دمشق بين أقدام اللاعبين!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

لا يجد بشار الأسد وأمثاله من الحكام الطغاة حرجا في تدمير بلادهم بوساطة الجيوش الوطنية التي يفترض أن تدافع عن الحدود ضد الغزاة المعتدين ، أو بجيوش دولية تأتي عبر قرارات للأمم المتحدة تحتم التدخل لحماية المواطنين الذين يحكمهم هذا الطاغية وأمثاله .

منذ تسعة شهور تقريبا يدمر بشار الأسد بدبابات الجيش الوطني ومدرعاته ومدفعيته وطائراته وجنوده وشبيحته مدن الوطن السوري وقراه ، ويحول المدارس وساحات الملاعب الرياضية إلى معتقلات لمن يقبض عليهم جزافا من أبناء الشعب السوري الأسير !

بشار لا يجد غضاضة في الاقتداء بالقذافي الهالك الذي آثر أن يضرب شعبه بأسلحة جيشه ، مما مهد لتدخل الناتو الذي قصفه ودمر قواته وكل مكان  تحصن فيه أو اختبأ ، مما أسفر عن خراب شامل في كل أرجاء ليبيا . وبشار يمضي على  الطريق نفسه .وأعتقد أن مسألة التدخل الدولي – أو الغربي تحديدا – لن تتأخر كثيرا ، وخاصة بعد تيقن أميركا أن الشعب السوري مستمر في ثورته حتى إسقاط الحكم الطائفي الديكتاتوري الدموي . صحيح أن هذا الحكم كنز استراتيجي للغزاة النازيين اليهود ، ولكنهم مع ذهابه يحطمون الجيش السوري تماما ، والبنية الأساسية ليطمئنوا على سلامة الجولان واحتلالها وضمان صمت الجبهة الشمالية صمتا كاملا ، فسورية بلا جيش ولا بنية أساسية ستنكفئ على ذاتها ولن تحارب على جبهة الجولان لاستعادتها ، والغزاة لن يجلسوا للتفاوض مع الحكام الجدد المنتظرين إلا لإعطاء السلام مقابل السلام دون تسليم الجولان المحتلة  .

من ينظر إلى ليبيا أو حتى اليمن يجد خرائب على امتداد البصر بسبب استخدام الجيش في التدمير والتخريب والقتل ، وهذا لا يمثل معضلة بالنسبة للحكام الطغاة السفاحين ، فمن قبل قام نيرون بإحراق روما ولم يبك على أطلالها ، واليوم يقوم الأسد بتدمير حمص وحماة ودرعا ومعرة النعمان وريف دمشق وأدلب وغيرها دون أن يهتز له جفن ، ويخرج على العالم مع أبواقه التي أدمنت الكذب ليقول إن العصابات الإرهابية هي تصنع القلق والاضطراب، حتى لو كانت هذه العصابات كما يسميها تمثل شعبا يتحرك في شوارع سورية بمئات الآلاف يهتفون : الشعب يريد إسقاط النظام.. الشعب يريد محاكمة الرئيس .وإذا كان الكذب يمكن أن ينطلي على بعض السذج من الكتاب المرتزقة ؛ إلا أن فخامة الرئيس بشار الأسد لم يستطع أن يهرب من باربارا وولترز وهي تحاوره على قناة التلفزيون الأميركي ، فيقول لها : إنه ليس مسئولا عن مقتل مواطنيه الذي غدرت بهم قواته وشبيحته !

وهذه أغرب إجابة يقولها رئيس مسئول عن كل صغيرة وكبيرة تجري في بلاده ، ولا أعرف كيف يسوغ العقل مقتل أكثر من خمسة آلاف سوري بريء وإصابات مئات الآلاف ، واعتقال أكثر منهم في ساحات الرياضة والمدارس والمؤسسات المختلفة ،وفخامة الرئيس لا يعرف من الذين قتلهم أو أصابهم أو اعتقلهم ؟!

فخامة الرئيس يصر حتى اليوم على ركوب رأسه ، ويصم أذنيه عن نداءات الشرفاء في سورية والعالم العربي والمجتمع الدولي ، ويمارس هوايته في قهر شعبه وإذلاله وقتله واعتقاله ، ويعتمد على عدد من العناصر :

أولها : عنصر الوقت ظنا منه أن الشعب السوري سوف يتعب ، وسيتوقف تلقائيا نتيجة لكثرة الضحايا والمصابين والأسرى . وفخامته واهم لأن الشعب السوري أسقط الخوف ، ولم يعد يخشى الشهادة مهما استطال أمد الصراع ، ومهما كانت التضحيات ! وفي هذا السياق كان فخامته يعول على انقسام قيادات الثورة ، بين الداخل والخارج ، ولكن من الواضح أنه كلما مر الوقت تزداد هذه القيادات تلاحما ، وينضم إليها المترددون ، والذين يحاول النظام السوري استئناسهم وتدجينهم !

ثانيها : تصور فخامة الرئيس أن محور ، إيران / نوري المالكي / حزب الله ، يمكن أن يعوضه عن العالم العربي أو الجامعة العربية ، ولكن الجامعة العربية بعد أن منحته كثيرا من المهل والوقت ، ولم يتجاوب معها ، بدأت تتحرك في اتجاه عرض قراراتها على مجلس الأمن ليقوم بتنفيذها . ثم إن إيران أخذت تشعر بأن تأييدها للقمع والإذلال في سورية شوه صورتها في العالم العربي ، فبدأت تدعو إلى الحوار بين النظام والشعب ، وإن كان هذا الموقف لا يمثل الحد الأدنى من الموقف الإنساني المطلوب ؛ فإنه يشير إلى أن التأييد المطلق لم يعد له وجود إلا عند الشيخ حسن نصر الله الذي يشعر أن سقوط النظام العلوي النصيري سيؤثر على موقفه الطائفي الذي أسفر عنه وظهر به مؤخرا .

ثالثها : الاعتماد على مساندة الروس والصين واليهود بوصف الحكم الطائفي النصيري  كنزا استراتيجيا للكيان النازي اليهودي في فلسطين ، كما أشار إلى ذلك حافظ مخلوف ابن خال الأسد ، ومعروف أن الروس لهم قاعدة عسكرية ضخمة على شواطئ سورية في البحر المتوسط ، فضلا عن كون سورية سوقا رائجة للسلاح الروسي الذي لا يمثل خطورة على الكيان النازي اليهودي الغاصب ، ولذا فالمساندة الروسية لبشار ليست من أجل اخضرار عيونه ، ولكن من أجل مصالحها ، وبالمثل فالصين لها مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية في بلاد الشام ، ومعارضة روسيا والصين لاتخاذ إجراء دولي ضد الأسد مرتبطة باتجاه الريح ، فإذا كانت الأمور في سبيلها إلى انهيار النظام فسوف تتخلى كل منهما عن بشار ، وتتجه إلى من سيخلفه، لأن لغة المصالح أقوى اللغات في العلاقات الدولية، وهو ما عبر عنه المشروع الروسي الذي قدم إلى مجلس الأمن مؤخرا لإدانة كل من النظام والمعارضة في سورية على أساس أنهما يقومان بأعمال عنف ، وقد رحبت الولايات المتحدة بمناقشة القرار وتعديله وفقا للمشاورات بين أعضاء مجلس الأمن ، ما يعني أن الروس تخلوا عن موقفهم الثابت الرافض لإدانة النظام السوري، وأظن أن الأيام القادمة ستكشف عن تحول كبير في موقف روسيا والصين ، وخاصة بعد أن أعادت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا سفراءها إلى دمشق لمتابعة الأحداث القادمة عن قرب ، وتوالت التصريحات من العواصم الدول الثلاث بضرورة تخلي بشار عن السلطة ، ثم وهو الأهم تحريك مجلس حقوق الإنسان لتقديم الملف السوري إلى المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين في النظام السوري على ما ارتكبوه من جرائم ضد الإنسانية .

وقد حددت منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية أسماء‏74‏ مسئولا سوريا‏,‏ قالت إنهم مسئولون عن الهجمات ضد المتظاهرين العزل في الثورة ضد نظام الرئيس بشار الأسد.وأنهم أعطوا أوامر صريحة أحيانا بإطلاق النار علي المتظاهرين.وتشمل قائمة الأسماء كلا من وزير الدفاع السوري ورئيس أركان الجيش ومدير الاستخبارات العسكرية ورئيس استخبارات القوات الجوية.

ودعت المنظمة في تقريرها مجلس الأمن إلي إحالة ملف الجرائم التي ارتكبت في سورية إلي المحكمة الجنائية الدولية وإصدار عقوبات ضد المسئولين المتورطين في الانتهاكات.

وفي الوقت الذي يتزايد فيه معدل القتل اليومي لأبناء الشعب السوري الثائرين على الظلم والقهر ، يوجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الدعوة إلي المجتمع الدولي للتحرك بشأن سوريا, قائلا إن أكثر من خمسة آلاف شخص لقوا مصرعهم في سوريا, وهو أمر لا يمكن أن يستمر, موضحا أنه باسم الإنسانية, فقد حان الوقت للمجتمع الدولي لفعل شيء .

وإذا وضعنا في الحسبان حالات الانشقاق المستمرة عن الجيش السوري ، ومحاولات المنشقين لمقاومة الإجرام الذي يمارسه النظام ضد المدنيين العزل ، فإن المستقبل يوحي أن هذه الانشقاقات ستستمر ، وتتحول من حالة غير مؤثرة إلى حالة تمثل تهديدا قويا للنظام ، خاصة إذا أصر النظام على إشعال الحرب الطائفية ، واستمر في إهراق الدم اليومي دون رادع أو كابح !

لقد ذكر قناص في مدينة حمص أن قادته أمروا بضرورة قتل نسبة مئوية معينة من المحتجين ، وقال لهيومان رايتس: علي سبيل المثال لو أن هناك خمسة آلاف محتج سيكون الهدف ما بين15 و20 شخصا.

وأضافت المنظمة أن نصف المنشقين الذين قابلتهم قالوا إن قادة وحداتهم أو ضباطا آخرين أعطوهم أوامر مباشرة بفتح النار علي المتظاهرين والمارة, وأكدوا لهم أنه لن تتم محاسبتهم. وفي بعض الحالات شارك الضباط في أعمال القتل.

وقال عدد من المنشقين إن قادتهم أبلغوهم أنهم تلقوا أوامر محددة من الأسد من بينهم قائد لواء قال إن الأوامر بالهجوم علي مدينة الرستن جاءت من الرئيس مباشرة.

لا أظن الأسد سيفلت من العقاب الدولي أو الوطني ، وكان سلفه القذافي قد وصف شعبه بالجرذان والحشرات والقمل ، فكان مصيره كما يعلم الأسد أسوأ من المصائر التي كان ينتظرها له اشد خصومه !

ورئيس اليمن السعيد لم يصغ للأصوات العاقلة التي نادت بالخروج الآمن ، ولكنه سخر من شعبه وقومه وقال لهم : فاتكم القطار ! فإذا به اليوم بعد أن تنازل عن الحكم ، يتعرض لغضبة شعب يرفض أن يترك اليمن بلا عقاب جراء قتله للمئات من اليمنيين العزل !

دمشق بين أقدام اللاعبين سيتم تدميرها بفضل غباء بشار الأسد ، وسيشارك في التدمير دول الناتو بتوجيه النازيين اليهود الغزاة !