سفاهة خلفان!

سفاهة خلفان!

صلاح حميدة

[email protected]

منذ بداية " الرّبيع العربي" وبروز جماعة الإخوان المسلمين في صدارة المشهد السّياسي العربي، برز رئيس شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان كأكثر المنزعجين من هذا الرّبيع ومن بروز الإخوان ومن دورهم السّياسي المتصاعد بفعل تلك الثّورات، حيث أطلق خلفان الكثير من التّصريحات الّتي لا تتوافق مع وضعه الوظيفي، تصريحات لا علاقة لها بالدّبلوماسيّة الّتي تنتهجها الدّول العربيّة فيما بينها، وهو ما أثار الكثير من الإستغراب للحنق الشّديد من قِبَل هذا الشّخص تجاه مؤسّسة ضخمة كجماعة الإخوان المسلمين، وأثار تكهّنات كثيرة عن الأسباب الكامنة وراء تلك التّصريحات، فمن المفهوم أن يقوم من لهم صراع سياسي أو تاريخي مع الإخوان بنقدهم أو شتمهم أو الإستياء من تحقيقهم أيَّة إنجازات سياسيّة، أمّا أن يكون من ليس بينهم وبين الإخوان عداء ظاهر بإظهار كل هذا العداء لهم، فهذا بحاجة لدراسة متأنّية.

وما زاد الإستغراب هو لجوء دولة الإمارات لتجريد عدد من مواطنيها المنتمين للإخوان المسلمين من جنسيّتهم، واستقبالها لشخصيّات من نظام مبارك كعمر سليمان وأحمد شفيق وعائلاتهم، بل ذكرت تقارير صحفيّة مصريّة أنّ تمويل حملة أحمد شفيق كان إماراتيّاً، و ذكرت تقارير أخرى أنّ الصّراع – السّياسي والأمني والعسكري- مع الإخوان يدار بأموال ودعم من نفس الدّولة في مناطق أخرى في العالم العربي، و ذهب خلفان بعيداً من خلال اعتباره الإخوان أكثر خطراً على الإمارات ودول الخليج من إيران وإسرائيل، داعياً لدعم بشّار الأسد ضدّ الثّورة الّتي يشكّل الإخوان أحد أعمدتها الرّئيسيّة، مع أنّ الإخوان ليسوا من ينتهك أمن الإمارات، وليسوا من يحتل جزرها، وليسوا من يهدّدون ليل نهار بتحويلها إلى رماد، وليس الإخوان من يشكّلون خطراً ديموغرافيّاً وثقافيّاً على الإمارات بحيث يشكّل تجريد بعضهم من جنسيّته حلّاً للأزمات والأخطار الوجوديّة لتلك الدّولة.

بعض دول الخليج مستاءة وقلقة من ثورات الرّبيع العربي، وهي تتشاطر هذا الإستياء مع أنظمة عربيّة وغير عربيّة أخرى، ولكن الأكثر بروزاً في هذا الصّدد هي دولة الإمارات، حيث تشكّل تصريحات خلفان قمّة الجبل الجليدي لهذا الإستياء ولهذا القلق، ولهذا اختار بعض تلك الدّول تحويل الصّراع إلى صراع طائفي لتحصين الذّات تجاه أيّ حراك شعبي مطالب بالاصلاح، وهنا تشمل الصّورة الدّاخل والإقليم، حيث شكّل هذا مخرجاً مريحاً من مواجهة الدّولة للتّغيير والمطالب الشّعبيّة، لأنّ التّغيير يحتاج لتجانس ومطالب جامعة لكل المواطنين بطوائفهم وأعراقهم وطبقاتهم، وهذا متعَذر في ظل التّأجيج الطّائفي.

 بعضها الآخر رأى أن يحاول إدارة صراع مع الحراك الشّعبي منخفض المستوى، بما فيه التّيّار الإخواني، بحيث لا يعطيهم ما يريدون ولا يقمعهم ويقطع الحبال معهم، إلا أنّ ما يجري في الإمارات هو عمل حقيقي وإعلان حرب واضح، وهو يعكس هشاشة ورعب من أن يصل قطار التّغيير لتلك الدّولة، مع أنّ ( الخطر الإخواني) أو ( الخطر الثّوري) بعيد نظريّاً وعمليّاً عن تلك الدّولة، فالأخطار الّتي تهدّد وجود الدّولة ليس بينها أيّ "خطر" إخواني أو ثوري، وقد يكون اختيار شنّ الحرب على الإخوان هو اختيار من لا يستطيع مجابهة الأخطار الحقيقيّة الّتي تواجهه على أرض الواقع، فيسعى لاختلاق معارك أخرى يعتبر أنّ له فيها هامش مناورة أكبر، ورواج إعلامي أكثر، وتنفيس لاحتقانات داخليّة بفعاليّة، وضمان ردود أفعال لا يمكن أن تدفع ثمنها الدّولة غالياً، فمهاجمة الإخوان لن تقابل بردود كمهاجمتة "إسرائيل" أو إيران أو الاجتياح الدّيموغرافي الهندي للإمارات، ودبي على وجه التّحديد، فعلى الأغلب لن يلجأ حكّام مصر الجدد، ولا الإخوان في تونس وليبيا وسوريا والمغرب وفلسطين وغيرها للرّد على تصريحات وتصرّفات تلهيهم وتستنزفهم في مواجهات بينيّة لا قيمة إستراتيجيّة لها، فما يهمّهم في هذه المرحلة أكبر بكثير من الإنزلاق لتراشق إعلامي وسياسي مع باحثين عن النّجوميّة أو مفتعلين لأزمات سياسيّة ثانويّة.

إن كان هناك من ناصح لحكّام الإمارت فعليه أن يلفت نظرهم إلى خطر حرق السّفن الّتي يقومون بها، أو يسمحون لضاحي خلفان بالقيام بها، فالعمق الإستراتيجي للإمارات ولدول الخليج يكمن في مصر قويّة، مصر الّتي أعلن رئيسها الجديد أنّ مَن يعتدي على العرب يعتدي على مصر، فسفاهة ضاحي خلفان ليست على أجندة الرّد عند حكّام مصر الجدد، ولا بدّ لحكام الإمارات أن يضعوا حدّاً لحالة فقدان البوصلة الّتي تعيشها سياسة دولتهم من خلال تصريحات خلفان والتّضييق على مواطينهم، فهم يحرقون سفنهم مع الإخوان ومع غير الإخوان، فمن الواضح أنّ الإمارات ودول الخليج بحاجة لمصر أكثر من حاجة مصر لها، وإن كان خلفان يتوقّع أن يأتي " مرسي حبواً لتسوّل الأموال من دول الخليج" كما يقول، فقد أخطأ التّقدير كثيراً، فمصر مرسي ليست مصر مبارك، والكرامة الوطنيّة للمصريين تقع على رأس أولويّات المصريين الآن - حكّاماً ومحكومين- وفي ظل الأخطار الّتي تواجهها دول الخليج الآن فإنّ العمق الإستراتيجي والملجأ الوحيد لها في القاهرة قويّة متماسكة ناهضة، وأيّ إضعاف لمصر أو إرباك في المشهد السّياسي والاقتصادي والاجتماعي لها سيؤثّر سلباً على دول الخليج العربي، ولعلّ رئيس مصر الجديد بادل سفاهة خلفان بأحسن منها بأن اعتبر أنّ من يعتدي على الدّول العربيّة كمن يعتدي على مصر، وزاد على ذلك الإخواني والبرلماني د. صبحي صالح لقناة المنار، بأنّ على إيران أن تقدّم مبادرات حسن نيّة تجاه دول الخليج العربي وخاصّةً فيما يخصّ " جزر الإمارات المحتلّة" حتّى تلاقي من مصر مرسي تجاوباً وتحسيناً للعلاقات بين الطّرفين.