خطة أنان والتغير في الموقف الروسي
خطة أنان والتغير في الموقف الروسي
عبد الرحمن الشردوب
باحث في مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
انتشرت على لسان المتحدثين الرسميين في أمريكا وأوروبا إشادتهم ببيان مجلس الأمن الدولي الصادر يوم 21 آذار ،حسب خطة كوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة، الخاصة بالأزمة السورية، وحديثهم عن تغيّر في الموقف الروسي و"حلحلة" بعد الاتفاق على خطة أنان.
غير أن المتفحّص للموقف الدولي يجد أنّ من تغيّر موقفه، إنما هي أمريكا والغرب لا الروس، وعلى هذا حدث التوافق في مجلس الأمن، الذي كان حدث بعد انحياز الموقف الدولي للإرادة الروسية بنقاطها الرئيسية في تعاملها مع الأزمة السورية المنطلقة من إثبات قدرة روسيا على القيام بدور مؤثر في السياسة العالمية ، وبشكل خاص في الشرق الأوسط والذي ربطته بتثبيت نظام الأسد الذي يحقق مصالحها وبالتالي التركيز على ضمان مقومات استمراره وإطلاق سلطته في إدارة الدولة والتعامل مع الثورة ودعمه عسكريا ولوجستيا وإضعاف فرص التدخل العسكري أو فرض الحصار الدولي عليه.
- البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الأمن وفق مبادرة عنان كان بصيغة غير إلزامية
- وتضمن نقاطًا يسهل على نظام الأسد المناورة فيها كما فعل في تعامله مع المبادرة العربية والتفافه عليها وخاصة إذا علمنا أن البعثة الفنية لعنان تباحثت مع نظام الأسد على إدخال المراقبين وأنّ دخولهم يحتاج إلى موافقة الحكومة السورية، وأن هؤلاء سيكونون من دول صديقة ومقبولة لها.
- الصيغة التوافقية تخلو أيضا من الإشارة من قريب أو بعيد لأي تدخل عسكري في سوريا
- وليس فيها حديث عن تنحي الأسد أو تخليه عن صلاحياته لنائبه كحل من الحلول
إذًا هو انصياعٌ لموقف روسيا التي رفعت الفيتو مدافعة عن الأسد في وجه الإرادة العربية والدولية.
فما حدث إذًا هو تغيرٌ وتنازلٌ في الموقف الدولي المعلن، يخفي من الأصل توافقا مع موسكو باتجاه هذا الحل. وقد كان حديث وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف ، مؤخرا الأكثر صراحة وتعبيرا عن بواعث الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية ، وعن التوافق الغربي معه وذلك في حوار منشور على موقع روسيا اليوم حيث قال لمحاوره :" أنت قلت إن موقفنا من سوريا يختلف عما يفكرون به في الغرب مثلا ! وأنت تعرف بالذات أنهم يفكرون هناك بشكل لا يختلف أبدا عما نورده في موقفنا ، هناك يفكرون بالأسلوب ذاته بدقة تماما. والاختلاف هائل بين ما يناقشونه بهدوء في سكون المكاتب وهيئات الأركان العامة، وبين ما يقال علنا في العواصم ذاتها".
أهمية ما حدث في مجلس الأمن ليس بالاتفاق على القرار بمقدار ما هو نوعٌ من تسليم الملف السوري ونقله من أنقرة إلى موسكو، وذلك بتوافق روسي أميركي من تحت الطاولة على استبعاد الحل العسكري للأزمة السورية تماماً ، وإعطاء المهلة لأنان ليقوم بمهمته لحل الأزمة سياسيا. ويؤكد ذلك ما رشح من اجتماع وزيرة الخارحية الأمريكية هيلاري كلينتون مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو انّ أوباما يضغط على بلدان الشرق الأوسط لعدم تسليح المعارضة السورية كي لا يجره ذلك للتدخل العسكري في سنة انتخابية حاسمة.
أما تركيا التي ضغطت بقوة في بداية الثورة على نظام الأسد وخسرت صداقتها معه ، فهي لا تستطيع أن تقود بمفردها حربًا على سوريا رغم كل التهديدات والمخاطر عليها من الأزمة السورية ، بل إنّها تعتبر زجّها في حرب مع سوريا " مكراً غربيا " بدفعها لتحمل الجزء الأكبر من المخاطرة في سوريا ، وقد صرّح بذلك رئيس البرلمان التركي جميل جيجك من حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له رئيس الوزراء رجب الطيب أردوغان في قوله : إن الغرب موجودون على الهامش وكأنهم يشاهدون مباراة ويقولون : فلنجعل تركيا تحل المسألة.
تركيا الخائفة من التدخل في سوريا لديها أسبابها في ظل مساندة إيران جارة تركيا والقوة الإقليمية، لسوريا، وفي ظل التقارب بين إيران والعراق جار تركيا الآخر ، وهناك أيضا اسرائيل التي تقترب أكثر من قبرص واليونان.
غير أن تركيا لا تزال تبحث عن خيارات سياسية وقد تكون عسكرية من خلال إقامة منطقة عازلة كما صرّح اردوغان ، وهي تترقب الأول من إبريل لعقد مؤتمر أصدقاء سوريا الثاني على أراضيها، وتسعى من خلاله إلى إيجاد مساندة أممية أو على الأقل عربية ، للقيام بتدخّل يحمي مصالحها ويحمي سوريا من حرب أهلية كارثية في ظل ارتباك الموقف الدولي وغياب القوة الرادعة للنظام التي تمنع من استمرار القمع والقتل للمدنيين.
وما يؤكد استلام روسيا للملف السوري وإعطاء نظام الأسد فرصة جديدة هو ما أوردته صحيفة تشرين التابعة للنظام من ترحيب دمشق ببيان مجلس الأمن الذي يطلب من سوريا "التطبيق الفوري" للخطة التي عرضها أنان لحل الأزمة، معتبرة أنه يعكس هزيمة "عواصم أعداء سوريا " وأضافت إلى أن ما حدث نوع من التوافق الدولي "بعدما انسلّت الحلول من الإطار العربي "، إضافة إلى التصريحات الإيجابية الامريكية والغربية لمهمة أنان وبما تحمله من تخفيف اللهجة ضد نظام الأسد، والاعتراف ضمنيا بأن الأسد ما زال قادرا على إدارة الأمور في البلاد. فقد رحبت الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية بالإتحاد الأوروبي كاثرين آشتون بالبيان الرئاسي الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بخصوص الأزمة السورية والذي سيدعم خطة كوفي أنان الرامية إلى تسهيل التوصل إلى حل سياسي وشامل " تقوده سورية " بينما اختزلت فرنسا مهمة أنان لتكون مجرد وقف لإطلاق النار وهذا ما عنته بتغيّر الموقف الروسي ، حسب ما أشار وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إلى حدوث " حلحلة " في الموقف الروسي الذي يتيح لكوفي عنان تبني الحصول على وقف لإطلاق النار، ويأتي هذا بعد إعلان فرنسا سابقا وعلى لسان جوبيه نفسه في وقت سابق أن نظام الأسد فقد شرعيّته.
أخيرا يجدر الإشارة إلى أنّ الحل التوافقي بهذا الشكل يحتوي على عدد من النقاط التي قد تساهم في فرض قيود على نظام الأسد في حال عدم تقيّده بها ، وخاصة فيما يتعلّق في الوقف الفوري لإطلاق النار ، وتقديم المساعدات الإنسانية للمدنيين ؛ لأنّ تقيّد السلطات السورية بخطة أنان سيكون تحت رقابة مجلس الأمن مباشرة الأمر الذي قد يُفقد نظام الأسد سنده الدولي المتمثل بروسيا والصين، لأن الفرص التي أتيحت للأسد من طرفهما لن تكون أبدية ، خاصةً مع تصاعد قمع النظام لشعبه ، وتزايد حالة التفكك في قوته العسكرية ، وما يعنيه هذا من علامات انهيار النظام وبالتالي تراجع موسكو وبكين وتغيّر موقفهما.