دعم المعارضة الإيرانية هو الرد المناسب على سلطات طهران

دعم المعارضة الإيرانية

هو الرد المناسب على سلطات طهران

حسان القطب

ورد في أحد الدراسات أن: (عدد سكان إيران يبلغ حوالي 70 مليون نسمة، وفق إحصاء تم عام 2006، نصفهم من الفرس وهي القومية الرئيسية في إيران والنصف الباقي هم: أذريون (25%) وأكراد (7%) وعرب (3%) وبلوش وتركمان وغيرهم.). هذا الفسيفساء الإيراني والمزيج المتنوع الذي يشكل مكونات المجتمع الإيراني يشكل أرضية صالحة وبؤرة مناسبة لتفجير ثورات وصراعات، ومع ذلك لم نسمع أن دولةً ما قد قامت بتأييد هذا الفريق أو دعمت هذه المجموعة للانشقاق أو للانتفاض أو للقيام بثورة وإطلاق تمرد.. وإذا ما دخلنا في عمق تركيب المجتمع الإيراني نرى أن هذه المجموعات والمكونات تتضمن تقسيماً آخر أشد خطورة، ألا وهو التنوع الديني. واستنادا إلى تقارير المركز الإحصائي الإيراني الرسمي:(ينقسم عدد سكان إيران إلى عدد من الديانات والمذاهب، يمثل عدد المسلمين منهم حوالي 98,8% من السكان منهم 91% من المذهب الشيعي و7,8% ينتمون إلى المذهب السني، ويمثل المسيحيون نسبة 0,7% واليهود 0,3% والزرادشتيون 0,1% بينما تمثل باقي الديانات الأخرى نسبة 0,1%. إلا أن المسلمون السنة، حسب الإحصاءات أخرى شبه رسمية، تتراوح أعدادهم بين 14 إلى 19 مليون مسلم يشكلون نسبة تتراوح بين 20 - 28% من الشعب الإيراني. وهم مقسمون إلى 3 عرقيات رئيسية هي الأكراد والبلوش والتركمان، وقليل من العرب في إقليم عر بستان (الأحواز)).

التنوع الديني هذا يوازي في خطورته على أي كيان حجم التوزيع العرقي، وعوامل الانفجار بين مكونات المجتمع غالباً ما يكون سببها سيطرة وغلبة فريق على سائر المكونات، وفي إيران مع الأسف هذا هو الواقع حيث أن العنصر الفارسي هو العنصر المهيمن عرقياً، والمذهب الشيعي هو المسيطر دينياً مما يؤكد أن باقي الأعراق والأديان تعاني من حالة تهميش وإبعاد عن السلطة الحقيقية ومراكزها الأساسية وذلك بنص الدستور الذي يجعل السلطة بيد الولي الفقيه، والصراع المستجد بين رئيس الجمهورية الحالي أحمدي نجاد والولي الفقيه (الخامنئي) يؤكد أن الصراع قد امتد حتى إلى داخل المؤسسة الحاكمة حول حجم السلطة ودورها وفعاليتها وحضورها..وطبيعة الخلاف بين الإصلاحيين والمتشددين لم تكن يوماً حول دينية الدولة والتزامها المذهب الشيعي، بل حول نظرية ولاية الفقيه ومدى الالتزام بها وهو ما يحاول الإصلاحيين التخلص منها تحت سقف الدولة الدينية في إيران..لذا فإن السلطة الحاكمة في طهران تمسك بزمام الأمور بقوة الحديد والنار، وتقمع المعارضين سواء كانوا من الفرس أو سواهم من سائر الأعراق والمذاهب والأديان بكل قوة وبطش.. لذلك وجدت السلطات الإيرانية الحاكمة أن أفضل طريقة لإخضاع الشعب، هي في إلهائه في معارك جانبية في الداخل، وافتعال صراع قومي وديني مع قوى خارجية وإعطائها طابعاً وطنيا وقومياً ودينياً:

-        افتعال صراع مع المجتمع الدولي حول البرنامج النووي الإيراني، رغم أن إيران كانت الدولية الوحيدة في المنطقة التي تملك مفاعلاً نووياً يستخدم لأغراض طبية منذ عهد الشاه..إلا انه تم إعطاء هذا الصراع اليوم بعداً قومياً ودينياً لشد انتباه المواطن الإيراني عن الاهتمام بمشاكله الداخلية المتعلقة بالغلاء والتضخم المالي والتخلف وغياب الخدمات والإنفاق على التسلح والحرمان من الحريات السياسية والإعلامية والتمييز الديني والعرقي..

-        اندلاع صراع مسلح مع الأقلية البلوشية في إقليم بلوشستان، التي تنتشر على مساحة واسعة تشكل حوالي خمس أراضي الدولة الإيرانية.. حيث كما تذكر التقارير يعاني البلوش باستمرار من اضطهاد قومي ومذهبي مزدوج، ويطالبون بحقوقهم القومية والمذهبية..(تنظيم جند الله)..

-        افتعال أزمة مع المجتمع الأذري المنتشر في شمال إيران على الحدود مع دولة أذربيجان، مما أدى إلى قيام تظاهرات وحالات تمرد في مدينة تبريز عاصمة أذربيجان الجنوبية، ويطالب الآذاريون الآن (بحقوقهم ويقولون أن عددهم يتجاوز عدد الفرس إذا ما أضيف إليهم التركمان والقشقائيين والأزبك، وهم جميعا من القوميات الإيرانية الناطقة باللغة التركية ويصل عددهم إلى أكثر من عشرين مليون نسمة). كما أدى تأييد دولة إيران لدولة أرمينيا في نزاعها على إقليم (ناغورني كاراباخ) مع دولة أذربيجان إلى توتر في العلاقات حين اتهمت أذربيجان إيران بمحاولة القيام بعدد من المحاولات التخريبية في باكو عاصمة أذربيجان ضد بعض المصالح والسفارات الغربية والإسرائيلية..

-        اشتداد الصراع مع الأقلية الكردية، حث يقدر(عدد الأكراد بحوالي عشرة ملايين كردي، يطالبون بحقوقهم داخل الدولة، حتى أن بعضهم يسعى للانفصال). وتمارس السلطات الإيرانية بحق الأكراد سياسية القمع والبطش والقصف المتواصل للمناطق الجبلية سواء داخل الأراضي الإيرانية أو تلك العراقية المتاخمة للحدود الإيرانية، وتنسق إيران سياستها هذه ضد الأكراد مع الدولة التركية المجاورة...

-        كذلك تتواصل ثورة عرب الأهواز أو عربستان التي تقع على الخليج العربي كما يقول احد التقارير: (وعرب الأهواز الذين يقدر عددهم بخمسة ملايين نسمة، ويوصفون بـ" عرب اللسان" وكانوا قد ساهموا بشكل رئيس بإسقاط النظام البهلوي وانتصار الثورة الإيرانية)..

للتعتيم على هذا الواقع الصعب والخطير في الداخل، وبهدف إشغال دول الجوار والمجتمع الدولي بصراعات داخلية، وبهدف إبقاء حال القلق وعدم الاستقرار مسيطرة على هذه الدول، تقوم إيران بدعم وسائل إعلامية كثيرة ومتعددة للترويج لسياساتها والقيام بدور تحريضي على دول معينة وقوى وأعراق محددة ومذاهب واديانلا تتوافق معها، وكذلك بدعم مجموعات مسلحة وإشعال ثورات في المنطقة العربية حيث تدعم الحوثيين في اليمن، والمجموعات المؤيدة لها في دولة البحرين، وبعض القوى العراقية المسلحة (جيش المهدي وعصائب أهل الحق جيش بدر) كذلك تدعم حزب الله في لبنان، الذي يشكل الذراع العسكري للحرس الثوري في لبنان، وتؤيد ديكتاتور سوريا فيما يمارسه من سياسات قتل وترويع بحق شعبه وتقوم بدعمه بكل ما تملك، وتدعم أيضاً دول وقوى أخرى كثيرة أيضاً. وللتغطية على كل هذا ترفع إيران راية دعم المقاومة الفلسطينية وقامت بتبني بعض المجموعات بهدف إعطاء نظامها صورة الحاضن للمقاومة في المنطقة والمدافع العنيد عن مصالح الشعوب المقهورة في وجه (دولة الاستكبار والشيطان الأكبر، الولايات المتحدة) وكل هذا بهدف تبرير إنفاقها على هذه القوى والدول ولتغطية عجزها عن معالجة مشاكلها الداخلية المتفاقمة ولإبقاء حرائق الصراعات والمشاكل الداخلية ملتهبة في دول الجوار ريثما تنجز مشروعها النووي وتمتلك السلاح النووي اللازم لردع أي هجوم عسكري عليها ولذلك تقوم إيران وعلى طريقة كوريا الشمالية بتطور سلاحها الصاروخي ليكون قادراً على حمل سلاحها النووي المفترض أن يتم إنجازه في فترةٍ ما من المستقبل القريب أو البعيد..

هذا النظام وهذا المشروع الذي لا يرى لنفسه قدرةً على الاستمرار والحكم، إلا بتطوير فرص وحالات النزاع في المنطقة وفي شق عرى الوحدة الوطنية في أي كيان مجاور أو بعيد، وفي تخريب المفاهيم الوطنية وتأجيج الصراعات المذهبية والعرقية في المنطقة. بناءً على كل هذا فإن مواجهته لا يمكن أن تتم إلا بتأييد قوى المعارضة الإيرانية الوطنية الحقيقية لتحقيق التغيير، وهي التي تؤمن ببناء دولة يتمتع فيها كافة أبناء إيران بكافة الحقوق والواجبات، وفي إنفاق الثروة الإيرانية الضخمة على تطوير الحياة الاجتماعية وتامين الرفاه المادي والاستقرار السياسي للشعب الإيراني المظلوم، وإطلاق الحريات السياسية والإعلامية وتأسيس الأحزاب الوطنية لا الأحزاب الدينية والعرقية وإعادة إنتاج العلاقات بين مكونات المجتمع الإيراني بكافة أطيافه إلى جانب دول الجوار المتعددة والمتنوعة، وإعطاء الأقليات الدينية حقوقها في حرية العبادة وإقامة شعائرها بحرية دون تدخل من السلطات الحاكمة واحترام الأقليات العرقية وخصوصياتها الاجتماعية وطرق عيشها مع صلاحيات واسعة لترسم لنفسها مستقبلاً واعداً وزاهراً. وإلا فإن هذه السلطة الحاكمة ستبقى تبدد ثروات الأمة والدولة على مشاريع التسلح وبناء ترسانة عسكرية لتحقيق طموحات إمبراطورية تجاوزها الزمن. وأظن هذا الطرح يتناسب مع ما طرحه نائب حزب الله نواف الموسوي حين قال بما يتعلق بالشأن اللبناني ما يلي: ( أننا في موضوع الحكم كنا ولا نزال من دعاة الوحدة الوطنية) لماذا لا ينطبق هذا القول على الواقع الإيراني إذا كان من الممكن تطبيقه في لبنان.....المعاملة بالمثل مع النظام الإيراني هي الحل ولتحقيق ذلك لا بد من دعم وتأييد قوى المعارضة الإيرانية ولكن لتحقيق الأفضل للشعب الإيراني لا للتخريب..