الالزام الخلقي وأثره في ربيع الثورات العربية
نحو مستقبل أفضل
الالزام الخلقي وأثره في ربيع الثورات العربية
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
يقال في المثل : أن الأب أو معيل الأسرة هو عامود البيت , فإن مات , قيل أن البيت قد انهار على ساكنيه
أمام هذا المثل البسيط في الطرح , لابد لنا من بناء قادم جديد على أنقاض البناء القديم , يبنيه الثوار في ربيعهم العربي , منطلقاً من ركيزة أساسية لهذا البناء , هذه الركيزة يجب أن تبنى على الصدق , فالركائز القديمة للبنى العربية كانت مبنية على الكذب .
فلو استطعنا أن نبني ثقافتنا القادمة على الصدق , لسهل علينا بناء الانسان كإنسان , وليس على مبدأ شياطين مكبث لشكسبير (السلوك المشروع خيانة , والخيانة سلوك مشروع )
فالصدق في القول في نظر الجميع فضيلة , والكذب هو شر الرزائل كلها , وقد نفى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عن المؤمن الكذب , ولم ينف عنه الزنا أو السرقة .
ففي الدول العربية التي انتصرت فيها الثورات , وفي سوريا والتي ماتزال الثورة فيها قائمة , نجد أن الدول التي انتصرت فيها الثورة , لم تستطع حتى الآن الانتقال لمرحلة تختلف عن سابقاتها في الحكم , وقد يكون السبب الأكبر في ذلك هو عدم الثقة في النفس أو الذات , وكذلك عدم الثقة في الآخرين .
فالثورات قامت ضد أنظمة حكم , ولم تكن الثورات قائمة ضد نظم وأطر وثقافات اجتماعية موروثة , من عصر الانحطاط وانعدام الحرية والاستبداد الثقافي والسياسي والاقتصادي , ويضاف إليه الاستبداد الاعلامي أيضاً , وكل هذه الموروثات الخاطئة من صنع الأنظمة الحاكمة , حيث جعلت منها مورثات سائدة نتيجة لطول الزمن , الذي عاشت فيه هذه الأمة من القهر والظلم والاستبداد .
فلم تعد الوسائل المتبعة مرتبطة بقانون أخلاقي ذاتي أواجتماعي أوديني , وإنما أصبح القانون السائد هو قانون استغلال الفرص والمختصر (الغاية تبرر الوسيلة ) مكيافيلية الأسس والتعامل والأخلاق بين سلطة الحكم والشعب والمجتمع وبين الأفراد . فالحاكم كاذب ويكذب دائماً , ويتبعه القادة والمجتمع , فلا الفرد يثق بالفرد ولا الأحزاب تثق بغيرها , ولا المجتمع يثق بالسلطة , ولا السلطة تثق بالمجتمع , وبالتالي عمت الفوضى ومن الفوضة تلك , كان الاستبداد والظلم والقهر , والفساد بشتى أشكاله , حتى أصبح مجتمعنا كحال مقولة الأمبراطور فريدرك الثاني لأحد اتباعه المتفائلين (ياعزيزي شولزر إنك لاتعرف إلى أي جنس ملعون ننتمي له البشر ) .
إن مايتعرض له الشعب السوري من جرائم بشعة في ثورته الحالية , وانتهاكات صارخة من قبل عصابات حاكمة مجرمة , ماهي إلا نتيجة مباشرة لنظام حكم طال أمده , بني على الكذب في كل شيء , مما جعل الأخلاق الحسنة عدوه الأساسي , وهذه الثورة قامت للعودة بالسوري إلى أصالته الحرة المؤمنة والمبنية على حسن الخلق , والثقة المتبادلة بين الناس .
وحتى الآن الثورة السورية لم تنتصر بعد , وقد يكون السبب الرئيسي لعدم النجاح حتى الآن , نابع من عدم الثقة المتبادلة بين أحزاب المعارضة في الداخل أو الخارج , وعدم الثقة هذه ناتجة , من عدم المصداقية في القول , والذي سينعكس حتماً على الفعل , فصدق القول يؤكده الفعل , وبالتالي لم يجد الثوار على الأرض هذه المصداقية , فكانت المسافة بينهما بعيدة جداً , فالثوار على الأرض يؤكد مصداقيتهم فعلهم , بينما المعارضة يؤكد كذبهم فشلهم وعدم تطابق القول مع الفعل لتكون الثقة معدومة .
فالالزام الخلقي في القانون الأول عند الفيلسوف (كانط ) يشرحه في المثال التالي :
علينا أن لا نكذب , لأننا إذا جعلنا من الكذب مبدأً عاما ,فإن ثقة بعضهم في بعض تنهار تماماً
فالأنطمة القمعية أو الاستبدادية ومتشابهاتها تسعى دائما في أن يكون الكذب مبدؤها الأساسي , ونتائجه واضحة أمامنا , في أن الثقة منهارة تماما بين الحاكم والشعب , وكذلك ثقافة تكتلات وهيئات المعارضة والأحزاب تحمل نفس النهج ونفس اسلوب النظام , في بعدها عن القانون الأخلاقي الالزامي .
فإن أردنا أن تنتصر الثورة ليس فقط في تغيير نظام الحكم , وإنما منطلقين من القانون الأخلاقي الالزامي والذي يفرض علينا الصدق , عندها يمكننا القول أننا بالفعل نحن في الربيع العربي الحقيقي .