غداة الذكرى السادسة والستين ليوم الجلاء

بيان من جبهة العمل الوطني لكرد سورية

غداة الذكرى السادسة والستين ليوم الجلاء

إلى الاستقلال الحقيقي أيها السوريون

أيها الشعب السوري العظيم:

 تمر علينا في هذه الأيام الذكرى السادسة والستون ليوم الجلاء ورحيل الاستعمار الفرنسي وبلدنا يمر بأصعب أيامه وأقساها، وفي أعظم محنة وأدماها، منذ ثلاثة عشر شهراً، على يد ثلة من الأشرار ينتمون إلينا بلسانهم ويعادوننا بقلوبهم وممارساتهم، أين منها أعتى الأنظمة الاستعمارية!!

 نستحضر في السابع عشر من نيسان من كل عام ذكرى عزيزة غالية على القلوب والنفوس، مرتبطة بالجهاد المقدس والتضحيات الجسام والعزة والكرامة. ذكرى رحيل آخر جندي فرنسي عن الأرض السورية، بعد استعمار دام نحو ربع قرن ذاق السوريون خلاله صنوف العذاب والحرمان والاضطهاد والتشرد.

 نستذكر هذا اليوم بكل إجلال وافتخار واعتزاز، فقد قام أبناء بررة لهذا الوطن بكل ما تتطلبه العقيدة السمحاء والوطنية الحقة والغيرة على الدين والعرض والكرامة وأرض الآباء والأجداد ومستقبل الأبناء والحفدة.

 نستذكر جهاد وزير الدفاع يوسف العظمة، حفيد صلاح الدين الأيوبي، وإخوانه المجاهدين المتطوعين وهم يواجهون الغزاة بصدور عارية ولكن عامرة بالإيمان وحب الوطن والشعب، وهم على علم تامّ أن ميزان القوى المادية ليس في صالحهم، ولكنهم على علم أيضاً أن المنية خير من الدنيّة، وأن حياتهم الحقيقية هي عندما يستشهدون من أجل المبادىء التي يؤمنون بها.

 نستذكر في مثل هذه الأيام الشيخ العالم العامل كامل القصاب وتحريضه الناس على الخروج إلى ميسلون، وهو صاحب القولة المشهورة: " أيها الفرنسيون: لن تمروا إلا على هذه الأجساد." كما نستذكر باعتزاز وفخر ابن جبلة الساحلية البارّ العالم الجليل العامل عزالدين القسام، الذي لم يسعه إلا أن يبيع داره ـ وهي كل ما يملك من حطام هذه الدنيا ـ ويشتري بثمنها عدداً من البنادق ليقاتل بها الغزاة الفرنسيين، حتى إذا استنفدت الذخيرة توجّه مع رفيق دربه وشقيق روحه كامل القصاب إلى مدينة حيفا الفلسطينية، ليستأنف الجهاد العلميّ والعسكريّ هناك ضد المحتل البريطاني والعصابات الصهيونية وضد الجهل والتخلف.

 يستحضر السوريون في ذكرى الاستقلال جهاد القائد البطل المتوكل على الله ابن حارم، حفيد صلاح الدين الأيوبي، إبراهيم هنانو ومعاركه البطولية، وحركة المريدين وجته في جبل الكرد، وثورة عمر البيطار وإخوته والشيخ صالح العلي في الساحل السوري، وثورة الدنادشة الأبطال في تل كلخ، والتضامن الكردي ـ العربي في منطقة الجزيرة ضد الغزاة المحتلين.

 وفي ذكرى الاستقلال يزفّ السوريون تحية إكبار وإجلال لروح قائد الثورة السورية الكبرى (1925ـ1927م) سلطان باشا الأطرش وإخوانه الصناديد في جبل العرب الأشمّ، وللأب الروحي للثورة الشيخ بدرالدين الحسني، العالم الرباني وبقية السلف الصالح في أرض الشام المباركة، والقائد البطل المغوار حسن الخراط وغيره من المجاهدين في هذه الثورة، الذين افترشوا الأرض والتحفوا السماء وذاقوا خلال الثورة الخوف والجوع والنقص في الأموال والأنفس والثمرات، ولكنها في الوقت نفسه لقّنت المحتلين دروساً قاسية كانت بداية النهاية لهم في أرض سورية الطهور.

 وفي هذه الذكرى العزيزة الأثيرة لا ينسى أبناء الوطن جهود العلماء والسياسيين والإعلاميين على درب تحرير سورية من المحتل الدخيل، في مقدمتهم يأتي العلاّمة محب الدين الخطيب والشيخ رشيد رضا وشكيب أرسلان والشيخ طاهر الجزائري والعلآمة محمد كرد علي والشيخ عبد القادر المغربي ورموز الكتلة الوطنية الشيخ علي الطنطاوي وشكري القوتلي وهاشم الأتاسي وعبدالرحمن الشهبندر وفارس الخوري وفخري البارودي وغيرهم وغيرهم ممن لا يقعون تحت حصر، رحمهم الله جميعاً، وجعل الفردوس مأواهم.

 وإنْ ننس فلن ننسى الشهداء الأبطال أفراد الحامية السورية المكلفة بحراسة مبنى المجلس النيابي، الذين قضوا أثناء القصف الوحشي الفرنسي لمبنى البرلمان السوري قبل أن يُفرَض وقفُ إطلاق النار على الفرنسيين ويُجبَروا على الانسحاب من سورية.

 وفي هذا المقام، من الوفاء أن نذكّر بالدور المشرّف لمفتي القدس الحاج أمين الحسيني ـ رحمه الله تعالى ـ الذي لم يصرفه همّه الفلسطيني عن الاهتمام بإخوانه السوريين، فهبّ يجمع التبرعات والأدوية والمساعدات لمجاهدي الثورة السورية والمتضررين من الأعمال الوحشية الفرنسية. وكذلك الحال بالنسبة لأفراد الجاليات السورية في المهجر، الذين ظلوا على تواصل مع الوطن الأم، وفي ارتباط وتضامن معه خلال المحن التي ألمّت به، فكانوا يرسلون التبرعات لإخوانهم، ويفضحون الممارسات غير الإنسانية للاستعمار الفرنسي تجاه مواطنيهم في الوطن.

 لقد كان استقلال سورية وجلاء الفرنسيين عن وطننا الحبيب ثمرة جهاد السوريين ونضالهم، على اختلاف انتماءاتهم ومناطقهم ومشاربهم، باستثناء فئة قليلة ارتبط مجدها الزائف بوجود المحتل اللئيم، وساء هذه الفئة أن يرحل المستعمر ويتركها تواجه المحاسبة الشعبية العادلة على ما اقترفت يداها الآثمتان.

 أيها الشعب السوري العظيم:

 ونحن نستذكر كل هذه المعاني الجميلة والنضالات الرائعة للأجداد من أجل سورية الحلم لكل السوريين، فإن الواجب يحتّم علينا الإشادة بالصمود الأسطوري الذي يبديه السوريون طوال ثلاثة عشر شهراً من الثورة المباركة الشاملة التي يخوضونها، بالرغم من ارتفاع فاتورة التضحيات، شهداء ومصابين ومشردين وبيوتاً بل مدناً وقرى كاملة مدمرة، على أيدي جيش كان يفترض به أن يحمي الشعب والوطن لا العصابة الحاكمة، وبالرغم من تآمر الغريب وتخلي القريب وضبابية مواقف بعض ذوي القربى، هذه الثورة التي جاءت لإعطاء الاستقلال معناها الحقيقي، هذه الثورة التي أرادها السوريون وخاضوها سلمية، بصدور عارية عامرة بالإيمان بالله وبعدالة قضيتهم، إلا أن إصرار العصابة الحاكمة في دمشق على التنكر للمطالب العادلة للشعب ورفض نزولها على إرادة الشعب السوري وتصميمها الغريب على الاحتكام إلى السلاح قد عقّد الأمر، وأدخل القضية السورية في متاهات ومنعرجات لن تخرج منها بإذن الله إلا بانتصار الثورة وسقوط آخر مداميك الشرق والغرب والشر في دمشق الإيمان والحرية والكرامة، مهما ناوروا وتآمروا ومنحوا هذه العصابة الحاكمة من مهل وفرص وغضوا الطرف عن ممارساتها الهمجية التي فاقت في بشاعتها كل جرائم الطغاة.

 أيها السوريون الأبطال:

 أنتم مدعوون، في ذكرى الاستقلال، إلى إعادة الألق إلى الاستقلال، وإلى إنجاز الاستقلال الحقيقي بعدما عبث به العابثون، وإلى المحافظة على وديعة الأجداد لديكم، لتحيوا أنتم وذراريكم في حرية وكرامة وأمان ورخاء.

 أيها السوريون الشجعان:

 إن ثورتكم المباركة سائرة نحو تحقيق أهدافها، وإن دماء الشهداء هي وقودها، وإن أرواح الأكرمين تناديكم أن هلموا إلى عزة الدنيا وسعادة الآخرة.

 الرحمة لشهداء الثورات السورية المتعاقبة

 الشفاء العاجل لجرحانا الكرام

 والنصر والعز والسؤدد للشعب السوري العظيم

 والخزي والعار والشنار للعصابة المجرمة الحاكمة

 وصدق الله العظيم القائل: "ولقد كتبنا في الزبُور مِن بَعد الذِّكرِ أنّ الأرضَ يَرِثُها عباديَ الصالِحون"، فكونوا عبادَ اللهِ الصالحين، وأبشِروا بتوفيقه ومعيّته، والله أكبر.

جبهة العمل الوطني لكرد سورية

الاثنين 24جمادى الأولى1433هـ

16نيسان201م