محشي وزير التموين !

محشي وزير التموين !

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

طلب السيد وزير التموين من ربات البيوت المصريات ألا يبحثن عن الأرز عند عمل المحشي ، ويستخدمن بدلا منه لسان العصفور !

ثلاثة أرباع النساء في مصر الفقيرة لا يعرفن الفارق بين لسان العصفور وحبات الحنطة ، وربما لم يسمعن بهذا الشيء الذي يسميه معالي الوزير لسان العصفور ! وزير التموين رجل اشتراكي تقدمي ثوري مستنير ، أو بلغة مختصرة رجل ماركسي ، أي من أنصار الفلاحين والعمال والكادحين كما يفترض ، ولكن سيادته نسي أن نساء هذه الطبقة الكادحة أو طبقة الشغيلة كما يسمونها في بعض دول شمال إفريقية لا يعرفن هذا اللسان الذي يبدو شبيها بالجاتوه الذي تكلمت عنه ماري أنطوانيت في أثناء الثورة الفرنسية حين اشتكي الفرنسيون من عدم وجود الخبز ، فقالت ليأكلوا جاتوه !

معالي وزير التموين القادم من حزب توتو ( التجمع الوطني التقدمي الوحدوي ) ذي القيادة الشيوعية الموالية لنظام مبارك ؛ أثبت أن وزير التموين في عهد مبارك كان أفضل منه ، على الأقل لم يترك الناس أعمالهم ومصالحهم معظم النهار والليل منذ مجيئه قبل شهور ، ويتفرغوا للبحث عن رغيف الخبز وأنبوبة البوتاجاز التي صارت مثل البحث عن الغول والعنقاء والخل الوفي ، فضلا عن السولار والبنزين 80 والأرز ومقررات التموين الشهرية .

قال الوزير الموقر في لقاء من لقاءاته التلفزيونية إن عهده لم يشهد قتيلا واحدا في طوابير الخبز ، ولكنه ما كاد ينتهي من تصريحه إلا وتواترت الأنباء عن مقتل أكثر من شخص أمام الأفران أو المخابز ، ثم سقط في عهده أول شهيد لأنبوبة البوتاجاز ، فضلا عن المعارك الضارية التي تنشب ويتخلف عنها سقوط الجرحى والمصابين نتيجة هذه المعارك في طوابير الخبز والبنزين والسولار وتوزيع البوتاجاز .

مشكلة الوزير الماركسي أنه معجب بنفسه إلى درجة النرجسية المفرطة ، فهو يجلس في استوديوهات القنوات الفضائية والأرضية وعلى صفحات الصحف أكثر مما يجلس في مكتبه ، ثم إنه يدافع عن تقصيره وقصوره الوزاري بمنطق الملاكمة والمصارعة ( معذرة لا أعرف الفرق بينهما !) .وبعدئذ فهو رجل أنيق يستعرض مظهره الجميل وهو يضطجع على الكرسي أمام مذيعي التلفزيون ومقدمي برامجه ومصوري الصحف ؛ واضعا ساقا على ساق في استعلاء ملحوظ على عباد الله الذين جاء يخدمهم ويبحث عن حلول لمشكلاتهم ، بما يتنافى مع طبيعة الرجل الماركسي المنتمي إلى الطبقات المعدمة .

معالي الوزير الاشتراكي التقدمي المستنير كان يفترض فيه أن يكون أداؤه الوزاري أفضل من أداء سلفه الذي عمل في العهد البائد وواجه نقدا حادا من جميع الاتجاهات ، ولكن الناس يترحمون على عهده الآن ، بسبب ما يعيشونه على أرض الواقع بسبب وزير ماركسي ينتفض أمام المشاهدين ويلقى بتبعة القصور والتقصير على غيره من الوزراء . لقد كان يستطيع أن يخرج على الناس باستقالته ويرحل في هدوء تام ، ويكون بذلك متسقا مع نفسه ومع فكره ومع حزبه الذي رشحه للوزارة في ميدان التحرير !

ولكن يبدو أن معالي الوزير ينهج نهج رئيسه في حزب توتو وهو التمسك بأهداب السلطة – أيا كانت – إلى الرمق الأخير  لهذه السلطة . فقد ظل حزب توتو متمسكا بأهداب النظام المباركي حتى سقط ، ثم ركب ظهر الثورة وكان صوته أعلى من صوت الملايين التي أسقطت الطاغية وزمرته .

لا أود الاستطراد إلى ما قيل عن تخصيصه سيارة فاخرة تملكها الوزارة للسيدة حرمه ، فقد تناولته الصحف بصورة وأخرى ، ولكن ما أود الإشارة إليه هو ذلك الانفصام الذي يعتري السادة المناضلين الثوريين الاشتراكيين التقدميين المستنيرين حين يتركون الشارع الذي كانوا يتحركون من خلاله ، أو يفترض أنهم كانوا يتحركون من خلاله ، ويتحولون إلى أرستقراط يشعرون أنهم من طينة أخرى غير طينة البشر !

قضية التموين هي قضية العدالة في المجتمع المصري الذي عاني ستين عاما من القهر التقدمي ، وآن للثورة أن ترفع هذا القهر ، وأن يكون هناك ميزان مختلف لاختيار الوزراء الذين يشعرون بمعاناة الشعب شعورا حقيقيا بعيدا عن لغة المناضلين التي تهرأت وذابت من كثرة الأكاذيب والخداع والغش.

لقد أطلق الوزير كلاما ثوريا عن إدخال الغاز إلى البيوت في المدن والقرى ، وأحسبني واحدا ممن انخدعوا بكلام الوزير ، وحاولت أن أجد صدى لهذا الكلام لدى المسئولين في المحافظة التي أسكن إحدى قراها ، وللأسف لم أجد أي أثر ! لقد تصورت أن قريتي النموذجية كما تصنف لدى المحافظة يمكن أن تنعم بدخول الغاز إلى بيوتها ، حيث أهلها مستعدون لتمويل بنية الدخول الأساسية من موقع قريب لا يبعد أكثر من خمسة كيلومترات ، فضلا عن تكاليف إدخال المنازل والشقق ، ولكن الإجابات كانت غائمة والردود سلبية ، والمسئول المهتم (!) يخبرك أن المسألة ترتبط بخطة الدولة العامة ، ولا بد أن تسبق المدينة القرية ، والأمر يحتاج إلى " دوشة " كبيرة لا طاقة لقريتكم بها !

هكذا يكون صدى النضال الثوري لوزير التموين المحترم !

ونحن المواطنين التعساء نشكره على أفكاره المستنيرة بإدخال الغاز ، ومحشي لسان العصفور ، وما قد يستجد من أفكار .. وعاش النضال الاشتراكي الثوري التقدمي المستنير .. واسلمي يا مصر !