هدير الثورة السورية في فرنسا

هدير الثورة السورية في فرنسا

جمال المعاند -إسبانيا

[email protected]

-  الثورة نبض في وجدان كل سوري أينما حل أو ارتحل،  وحلم تاقت إليه النفوس  عبر أجيال، حتى توارثته في تقلب الأصلاب والترائب،  بعد ما عيل صبر السوريين من نظام أخداج من البشر، اقترفوا ما لم يسجل له تاريخ البشرية مثالاً .

وهكذا هم السوريون الآن، كل مشمر عن ساعد الجد لا يرى من هدف سوى التحرير، وهذه رؤية انطباعية لواحدة من النشاطات المتعددة والمتنوعة .

تلقيت دعوة كريمة من أخي الفاضل الدكتور علي العليوي، وهو طبيب أسنان من مدينة حلب جمعتني به، أولى محطات الشتات عندما هُجرنا من وطننا الغالي، فراق دام ثلاثون عاماً، وقد حط رحله من عقود في فرنسا، بينما لا يزال العبد الفقير إلى الله يسافر في سفن القدر من شاطئ إلى أخر، و قد رغب إلي الحضور إلى مدينته أنجي لإلقاء خطبة الجمعة، والمشاركة في حفل مسائي لدعم الثورة السورية .

كان ذلكم الحفل مفاجأة سارة بالنسبة لي، كون معظم المشاركين سوريون، فنادراً ما يصادف المرء عدداً من أبناء بلده في نفس المكان في الغربة، رغم كثرة المناسبات وتنوعها .

وأخذ أخي الدكتور أبي محمد يطوف بي للتعارف بمن في الحفل، كانوا من أغلب مناطق سورية، ومن مختلف التخصصات والمهن، منهم الملتزم وغير الملتزم ، ومسلمون من بلدان أخرى ناطقين بالعربية وبغيرها، وفرنسيون من هيئات المجتمع المدني .

 بدأ الحفل من بعد صلاة المغرب حتى منتصف الليل،  ثم  انتقلنا إلى باريس،  حيـث تقيم جمعية  " لأجل سورية حرة " احتفالاً  أخر .

ومما دونته عن هذه المشاركات بما تضمنته من كلمات، وفعاليات التالي :

أن السوريين وصلوا  إلى مرحلة استشعار الواجب،  لـيس في الحضور فحسب بل المسـاهمة الفعالة في نشاطاته .

وتعرف أطفال سورية في المهجر على ملامح جغرافية وطنهم، فحفظوا أسماء مـدن وقـرى سورية ، لكن ما يشاهدونه على التلفاز والنت،  يدفعهم ليتسألوا : هل يمكن للآليات الحرب والدمـار أن تعيش وسـط السكان ؟!.  وهم يعيشون في مدن لا يرون فيها إلا الشرطة، وتشخص أبصارهم لطفل من أترابهم  يفر مذعوراً وسط  بلدته، وأظن أن ذاكرة أطفال سورية في الداخل والخارج، لن تنسى تلك المناظر المؤلمة، وستحتفظ بها كالنقش على الحجر .

أولئك الأطفال رسموا علم الاستقلال على صفحات ورود خدودهم،  وحفظوا أهازيج الثورة بلهجاتها، والطريف أن تسمع من طفل شامي هتافاً بمدود اللهجة الحمصية المحببة وهكذا .... .

وفتيان سورية أولئك الشبان بين الخامسة عشر، والخمسة والعشرين، كتل متحركة، بين المدن والبلدات يقومون بجمع التبرعات، وتوزيع المطويات،.... .

أما النساء السوريات، فقد تكفلن بتزويد الاحتفالات بكل أصناف الطعام والحلوى السورية، وعلى نفقتهن الخاصة، ومما رأيته أن الأخت زوجة الدكتور أبو محمد، ليومين وأنا ضيفهم وهي مناوبة في مطبخها تعد ضيافة المدعوين في الحفلات .

لقد فجرت الثورة السورية المباركة في نفوس السوريين عامة قدرات هائلة، وولدت طاقات عصية على النفاد، وأبى الإبداع إلا مشاركة السوريين ثورتهم، وقدر لي المشاركة في مهرجانات عديدة، وأملى علي الواجب الإسلامي المعونة، لبعض الأشقاء ممن ثاروا قبلنا، فما وجدت غير العمل و الحماس،  أما في ثورة بلاد الشام على ما بدا لي أن الإبداع متعاطف مع السورين لدرجة التجسيد،  وحتى لا يلقى الكلام على عواهنه كما يقال، أدلل بأمرين فحسب:

الأول: ابتكر الفتية السوريون، طرحاً جديداً في الحفلات التي تقام لجمع التبرعات،  حـيث تواصلوا مـع ثوار الداخل وجاؤا  بثياب،  من ثم يعرضون مقطع مرئي ويشيرون لشاب من أترابهم في المظاهرة يلبس نفس الثوب، ثم تعرض صورته وهو يشيع شهيداً، ثم يقام مزاد علني لتلك القطعة على مبدأ

وتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم       إن التشبه بالكرام فلاح

وفي حفل باريس بيعت قطع كثيرة، أذكر منها معطفاً لشهيد من جبل الزاوية، به ثقوب طلقات نارية  وبقع من دم الشهيد، بيع بخمسة وثلاثين ألف أورو .

والثاني : صبايا سورية، من هن في العقد الثاني والثالث من العمر، ممن يملي عليهن السن والبلد الذي يحيون فيه، الاهتمام بالموضة، وما إلى ذلك...، تركن كل ذلك وهن يقمن بأعمال، لا يملك المنصف إلا أن يرفع قبعته تقديراً لجهدهن، ومنهن ابنة أخي الدكتور علي، الدكتورة تسنيم فقد قامت وصويحبتها، بعمل حسب رأي يوازي أو يفوق تنظيمات حزبية بكوادرها، خاصة من التنظيمات التي نبتت بعلاً بعد غوث الثورة . فهن مترجمات لكل مقطع مرئي يصل من سورية،  وترسلها  الدكتورة تسنيم للصحف والمجلات ووكالات الأخبار الفرنسية، حتى أصبحت مرجعاً تتلقى اتصالات من تلك الجهات يــومياً لتحديث معلوماتها عن الثورة السورية .

هكذا بدا أنى اتجهت لمكان ثمة سوريون فيه ،  تجدهم خلية نحل فالكل مفجوع ومذهول ومشغول بالوضع السوري، إلا بطة سورية وكلاب حرستها، فكما تقول تسريبات البريد الالكتروني هم في وادي ثاني .