يا من ضيع في الأوهام عمره

د. ضرغام الدباغ

[email protected]

فيما يلي نصاً خبر لوكالة الأنباء الألمانية 4/ تموز ـ يوليه:

" وكان الأسد قال في مقابلة مع صحيفة جمهوريت التركية نشرت أمس الثلاثاء إنه " إذا كان ذهاب الرئيس يحقق مصلحة البلد فمن الطبيعي أن يذهب الرئيس.. هذا بديهي.. لا يجوز أن تبقى يوما واحدا إذا كان الشعب لا يريدك.. والانتخابات هي التي تظهر إن كان يريدك أم لا ". وفسرت صحيفة روسية تصريح الأسد بأنه قد ألمح " بوضوح إلى أنه مستعد للتنحي إذا كان ذلك يؤدي إلى تسوية النزاع ". وأضافت الصحيفة الروسية "بالتالي فان انتقال بشار الأسد إلى دولة أخرى، بما يشمل روسيا، لا يبدو أمرا غير مرجح تماماً ".

ماذا يمكن أن نقول لرجل كهذا غير أن نستعير كلمات الشاعر علي محمود طه في الاغنية الخالدة " يا من ضيع في الأوهام عمره " لرجل يوهم نفسه ويعتقد أن بوسعه إيهام الناس، أنه مقبول شرعياً ...! ولماذا الحاجة إذن لهذه الألوية والفرق المدرعة ..؟ ولماذا اللاجئون بعشرات الألوف .

هو يقول بلهجة نصف جادة ونصف ساخرة أنه مقبول من الشعب وإلا كيف بقى على رأس السلطة، وكأن الصحفي الألماني أمامه قادم كم كوكب الزهرة،  ويمنعه تهذيبه أن يسئله له : يا سيادة الرئيس لولا دباباتك وشبيحتك ترى كم ساعة بوسعك المكوث في السلطة ..؟

هو يتوهم أن كل شيئ جائز في البلد، وأي بلد هذا يورث فيها رئيس غير منتخب، أستولى على الحكم بانقلاب، زج بطل رفاق حزبه في السجن لربع قرن بدون تحقيق ولا محاكمة، يورث أبنه بعد عشرون عاماً من الحكم، ثم يتوهم أنه سيحكم للأبد و ليحكم هذا  اثنا عشر عاماً عجاف قابلة للتمديد بدون سقف، بلا حق، يتصرف وكأنه ورث ضيعة ببشرها وماشيتها كالإقطاع الروسي الكولاك، وفوق هذا يقتل من يفتح فمه، يطلق عليهم رصاص وقنابل الدبابات ومدفعية الميدان، يسقط طائرة دولة مجاورة، ويقول أنه ظن أنها طائرة إسرائيلية وكأنه معتاد على إسقاط الطائرات الإسرائيلية ..! هكذا أثار ضحك وزير خارجية أحدى الدول.

بعد مرور سنة كاملة في الأوهام، يغير فكرته عما يجري، فبعد أن كانت أزمة وصارت ورائنا، صارت مؤامرة، ثم صارت قاعدة، ثم تغيرت شوية سلفيين، هو يطارد الوهم والوهم يطارده دون هوادة. أعلن أن لا علاقة له بما يجري، ثم صارت المشكلة أمامنا، وبعد سنة ونصف، أعترف بأنها ليست ورائنا، ولا أمامنا، بل هي حرب .. هكذا عندما أستيقظ  من وهمه، نعم هكذا من أزمة صارت ورائنا إلى حرب ضروس أمامنا دفعة واحدة، ليقول لمجلس وزراء أنهم وزارة حرب، وأنه سيقودها، وأن كل شيئ حلال في الحروب.

 ترى هل يعلم أن الحرب مصطلح كبير، الحرب يعني أن هناك تناقضاً تناحرياً لا سبيل لإصلاحه، ثم هل يعلم أن الحرب تدور بين أطراف متقابلة، وليس بين نظام ضد شعب، ولم يقل هل  الحرب معلنة أم سرية ؟ ومن هو الطرف الآخر ..؟ والنظام موافق رسمياً على قبول المبادرة الدولية / العربية التي تتضمن حكومة انتقالية. وماذا عن هدنة ووقف إطلاق نار وفض اشتباك ومفاوضات وهي مما يرافق الحروب ..؟ وهل يتحمل تبعة إطلاق هذه الحرب ..؟ وأخيراً هل يعلم أن هناك قاعدة قانونية أكيدة تقول: لا يجوز الدفع بجهل القانون، وهنا لا ينفع القول والدفع بأنه لا يعرف هذه القواعد القانونية، أو أنه ما زال يتوهم. 

هي إذن حرب على الشعب وكأن سوريا اشترت هذا السلاح من قوت يومها لتنتحر، هذا العتاد لقتل الشعب، وكأنه ليس مسؤول عمن يقتل، وهم مواطنون في تنجانيقا، ومسؤول فقط عن المواطنين الذين يسجدون لصورته، النظام الآن يعمل على المكشوف، وقوى الشعب كذلك، لم يعد هناك ستر عليه غطاء، والأغطية أساساً مهلهلة، بل كل شيئ صار مفهوماً، والأوهام انتهت، إلا لمن يحب مواصلة السباحة في بركة الأوهام.

 في مؤتمر صحفي قال وزير الخارجية الالماني: سأسافر بنفسي الخميس إلى موسكو لأننا لا نريد جميعا أن ندخر جهدا لإقناع روسيا بالوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ، أفعال الرئيس (السوري) الأسد ونظامه لا تغتفر. نعرف أن هذا الحكم أنتهى .. يجب أن ينتهي ". يأتي ذلك بعد أن أعلنت روسيا عدم مشاركتها في اجتماع أصدقاء روسيا المقرر عقده الجمعة في باريس.

اليوم، تحديداً الخامس من يوليو/ أشار وزير الخارجية الروسي لافروف، في ختام مباحثاته مع نظيره الألماني، إلى أن دولا طلبت من موسكو منح حق اللجوء السياسي للرئيس السوري، وقال  لقد اعتقدنا أنها دعابة، ورددنا عليها بدعابة: فقلنا ما رأيكم، أنتم الألمان، أن تأخذوا الأسد بدلا منا ". نشرت صحيفة كومرسانت الروسية أن الغربيين يحاولون إقناع موسكو بمنح اللجوء السياسي للرئيس السوري بعد أربعة أيام على الاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه في جنيف حول مبادئ الانتقال السياسي في سوريا.

حال الوضع في سوريا يشبه الأيام الأخيرة من حكم فرانكو، الكل يرتقب رحيله، لكي تحل جميع المشاكل، وتعود أسبانيا للأسبان، ليعيشوا كشعب له الحق أن لا يحلم سراً، أعين الناس تترقب رحيله، الصحفيون يعبئون أقلامهم حبراً، الشعراء يجرون البروفات على ألقاء قصائد الحرية، الشمس ستشرق بلا طغاة ولا قتلة مأجورين، وهي قريباً ما ستشهده بلاد الشام مجد عريض سيناله الشعب بالتأكيد وهم مستحقوه، فقد دفعوا ثمناً باهظاً للحرية، لذلك سيحافظون عليها بحرص.

ستنتهي قصة الخروف العنيد الذي لا يعبر النهر ونتمنى أن تنتهي على أقل قدر من الدماء والضحايا، هذه القصة معروفة سنسردها على مسامعكم في مرة قادمة.