كيف ننتصر لديننا ولرسولنا!؟

كيف ننتصر لديننا ولرسولنا!؟

د. فوّاز القاسم / سوريا

منذ تصريحات بابا الفاتيكان قبل عدة سنوات  ، وتهجمه فيها على عقيدة الإسلام ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ...

مروراً بالرسوم الكاريكاتيرية الدانماركية سيئة الصيت ، وإهانة المصحف الشريف في قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان على أيدي القوات الأمريكية المحتلة ، وتصريحات بوش المتكررة ضد الإسلام والمسلمين ، ووصفه المسلمين بالفاشيين ، وتصوير حربه ضدنا بالحرب المقدسة  ...!!!

وانتهاء بسخرية الصحيفة الفرنسية ( شارلي إيبدو ) من رسول الله صلى الله عليه وسلّم مؤخراً ، وردود فعل المسلمين تتراوح بين الغضب والشجب والاستنكار ، ولعل معاقبة الصحيفة الفرنسية على يد مجموعة من الشبان الغاضبين ، هو التصرف العملي الأبرز في ردود المسلمين ...

وفي الوقت الذي أثمن فيه حب المسلمين لدينهم ، وغيرتهم على نبيهم ...

أشعر بألم يعتصر قلبي ، ومرارة تفتت كبدي ، لمدى الضعف والعجز التي وصل إليها بعض المسلمين ، ومنهم من يتبوأ أعلى المراتب القيادية في الامة ...

فالأمة تذبح أيها السادة من الوريد إلى الوريد ومنذ ما يزيد على قرن كامل ، والإسلام يحارب في جميع أرجاء العالم وبلا هوادة ، ورسول الإسلام يهان على رؤوس الأشهاد صباح مساء ، فلماذا لم تهتز شعرة في شوارب الأمة ، ولماذا لم ترتفع عقائر حكامها وقادتها وعلمائها ، ولماذا لم ينظموا عملاً حقيقياً مقتدراً للدفاع الحقيقي عن الإسلام وعقيدته ورسوله صلى الله عليه وسلم.!؟

بل على العكس من ذلك ، فلقد ساهم الكثير من القادة المنافقين ، الذين يدّعون الحرص على الإسلام ، والغيرة على رسوله صلى الله عليه وسلم بتنفيذ الكثير من المخططات الخبيثة المعادية لمحاربة الإسلام وأهله ، باسم الإرهاب ومحاربة الإرهابيين ...!!!

إن نصرة الإسلام أيها العرب والمسلمون ، وحب نبيه ، والغيرة على دينه وكتابه ، لا تكون بالتصريحات الباردة ، والاحتجاجات التافهة ، والشعارات المنافقة ، ولا حتى بالمهرجانات والتجمعات والخطابات الاستعراضية  أمام شاشات الفضائيات ، بل لا بد من عمل جمعي جهادي مقتدر ، يقطع اللسان البذيء  الذي يتجرأ على إسلامنا ونبيّنا وقرآننا  ، ويبتر اليد الغادرة التي تعتدي على أمتنا وأوطاننا ...!!!

ولوعلم بوش وعصابته المجرمة  في البيت الأسود وحلفاؤه وعملاؤه ، ولو للحظة واحدة ،  أن هناك في أمة الإسلام من الحكام والقادة والعلماء ، من يغار الغيرة الحقيقية على الإسلام وعلى رسول الإسلام ، لما تجرأ على دعم العصابات الصهيونية لتذبح المسلمين في فلسطين  .!

ولما تجرأ على غزو أفغانستان المسلمة وتدمير كل مظاهر الحياة فيها ...

ثم احتلال العراق الحبيب ، وتدمير بنيته ، وذبح شعبه ، وسرقة خيراته ، ثم إلقائه لقمة سائغة في يد العصابات الصفوية تعيث فيه قتلاً وتخريباً وإفساداً ...!!!

ولما تجرؤوا على إعطاء الضوء الأخضر لعميلهم القرمطي الصفوي بذبح أهلنا في سورية ، وتدمير حضارتنا ، وتشريد شعبنا ...

أيها العرب والمسلمون ...!!!

إن ما ارتكبته وترتكبه العصابات الصهيونية كل يوم ضد الشعب الفلسطيني وأخصّ غزّة العزّة ، من ظلم وقتل وتهجير وتدمير ...

وما ارتكبته وترتكبه العصابات الأمريكية وحلفاؤها وعملاؤها من العصابات الشعوبية الصفوية الحاقدة ضد المسلمين في العراق وسورية من ذبح وتهجير وتدمير ...

وما ارتكبته وترتكبه العصابات الصليبية والشيوعية في أفغانستان والشيشان والبوسنة  والهرسك ، وغيرها من البلاد العربية والإسلامية ، وبعضها مضى عليه أكثر من نصف قرن ...

إن هذه الجرائم التي تحدث يومياً أمام أنظار العرب والمسلمين ، قادة وشعوباً ، فيها من الفظاعة والبشاعة ما يزلزل عرش الله ، فأين هي غيرة العرب والمسلمين الحقيقية على حرماتهم ، ولماذا لم تتوقف تلك الجرائم عبر كل تلك السنين الطويلة ...!!؟

لقد ذبحت الفلوجة الباسلة على أيدي العصابات الأمريكية المجرمة ، وقصفت مآذنها الشامخات ، ودمّرت بنيتها التحتية ، وضربت بجميع أنواع الأسلحة ، بما فيها الأسلحة المحرّمة دولياً ، كالنووي التكتيكي والفوسفوري والنابالم ،  وشرّد شعبها الآمن في برد الشتاء القارس ، ولم تهتز شعرة في شارب الأمة ...!!!

وهاهي مدن سورية الحبيبة تدمّر فوق رؤوس ساكنيها على أيدي العصابات القرمطية الصفوية الحاقدة تحت أنظار العالم الذي يدّعي التحضر والمدنية واحترام حقوق الإنسان ...

ولا تزال طاحونة الموت والدمار الصهيونية والصليبيّة والشيوعية والصفوية تدور رحاها في فلسطين والعراق وسورية وأفغانستان والشيشان وغيرها من البلاد العربية والإسلامية ، حتى هذه اللحظة ، فأين هي غيرة الأمة على دينها وأوطانها ...!!!؟

كلمة أخيرة أود أن أقولها لبعض علمائنا ، من الذين لا ينقصهم الإخلاص ، ولكنهم تحت ضغط الواقع المخذي ، والهزيمة النفسية التي تعيشها الأمة ، يذهبون ليدافعوا عن الإسلام  الذي يوصف من قبل أعدائه بأنه إرهابي ، فيقعون في خطأ قاتل عندما يلوون أعناق النصوص ، ليقولوا : ( إن الإسلام  ليس إرهابياً ، بل هو دين السلام ، وإن الجهاد فيه لم يشرّع إلا للدفاع عن النفس فقط  ) فيقصمون ظهر الإسلام ، من حيث ظنوا أنه يحسنون إليه ، ويدافعون عنه .!!

وهنا لا بد من إيضاح الحقيقة ناصعة مشرقة رضي من رضي ، وسخط من سخط :

فلقد جاء الإسلام العظيم ، لتحرير الإنسان من العبودية للعباد ، إلى العبودية لرب العباد ، وذلك بإعلان ألوهية الله وحده وربوبيته للعالمين ، ونبذ ربوبية كل الأدعياء الآخرين .

وهذا معناه : الثورة الشاملة على حاكمية البشر ، في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها

والتمرّد الكامل على كل وضع لا ينسجم مع هذه الحقيقة الراسخة .

ولقد فهم العرب الذين واجهتهم الدعوة الأولى ، هذه الحقيقة ، منذ اللحظة الأولى التي صدع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ب( لا إله إلا الله ) ، وذلك لأنهم كانوا يعرفون جيداً مدلول لغتهم العربية .

فلقد عرفوا أن من أهم ما تعنيه ( لا إله إلا الله ) ، انتزاع سلطان الله المغتصب من قبل أصحاب الأهواء والمطامع والمصالح ، من الكهان  والكبراء والوجهاء ومشيخة القبائل وغيرهم ، ورده إلى الله ، وطرد المغتصبين له ، الذين يحكمون الناس بشرائع من عند أنفسهم ، فيقومون هم مقام الأرباب ، ويقوم الناس مقام العبيد .

بمعنى آخر .. تحطيم مملكة البشر في الأرض ، وإقامة مملكة الله .

(( إن الحكمُ إلا لله ، أمر ألا تعبدوا إلا إياه ، ذلك الدين القيّم ، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون )) يوسف (40)

وإقامة مملكة الله في الأرض ، وتحطيم مملكة البشر ، وانتزاع السلطان المغتصب من أيدي مغتصبيه ، ورده إلى الله وحده ، وسيادة الشريعة الإلهية وحدها ، وإلغاء شرائع البشر ..

كل ذلك لا يتم بمجرّد الدعوة والتبليغ والبيان ، لأن المتسلطين على رقاب الناس ، والمغتصبين لسلطان الله ، والمنتفعين بهذا السلطان ، لا يسلّمون سلطانهم بمجرد الدعوة والبيان _ وإلا فما كان أيسر مهمة الرسل في إقرار دين الله في الأرض _ بل لا بد من الجهاد والتضحية ، وبذل الغالي والرخيص في سبيل الله ، لإقرار هذه الحقائق وترسيخها .

فإذا كان لا بد من الدعوة والبيان ، لمواجهة العقائد والتصورات .

فكذلك لا بد من الجهاد والتضحية ، لمواجهة العقبات المادية التي تقف في وجه الدعوة ، وفي مقدمتها السلطان السياسي القائم على عوامل اعتقادية تصورية ، أو عنصرية ، أو طبقية ، أو اجتماعية ، أو اقتصادية ..إلخ

وهما معاً .. الدعوة ، والجهاد ، لا بد منهما لانطلاق حركة تحرير الإنسان في الأرض ، من كل ما يعيقها ويكبلها . 

وليس ذلك معناه إكراه الآخرين على اعتناق عقيدة الإسلام كما قد يفهم البعض ، فالإسلام ليس مجرّد عقيدة فحسب ، بل هو إعلان عام لتحرير الإنسان ، كما ذكرنا .

فهو يهدف ابتداءً ، إلى إزالة كل الأوضاع التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر ، وعبودية الإنسان لأخيه الإنسان .

ثم يطلق الأفراد بعد ذلك أحراراً بالفعل ، في اختيار العقيدة التي يريدون ، بمحض إرادتهم ، بعد رفع كل الضغوطات عن ضمائرهم ، وإزالة كل العقبات من طريقهم ، والبيان المنير لعقولهم وأرواحهم ..