقيد رياض الأسعد ) إلى صحيفة ( الشرق الأوسط )، أكَّد فيها على أنَّ ( الاستعدادات لبدء معركة دمشق جارية على قدم وساق، ولاسيما معركة العاصمة؛ التي يجب أن تكون الأخيرة والحاسمة، تتطلب استعدادات وحسابات خاصة، وهذا مما أدى إلى تأخيرها، فهي بمجرد أن تبدأ، ستحسم في فترة قصيرة لا تتجاوز الأسابيع المعدودة ). مضيفًا: ( أمّا اليوم، فيمكن القول: إن الوضع قد اختلف، وبات بإمكاننا اتخاذ القرار في الوقت المناسب، بعدما بات (الجيش الحر) يتبع سياسة الاستيلاء على مستودعات الأسلحة التابعة للنظام، إضافة إلى تلك الموجودة على الحواجز ).

و عن الخطط التي ينوي الجيش الحر تنفيذها لحسم المعركة لصالحه فيها، أجاب الأسعد: ( ليس القصر الجمهوري الذي يحسم المعركة، بل المهم هو الاستيلاء على القطع العسكرية المحيطة به، ولاسيما الفرقة الرابعة، وقوات القصر الجمهوري).

 مؤكداً على أن ( بدء المعركة في دمشق سينعكس إيجابًا على وتيرة الانشقاقات، ولا سيما في صفوف القيادات عندما يتأكد الجميع أن النظام بات في نهايته ).

و عن هواجس النظام إزاء هذه المرحلة أكد الأسعد ( أنّ نظام الأسد كان قد أصدر تعميمًا، اعتبر فيه كل الضباط السنّة خلايا نائمة، وأمر بتصفيتهم، وذلك بعد اعتقاله أكثر من ثلاثة آلاف ضابط منهم).

تأتي هذه التصريحات متزامنة مع تحسن في الأداء النوعي لكتائب الجيش الحر في مناطق عدة من المحافظات التي تشهد مواجهات باتت توصف بأنها محدِّدات المرحلة القادمة، أكثر منها مشاغلة يومية لإثبات الوجود. ففي دير الزور تمكنت من فرض سيطرتها على أكثر من ( 95 ) بالمائة من عموم المحافظة بحسب تصريحات المتحدث باسم القيادة العسكرية المشتركة لمجالس المحافظات في الجيش الحر. يأتي ذلك متزامنًا مع تطورين شهدهما سير العمليات في المحافظة، تمثل الأول في إسقاط كتائب الجيش الحر طائرة استطلاع. و الثاني: في قيام هذه الكتائب بقصف مواقع قوات النظام بإحدى الدبابات التي غنموها منهم.

و الحال في المحافظات الأخرى لم تكن أقل تصعيدًا؛ فقد شهدت محافظة حلب استخدام قذائف صاروخية، و هاونات محلية الصنع، و هو الأمر الذي توقف عنده المحللون طويلاً، و عدّوه تطورًا نوعيًّا في القتال من جانب الجيش الحر؛ الذي ما عاد يصغي للوعود في تسليحه، فقرر الاعتماد على قدراته الذاتية في توفير الحدّ الأدنى من احتياجاته ( تصنيعًا، و غنائم ).

و في محافظة حمص تظهر الصور التي عرضت عددًا من المدرعات التي تحصَّل عليها الجيش الحر، هذا فضلاً على أنواع أخرى من الأسلحة الصاروخية التي أصبحت من مفردات المعارك التي تدور هناك على مدى أشهر عدة. و قد ظهرت نتائج الايجابية لهذا المتغير النوعي في التسليح في المحافظة من خلال الصمود الأسطوري لكتائبه في وجه ترسانة أسلحة النظام الهائلة.

 و الحال قريبة من هذا الوصف في محافظات ( درعا، و إدلب، و حماة، و الساحل )؛ و لا أدلَّ على هذا التطورات النوعية في أداء الجيش الحر فيها من قيام كتائب النظام بالتقهقر بعيدًا عن أماكن المواجهة؛ و تمركز حواجزه خارج القرى، و البلدات بعد سلسلة من الهجمات التي استهدفتها، و بشتى أنواع الأسلحة ( السيارات المفخخة، و قذائف الآر بي جي، و مدافع الهاون، و القذائف محلية الصنع ).

الأمر الذي جعل النظام يركز في قصفه على المدن، و القرى الخارجة عن سيطرته من بعيد، و من داخل ثكنات كتائبه، و تحديدًا بالمدفعية بعيدة المدى، وذلك بعد استهداف مروحياته، و إسقاط ستة منها ( بحسب المقاطع المصورة )؛ و بالتالي لم يعد هناك سلاح مُجدٍ له يمكن الاعتماد عليه سوى ذلك، إلى جانب الطيران الحربي ثابت الأجنحة، و البايولوجي ( استخدم على نطاق محدود )، و الصواريخ ذات الرؤوس المحشوة باليورانيوم المنضب الجنوب أفريقية، ذات القدرة التدميرية الواضحة ( استخدمها في أماكن عدة، و عثر على واحد منها لم ينفجر في ريف حمص ).

و بالطبع فإنَّ جلَّ هذه الأسلحة التي في حوزة الجيش الحر باتت معروفة المصدر، إنها ممَّا يغنمه من مخازن جيش النظام بالشراء حينًا، و بالقوة أحيانًا كثيرة، و لا صحة لما يردده النظام، و روسيا، و الآخرون عن قدومها من خارج الحدود، و هو الأمر الذي نفاه العقيد رياض الأسعد في مقابلته، إذ لا صحة للمعلومات التي أشارت إلى تسلّم ( الجيش الحر ) صواريخ مضادة للمدرعات وصواريخ أرض/جو لإسقاط المروحيات.

و عليه فإن المتغيرات على الأرض أصبح ضابط حركتها هو هذه التطورات في الأداء النوعي للجيش الحر، و قد باتت نتائجها لغير صالح ( الأسد )؛ ممَّا شجع أطراف عدّة في المعارضة على التفاؤل في حسم المعركة في غضون أشهر، لا تتعدى في أحسن الأحوال نهاية هذا العام. لا بل إن المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين يستعجل هذا الموعد كثيرًا بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء الأناضول، و هو يعد السوريين في أن يشهد شهر رمضان القادم الفصل الأخير من حياة النظام، مشيرًا إلى دلائل على ذلك بالقول: إن الثوار يسيطرون على 75% من الأراضي السورية، و الانشقاقات تزداد في الجيش السوري، الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار جيش بشار الأسد ).

و ضمن هذا يمكن تفسيرُ تحذيراتِ وزيرة الخارجية الأميركية من هجومٍ كارثيٍ على نظام الأسد سيؤثر على البلاد، والمنطقة بأكملها في حال لم يوقف النظام عملياتهِ العسكرية. 

إن هذه التحذيرات تعكس واقعًا متغيرًا على صُعُدٍ عدة، منها ما هو سياسي، و منها ما هو على الأرض. و يؤكد هذا الأخير عدة مؤشرات. منها أن المعارضة أصبحت أكثر فعالية في عملياتها الدفاعية والهجومية، ثم إن قوات النظام المنتشرة في كل المناطق السورية أصبحت منهكة ومشتتة، وحتى تلك التي تحيط بالقصر الجمهوري تم استخدامها في العمليات التي تنفذ خارج العاصمة.

هذه المعادلة الميدانية، ترافقت مع تزايد الانشقاقات بين الضباط، كان آخرها وأكثرها دلالة انشقاق العميد مناف طلاس، صديق الأسد منذ الطفولة. هذا فضلاً على انشقاق قطع عسكرية بكامل رتبها، و جنودها، و ضباطها، و عتادها.

ففي يوم واحد، في الخامس من يونيو، قال مسؤولون أتراك: إن خمسة وثمانين ضابطًا سوريًا منشقًا عبروا الحدود إلى تركية مع عائلاتهم. و تشير التقديرات إلى أن أعداد هؤلاء الضباط المنشقين قد تجاوز (الألف ) ممن هم في تركيا، فضلاً على ضعفي ذلك ممن هم في الداخل، ممن يقودون العمل المسلح على الميدان.

ومع تمدد الاشتباكات، وارتفاع وتيرة الانشقاقات، وتأزم الوضع الاقتصادي، يجمع دبلوماسيون على أن الأسد يبدو ضعيفًا وأكثر انعزالاً.

و اللافت للنظر أن المعارك العسكرية بين طرفي النزاع قد شهدت تطورًا ملحوظًا في الأسبوعين الأخيرين، و وقعت اشتباكات عنيفة بين ( الجيش الحر), وقوات النظام في العاصمة وضواحيها. إذ دارت، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، اشتباكات عنيفة في أحياء القابون، وقدسيا، والهامّة، ودمّر في ريف دمشق. حول مراكز الحرس الجمهوري، ومنازل ضباط الحرس وعوائلهم. على بعد نحو ثمانية كيلومترات من ساحة الأمويين وسط العاصمة السورية، لافتًا إلى انتشار ملحوظ للأمن في دمشق، ولاسيما في الشوارع، والأحياء؛ التي توجد فيها مراكز أمنية، ومبان حكومية، والمنطقة المحيطة بالقصر الجمهوري.

هذا، و أشارت معلومات صحفية إلى أن اجتماعات عقدت في تركية جمعت قيادة الجيش الحر بأجهزة استخباراتية وعسكرية من دول عربية وغربية؛ لبحث التفاصيل اللوجستية اللازمة لنقل المعركة بالكامل إلى قلب دمشق؛ الأمر الذي سيؤدي إلى خروج الأسد من دمشق باتجاه مدينة اللاذقية الساحلية على الأرجح، وهذا أمر حيوي على المستوى الرمزي والمعنوي، لأنه سيرسل رسالة إلى الداخل السوري والعالم بأنّ الأسد لم يعد رئيسًا لسورية؛ مما يعزز فرص إلقاء القبض عليه، أو قتله، أو هروبه إلى خارج البلاد.

و لذلك يرجح المراقبون أن يحمل الهجومُ الكارثي على الأسد الذي أشارت إليه وزيرة الخارجية الأمريكية إمضاء الجيش الحر؛ الأمر الذي يعني أن خطوات الحسم تسير وفق ما يريده قادة الحراك الميداني بشكل واضح، و أن حظوظ المشروعين الآخرين: ( مشروع النظام و حلفاؤه، و مشروع أمريكا و حلفاؤها)، في النجاح باتت موضع شك كبير.