خيارات الطائفة العلوية في التعامل مع الأزمة

محمد عبد الرازق

 لقد نجح النظام في جعل الطائفة العلوية تبدو مصطفة خلفه في الأزمة التي تمر بها سورية اليوم؛ و ذلك على الرغم من النزعة القومية المجافية للدين، التي قامت فلسفة عليها حزب البعث. و حتى لا يكون النظام هو المبادر في اللجوء إلى هذا النوع من الاصطفاف المذهبي، بادر المتحدثون باسمه على في رمي الكرة في ملعب الطرف الآخر منذ الأيام الأولى؛ فاتهموهم باستغلال المشاعر الطائفية حينما كانت الثورة في مهدها الأول في درعا.

 و كأن النظام قد أحسَّ بالخسارة التي تنتظره في مواجهة الانتفاضة الشعبية الشاملة، و أدرك أنه لا قِبَلَ له بها؛ مالم يَعُد إلى جعبته القديمة، و يخرج منها أمضى سلاح خَبِرهُ في أحداث ( الثمانينات )، حين نجح في فض كثير من فئات، و أطياف السوريين عن المواجهة، و انفرد بجماعة ( الإخوان المسلمين ) في نزال غير متكافئ.

 لقد كانت قوى الحراك الشعبي في مواجهة اليوم على قد كبير من الذكاء في تفويت الفرصة عليه؛ فكانت شعاراتهم في غاية الوضوح: ( لا سنيّة، و لا علوية، بدنا دولة مدنية )، ( لا إيران، و لا حزب الله بدنا رئيس يخاف الله )، ( الشعب السوري إيد واحدة ).

 و لم يَحُل ذلك في ثني النظام عن مسعاه في ( مذهبة ) المواجهة، غير آبه بالتداعيات المرتقبة لهذا على النسيج الاجتماعي لسورية. و قد تجلى ذلك في جلّ المحطات التي مرَّت بها الأزمة؛ فقوات النخبة من الجيش التي استعان بها، و الأجهزة الأمنية التي اتكل عليها دون سواها، و المليشيات المعروفة بتاريخها السيء، كلها تنتمي إلى لون واحد من الشعب السوري.

 و لم يتوقف في هذا الأمر عند الحدود الداخلية لسورية؛ بل تعداها إلى خارجها من دول الجوار، وصولاً إلى دول الإقليم، و قد أظهرت مقاطع الفيديوهات عيِّنات من هؤلاء المرتزقة، فضلاً على ما جاء في الرسائل التي شرع موقع ( ويكيليكس ) بنشرها، و هي تبيِّن حجم التدخل في الشأن السوري من الأحزاب، و الميليشيات الموالية للأسد في لبنان، و العراق، فضلاً على إيران.

 ذكر موقع بيزنس إنسايدر في إحدى الرسائل الداخلية الخاصة، المنقولة عن مركز ( ستراتفور ) للاستخبارات، و التحليلات الاستراتيجية [ يزود هذا المركز بخدماته الإستخباراتية شركات كبيرة، و وكالات حكومية بما فيها وزارة الامن الداخلي الأميركية، و قوات المارينز، و وكالة الإستخبارات الدفاعية الأميركية ]؛ التي سربها موقع ويكيليكس، ذكر الآتي:

 ( إنّ آلاف الأفراد من حرس الثورة الإيراني، وعناصر حزب الله اللبناني كانوا يقاتلون في سورية خلال يوليو الماضي) .

 و كشفت هذه الرسائل المسربة أن المسلحين الإيرانيين، و مسلحي (حزب الله) كانوا ينفذون الحكم بالإعدام على الجنود السوريين؛ الذين لا يمتثلون لأوامر إطلاق النار على المحتجين.

 ونقل ستراتفور عن مصدر داخلي في (حزب الله) وصفه بأنه (ناشط طلابي من الحزب): ( إنّ في سورية ثلاثة آلاف عنصر حرس ثوري، وألفا مقاتل من حزب الله بالإضافة إلى ثلاثمائة مقاتل من حركة أمل، ومائتين من الحزب السوري القومي الاجتماعي اللبنانيين ).

 و أضاف: ( يقود رجال الحرس الثوري العصابات الموالية للنظام؛ حيث قام هؤلاء بقتل الجنود السوريين الذين يرفضون قتل المتظاهرين. ويقف المقاتلون الإيرانيون، واللبنانيون مباشرة خلف الجنود السوريين؛ حيث يقتلون من يرفض إطلاق النار على المتظاهرين بشكل عاجل. وكان الجنود السوريون الـسبعة عشر؛ الذين رموا في نهر العاصي بحماه قد قتلوا على يد مقاتلي حزب الله ).

و قال أيضًا: ( إنّ اثنين و أربعين فردًا من الحرس الثوري، وسبعة و عشرين من حزب الله قتلوا في سورية في يوليو الماضي. و إنّ طائرات شحن سورية نقلت القتلى الإيرانيين إلى طهران، بينما تولت عدة سيارات نوع (فان) نقل قتلى حزب الله إلى لبنان ).

 تأتي هذه التسريبات متطابقةً مع شهادات الضباط المنشقين عن وجود لواء مدرعات إيراني يقاتل مع قوات الأسد، و مع عشرات مقاطع الفيديو التي تضمنت اعترافات مقاتلين من هؤلاء المرتزقة، وقعوا في قبضة الجيش الحر، في مناطق عدة من سورية، و مقاطع أخرى يظهر فيها جنود تدل هيئتهم، و رطانة ألسنتهم على جنسياتهم، و هم يتجولون مع أفراد من جيش النظام في شوارع دمشق، و هم يتصدون لناشطي الحراك الشعبي.

 إنَّ ما كان من سعي النظام لتوريط الطائفة، و الزج بها في مواجهة عموم أبناء الشعب، في معركة الحرية، و استعادة الحقوق لا يعني أن الطائفة قد باتت خارج المعادلة، و أنها قد أصبحت في الخانة التي أرادها لها النظام؛ فهي على كثرة من تورط من أبنائها في ذلك؛ ما تزال جزءًا من هذا النسيج المتنوع الذي تتباهى سورية بألوانه ( الفسيفسائية ) [ عرقيًا، و دينيًا، و طائفيًّا ]، و ما زال بإمكانها أن تشارك في رسم ملامح مستقبله، و بالطبع فإنّ الأمر متوقف على حسب أشكال الحلول المرتقبة لما يحصل.

 هل سيبادر أبناء منها من الحلقة الضيقة إلى الانشقاق عن ( الأسد ) على غرار ما فعل ( مناف طلاس، و حازم حكمت الشهابي، من أبناء الطائفة السنية )؛ ممَّا سيؤدي إلى كسر هذه الحلقة التي يتغنى النظام بتماسكها على مدى سنة و نصف من عمر الأزمة.

 هل سيبادر قسم من ضباطها إلى القيام بانقلاب عسكري ضده؛ يحفظ للطائفة بعضًا من المكاسب التي تحققت لها على مدى سنوات من حكم الأسد ( أبًا، و ابنًا).

 هل ستبادر الطائفة إلى الانتفاض في وجهه، و تشارك في هذه الهبة الشعبية غير المسبوقة، ضد نظام القهر و التسلط، و قد كانت بوادر من ذلك في بعض قرى العلويين، و لكنها وئدت بسرعة خشية أن تتطور، و تخرج عن السيطرة.

 هل ستنتظر الطائفة قدرها، و تغرق مع النظام. في وقت باتت فيه موازين القوى تميل لغير ( الأسد ). و المؤشرات على ذلك أصبحت واضحة، و لا أدلَّ عليها من هذا الحراك الدولي الذي يسعى لتجنيب (الأسد ) نهاية هي أقرب إلى ( القذافي)، منها إلى ( علي صالح، أو مبارك ).

 و بالطبع فإن الأمور في هذه الحالة غير مأمونة العواقب على كثير من تفاصيل المشهد السوري؛ و لا سيما على من كانوا يراهنون على بقائه، و التلطي خلفه، و الضرب بسيف جبروته.

 إنّ عامل الوقت ليس في صالح الطائفة كي تنتظر طويلاً؛ لتقرر ما ينبغي فعله تجاه مستقبلها، و مستقبل سورية ( الوطن، و الإنسان ). فنُذُر الحرب الطائفية لم تعد خافية على أحد، و تهتك النسيج الاجتماعي للمجتمع السوري أصبح واقعًا ملموسًا، و النظام آخذ في الغرق. و هو من أجل بقائه لن يتورع عن الزج بكل الأوراق التي في يده؛ لضرب ثورة هذا الشعب. فالجيش بات في مواجهة أهله، غير مدخر أي سلاح في ترسانته؛ حتى الاستراتيجية منها.

 ما زلنا نأمل في أن تستدرك الطائفة العلوية ما فات، و أن تعي مصالحها، و أن تفكر في مستقبلها بعيدًا عن (الأسد )؛ فالأحداث قد تجاوزته، و الثورة في طريقها إلى النصر، و ليس اليومُ كالغَد.