تحية لروسيا والصين!!

تحية لروسيا والصين!!

م. عبد الله زيزان

مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

منذ انطلاقة الثورة السورية وعيون الثوار وكذلك المتابعين للقضية السورية "عرباً وعجماً" متجهة نحو المواقف الروسية والصينية المتشددة في دعمها لنظام الأسد بكل الوسائل المتاحة، ديبلوماسياً وعسكرياً، بصورة أثارت حفيظة الشعوب العربية فضلاً عن الشعب السوري المستباحة دماؤه وأعراضه، فروسيا ومن خلفها الصين استخدمت الفيتو مرتين، منعاً لاستصدار أي قرار يسمح بالتدخل في سورية أو حتى مجرد إدانة لأعمال النظام السوري..

مواقف الروس والصينيين العلنية جعلت منهم مادة دسمة للشتم والاستهداف سواء بوسائل الإعلام أو حتى في مجالس الثوار أو المتعاطفين معهم في كل أنحاء المعمورة، فالمقالات ملأت الصحف والمجلات تنتقد مواقف هذه الدول، وتدعوهم إلى الانحياز إلى الشعب السوري كما "انحاز الفرنسيون والأمريكيون وغيرهم للشعب ضد النظام السوري" كما يرى بعض الكتاب والناشطين.

إلا أنّ الواقع خلاف ذلك، فبدلاً من توجيه السهام لكل من روسيا والصين لا بد من توجيه التحية لهم، لا بسبب مواقفهم العدائية للشعب السوري، بل لوضوح مواقفهم، وجرأة طرحهم (أو وقاحة طرحهم)، لأننا إذا ما قمنا بمقارنة مواقفهم مع مواقف الكثير من "أصدقاء سورية"، قد لا نجد اختلافاً جوهرياً بينهما، فأمريكا خصوصاً والغرب عموماً وبرغم "شجاعتهم" في تصريحاتهم العلنية إلا أنهم لا يختلفون عن الروس والصينيين بتباطئهم وتلكئهم في الملف السوري، لدرجة تسمح للكثيرين باتهامهم بالتواطئ مع النظام السوري، ومردّ ذلك كما يرى محللون وحتى أبسط المواطنين السوريين عجز الغرب عن إيجاد البديل القادر على حماية الحدود الحساسة مع الكيان الصهيوني..

إنّ التحركات الغربية تجاه الثورة السورية باتت أمراً مثيراً للغرابة والاستهجان، ففي الوقت الذي نشهد فيه تصاعداً في حدة التصريحات والبيانات الغربية المنتقدة للنظام السوري، نجد تزايداً في أعمال القتل الممنهجة من قبل الكتائب الأسدية، ليصل معدل الشهداء اليومي لأرقام قياسية مخيفة، مما يفسر أن النظام السوري يعي تماماً عدم جدية الغرب في مواقفه تجاهه، بل يفهمها على أنها إشارة منه للاستعجال بحسم الملف بأي طريقة كانت وبأي ثمن كان، فحتى بعد أن بدأ سريان وقف إطلاق النار في الثاني عشر من نيسان الجاري، نجد أن النظام التزم به لسويعات فقط، لتستأنف بعده العمليات الهجومية، والقصف بأثقل الأسلحة المتوفرة، وبمعدل وصل إلى عشرة قذائف في الدقيقة في بعض الأحياء بحمص، بل وزاد على ذلك باستخدام صواريخ جديدة بطول مترين ونصف ذات قدرة تدميرية عالية استخدمها لأول مرة في حماة في الخامس والعشرين من شهر نيسان الحالي..

الاستهتار الذي يتعامل به النظام السوري مع الغرب يوضح تماماً أن الغرب ليس جاداً في الضغط على النظام السوري، الذي عادة ما كان يستجيب للضغوط إن كانت حقيقية، فلا زال في الذاكرة الانسحاب السوري من لبنان في الـ 2005، حيث وبغضون شهرين فقط من اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، استطاع الغرب الضغط على النظام السوري لسحب الجيش السوري كاملاً، وهو وقت قياسي جداً في الأعراف العسكرية، وفي عام 1998، طردت السلطات السورية عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني بعد أيام قليلة من الضغط التركي والغربي أيضاً على النظام السوري بقيادة الأسد الأب وقتها...

بناء عليه، فإن عجز العالم عن الضغط على النظام السوري لسحب آلياته الثقيلة من المدن السورية رغم كل التصريحات الغربية الساخنة، يدل أنّ الغرب غير جاد في مواقفه، وأنه لم يستخدم اللغة التي يفهمها النظام، بل استخدم لغةً تستهلك محلياً يغطي من خلالها تخاذله أمام جرائم حقوق الإنسان التي يتغنى باحترامها صباح مساء، وعليه فإن وضوح الموقف الروسي الصيني يستحق منا التقدير والإطراء، ونفاق الموقف الغربي يستحق منا النقد والاستهزاء...