تموز: شهرُ القَيْظ، والحَيْف

أو: قانون العار " 49 " بثوب جديد

محمد عبد الرازق

 يبدو أن شهر ( تموز ) الصائف، و لاسيَّما يوم ( الاثنين من أسبوعه الأول)؛ قد غدا كابوسًا على السوريين، سواء بحرارته اللاهبة، أو بما صدر فيه من قوانين، و مراسيم استثنائية أصدرها نظام الأسد ( أبًا: في الثمانينات )، و ( ابنًا: في العقد الثاني من الألفية الثالثة ).

 ففي يوم الاثنين الموافق ( 2: تموز لعام 2012م ) أصدر ( الأسد: الابن ) ثلاثة قوانين حول مكافحة "أعمال العنف" و"الارهاب" لمواجهة الثورة المتصاعدة ضده.

 وهو ما اعتبره مراقبون تذكيرًا بعهد الأسد ( الأب )، الذي كان قد أصدر قانون العار الشهير، أو ما بات يُعرف بقانون (49)، بتاريخ ( 7: تموز لعام1980م )، و الموافق ليوم ( الاثنين ) أيضًا.

 قضى قانون ( الأب ) بالإعدام على المتهمين بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، و بأثر رجعي، وقد صدرت بموجبه آلاف الأحكام الميدانية.

 و أمَّا قانون ( الابن ) فينص على مكافحة ( المؤامرة التي تهدف إلى ارتكاب أي جناية من الجنايات المنصوص عليها في القانون، والمتمثلة بالانتماء إلى مجموعة إرهابية، أو ارتكاب عمل إرهابي، أو تمويل الإرهاب بالأشغال الشاقة التي تراوحت بين خمس سنوات وعشرين سنة. و سيتم تشديد العقوبة إذا كان القصد من إنشاء المنظمة الإرهابية تغيير نظام الحكم في الدولة، أو كيان الدولة. و تفرض عقوبة الإعدام إذا رافق هذه الأفعال ( الإرهابية ) قتل شخص أو إحداث عجز به ).

 و يُعرِّف العملَ الإرهابي بأنه: ( كل فعل يهدف إلى إيجاد حالة من الذعر بين الناس، أو الإخلال بالأمن العام، أو الإضرار بالبنى التحتية أو الأساسية للدولة، ويرتكب باستخدام الأسلحة، أو الذخائر، أو المتفجرات...، مهما كان نوع هذه الوسائل، أو باستخدام أيَّة أداة تؤدي الغرض ذاته ).

 و يعدُّ تمويل الإرهاب جزءًا من الإرهاب، و يعرِّفه بأنَّه: ( كلُّ جمع، أو إمداد بشكل مباشر أو غير مباشر بالأموال، أو الأسلحة، أو الذخائر، أو المتفجرات، أو وسائل الاتصال، أو المعلومات، أو الأشياء الأخرى؛ بقصد استخدامها في تنفيذ عمل إرهابي يرتكبه شخص، أو منظمة إرهابية ).

 و يعرِّف المنظمة الإرهابية بأنَّها: ( جماعة مؤلفة من ثلاثة أشخاص، أو اكثر بهدف ارتكاب عمل إرهابي، أو أكثر ).

هذا و قد أصدر ( الابن ) في الوقت نفسه قانونًا آخر: ( يقضي بأن يسرح من الخدمة في الدولة من تثبت إدانته بحكم قضائي بالقيام بأي عمل إرهابي؛ سواء كان فاعلاً، أو محرضًا، أو متدخلاً، أو شريكًا، أو قدَّم أي عون مادي، أو معنوي للمجموعات الإرهابية بأي شكل من الأشكال ).

كما أصدر قانونًا ثالثًا يقضي بالمعاقبة ( بالأشغال الشاقة من عشرة إلى عشرين سنة، وبالغرامة، مَنْ خَطَفَ بالعنف، أو بالخداع شخصًا بقصد طلب فدية ) .

هذا، و كان مجلس الشعب الحالي قد أقر هذه القوانين في صورة هزلية، تعيد إلى الأذهان ما كان في أيام ( الأب ) عندما أقرَّ قانون العار، رقم ( 49) في صورة مماثلة، لا تقلّ هزلية عنها اليوم.

 تأتي هذه القوانين كما يرى رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية ( المحامي أنور البني ) أن هذه القوانين ( ليس لتكريس الأمان في البلاد؛ وإنما كسلاح إضافي في يد السلطة، لتدافع فيه عن نفسها، ولتمعن في حلها الأمني، وترسخ فكرة المؤامرة والجماعات الإرهابية؛ التي تروج لها في مواجهة ثورة شعب يطالب بالحرية والتعددية والديمقراطية).

 وهي ( تبين أن استمرار الشعب السوري بتقديم التضحيات خلال ستة عشر شهرًا؛ لم تؤد سوى إلى تمسك السلطة بإغلاق عينها، وصم أذانها عن مطالب الشعب، والهروب إلى الأمام؛ بزيادة العنف واستمرار إغلاق أية منافذ لحلول سياسية، يمكن أن توفر على السلطة والشعب دفع أثمان مرتفعة ).

 لقد أدرك الانسان منذ أقدم العهود مدى العلاقة بين ارتفاع حرارة الطقس والمزاج؛ لذلك اتخذ ما أمكنه من السبل للوقاية من حرارة الطقس؛ سواء باختيار المكان المناسب، أو نوع المأكولات، والمشروبات.

 فهذه السلوكيات ليست إلا آليات لشعور الانسان بالارتياح النفسي للقيام بنشاطاته الاعتيادية. و من باب درء أية معاناة نفسية للإنسان من شدة وطأة الحرارة.

 و تشير الدراسات إلى أن للحرارة المرتفعة تأثيرًا على المزاج، و طريقة التفكير، و القدرة على التعلم والاستيعاب، و اتزان السلوك؛ و بالتالي على القدرة الإنتاجية، و السلوكية.

 ففي دراسات أندرسون منذ عام ( 1987م ولغاية 2002م )، ودراسات العالمين: بوران، و ريتشاردسون، تبيَّن أن للحرارة تأثيرًا على المزاج؛ و من ثمَّ على الأفكار، و السلوك؛ مؤدية إلى اضطراب المزاج، و الشعور بعدم الارتياح، و صعوبة التحمل، أو الصبر، و قلة التركيز و الاستيعاب؛ مما يؤدي إلى زيادة حدة المزاج، والاندفاعية، والعصبية الفائضة، و مِن ثَمَّ العنف لأي مثير، حتى و لو كان يسيرًا .
 و في دراسة أجريت على الجرائم المرتكبة في الولايات المتحدة الأمريكية، لمدة ( 10 ) سنوات، تبيَّن أن معظم الجرائم كانت تقع في المواسم الحارة، وأن الجرائم العنيفة كانت أكثر في المناطق التي تمتاز بدرجات حرارة أعلى مثل( القتل، والاغتصاب، و أمَّا الجرائم الأقل عنفًا، كحوادث السير والاحتيال والسرقة؛ فتكون في المناطق والمواسم الأقل حرارة.

 أي أن هناك علاقة طردية بين العنف من حيث النوعية و الكمية، و بين درجة الحرارة من حيث الشدة، و الفترة الزمنية.

 و قد تبين لأندرسون: ( أن ارتفاع الحرارة يؤدي إلى الشعور بعدم الارتياح النفسي، و التوتر، و عدم القدرة على ضبط النفس والصبر، و تولد الأفكار السلبية العدائية، وازدياد جاهزية الانسان للعنف، وممارسة السلوك العنفي، كردود فعل لأمور سخيفة. و كلما ازداد هذا المزاج التوتري حدة؛ بفعل ارتفاع الحرارة، كلما ازدادت الأفكار والذكريات العدائية. و من ثَمَّ الدخول في الحلقة المفرغة؛ و هكذا يتولد العنف. ومن ثم الجريمة( .

و من الجدير ذكره أن الأشخاص ذوي الاتجاه، أو الجاهزية للعنف هم أكثر قابليةً للسقوط في الجرائم في وقت الطقس الحار.

 و عليه فإنَّ قدر السوريين أن يلقوا من جرائم هذا النظام بشتى أنواعها، و أشكالها الشيء الكثير، و سيضاعف من حدَّتها قيظ الصيف، و حرارته اللاهبة.

 و هم في الوقت نفسه سيردون عليه الصاع صاعين؛ فهم ليسوا أقلَّ تأثرًا منه بحرارة سورية، و بقيظ (تموزها ).