فلسطين: الوفاق.. والطريق المسدود

عبد الله خليل شبيب

[email protected]

منذ مدة والفصيلان الأكبر والأبرز في المقاومة الفلسطينية : فتح وحماس .. متفقان على ما أسموه ( المصالحة ) .. وكلا الفريقين يؤكد تمسكه بها ..وحتمية حصولها ..ويبشرنا بخير ..والاجتماعات واللقاءات والمجاملات والتصريحات والتلميحات لا تتوقف ..!

ولقد كان لنا – ولغيرنا – رأي من قديم ..: أن المصالحة الحقيقية والتامة تتطلب تغييرا جذريا في توجه وفلسفة وعقيدة وسلوك أحد الطرفين .. خصوصا بعد أن تخلت فتح عن سلاحها ..وركنته بل سلمته لعدوها !..ودخلت أنفاق المفاوضات ومتاهاتها التي لم تخرج منها بعد ..وإن تعثرت أحيانا ..والتي يعتبرها الخصم [ أُلْهية وتغطية لتمدده ونهبه وتهويده ] لمزيد من الأرض وكل شيء ..!..واستمرأت فتح – ومعها فصائل منظمة التحرير ..استمرأوا ما ولدته [ اتفاقية أوسلو] والذي يسمى [ السلطة الفلسطينية] ..والتي سمح اليهود على أساسها بدخول من و افق عليه من منتسبي فصائل [ منظمة التخريب ] كما كان يسميها ..! وحتى بدخول عدد من الفدائيين [ السابقين ] بأسلحة محددة حجزها اليهود أول الأمر حتى سجلوا أرقامها و[ خرطوا سبطاناتها (أي مواسيرها )] حتى لا تصلح إلا للإطلاق من قرب قريب ومن النادر أن تصيب!!..ومن المكرر المعروف أن نقول : إن السلطة قد حملت عن دولة الاحتلال كل المسؤوليات ..حتى مسؤولية احتلالها ..الذي بقي مهيمنا موجودا مسيطرا في كل مكان..حتى في عقر دار [السلطة الوطنية ] الجديدة ..يجوس خلال كل ديار يعتقل من يشاء ويقتل من يشاء ويهدم ما يشاء ويخرب ما يشاء ..لا يرده راد ولا تنبري له قوات       [ الأجهزة الأمنية ] التي يقتصر دورها على بعض المهمات الأمنية العادية في الأوساط العربية في بعض المناطق المحتلة !..ولكن مهمتها الرئيسة كانت ملاحقة المقاومين واعتقالهم أو قتلهم [ حتى تحت التعذيب أحيانا !!] ومصادرة أسلحتهم ..نيابة عن العدو ..فيما هو معروف [ بالتنسيق الأمني ] ..أي ذراع باطشة في يد العدو وموساده وأجهزته للبطش بالمقاومة الوطنية والإسلامية وملاحقتها ..وحراسة العدو ومستوطنيه ..حتى وهم يعربدون في مزارع وديار الفلسطينيين المساكين المغلوبين على أمرهم ويحرقون – حتى مساجدهم !- ..وهم ليس لهم نصير يواجه ويلجم أو يردع أؤلئك الوحوش الوافدين المخربين الحاقدين !

..وترتب على قيام السلطة [ بكل تلك الواجبات ] نيابة عن الاحتلال ..أن يكون لها أجهزة مدنية سميت [ بالوزارات والدوائر..إلخ ] ..وأن يعمل فيها حشد من الموظفين – أكثرهم فصائليون سابقون ... مما احتاج ميزانية ضخمة [ من الصعب بل المستحيل أن تغطيها موجودات المنظمة وفصائلها وفتح – قبل نهبها وتبديدها ..فكيف وقد تلاشت ودخلت في بعض الجيوب والحسابات حتى لم يبق منها إلا ما هو قريب من الصفر !؟!] مما جعل السلطة الجديدة تعتمد على ما سمي نتغطيها مودودات المنظمة وفتح والفصائل قبل نهبها وتبديدها ..وهي الآن أقرب إلى الصفر    [ بالمانحين] الذين تكفلوا – بترتيب مع اليهود وأمريكا وأركان أوسلو بتغطية نفقاتها ! وارتبطت [ تلك المنائح أو المنح] بمدى [ طاعة وطواعية السلطة ] للدولة العبرية ..ومدى [ إخلاصها ] في قمع المقاومة بل والحريات بشكل عام ! وظهر [ جيل أو جيش] من [ المعتمدين على الراتب ] الذي [ يتصدق به المانحون !].. مما يعني أن أي خروج على إرادة الاحتلال أو إغضابه .. قد يتسبب في توقف رواتب كل أؤلئك ..وقد رتبوا أوضاعهم ومعيشتهم عليها بحيث يؤدي انقطاعها إلى حدوث أزمات مختلفة ..لا يعلم إلا الله ماذا تكون عواقبها !

  في المقابل ..أدت الظروف إلى انفراد ( حماس ) ومعها بعض فصائل المقاومة الإسلامية والوطنية ..بقطاع غزة ..الذي خرج من تحت سيطرة السلطة وتنسيقها الأمني ..ووكيلها الجاسوس الكبير محمد دحلان ..وشلل زعران اللصوص والمفسدين – إلا من رحم الله -! وربما لو استمرت السيطرة للسلطة لما بقي في غزة أثر للمقاومة ! فقد استولت حماس على كمية من الأسلحة كان الأعداء قد أرسلوها لدحلان وعصاباته للإجهاز على من بقي من أنصار المقاومة الإسلامية والوطنية ..عملا ببنود التنسيق الأمني [ الأسلوي ] تحت إشراف [ دايتون – وفيما بعد مولر ] والرباعية والموساد ..إلخ

  ومرت الأيام ..وكل فريق متمسك بنهجه وسلوكه وقناعاته ..فلا سلطة أوسلو تفكر في أية مقاومة – إلا بعض المظاهر [ الهادئة الخفيفة ] الكلامية والسلبية والسلمية – ولا حماس وأخواتها ترضى بإلقاء السلاح والاعتراف بدولة العدو  !

  وجرت محاولات وصولات وجولات واتصالات ..وتحركات ..لمحاولة التقريب بين  الطرفين ..أو الاتجاهين ..وهيهات :

              سارت مُشَرِّقةً وسِرْتُ مُغَرِّباً        شتان بين مُشَرِّقٍ ومُغَرِّبِ !!

حَبَّذا .. ولكن ..!! :

  .. لا شك أننا – وكل فلسطيني وعربي ومسلم ومخلص – نتمنى أن يلتحم الطرفان ويتحدا على كلمة سواء ..فيها مصلحة الوطن والمواطن ..وخدمة القضية والمقدسات .... مع عدم التنازل عن أي حق من الحقوق الثابتة ..ومنها حق العودة وتقرير المصير وصيانة المقدسات وقدسها ..وكذلك ..عودة الغرباء يهودا وغير يهود - ..من حيث جاءوا ..كل إلى وطنه         ( معززا مكرما ) !! طائعا ً مختاراً..!

.. وعليه – وبموجب المعطيات السابقة وغيرها – فإننا نرى أن ما سمى بالمصالحة ..أمر بعيد المنال ..صعب التحقق ..ما لم تحل السلطة نفسها وتعيد كل المسؤوليات إلى قوة الاحتلال .. المسؤولة – أمام العالم - عن الأرض المحتلة وكل من عليها وما عليها  ..وتعود فتح خاصة وكل من معها إلى النهج المقاوم ..ولكن ..أنى لها أن تسترجع السلاح الذي سلمته للعدو ؟ ..أو تخرج المعتقلين  الذين يرفض [ المندوب مولر والموساد والرباعية] إطلاق سراحهم..أو تستعيد الأسرار والمعلومات الأمنية وغيرها التي سلمتها وأتاحتها للعدو – وذلك في حكم المستحيل ..كإحياء الموتى ! ..وهل تستطيع إحياء  الشهداء الذين قضت عليهم أو تسببت في قتلهم ؟!!

...و – من الناحية الأخرى – أن تأتي ( حماس ) طائعة مختارة لتدخل [ بيت الطاعة المولرية الموسادية ]..وتلقي السلاح ..أو تخزنه – كسائر الجيوش - ..وتقدم فروض الولاء للمسار السلمي ..والموادعة والمهادنة ..وتتخلى عن المقاومة والمشاكسة ..حتى وإن كانت لا تضرالعدو كثيرا إلا بعض الفزع والتوتر ..وتخسر هي والمواطنين الفلسطينيين أضعاف ما يخسره العدو في مواجهات غير متكافئة بالمرة بل بفارق هائل في مختلف أنواع القوى ..إلا القوة المعنوية ..والمعية الربانية – إن أخلصوا وتمسكوا بنهجهم الإيماني المقاوم الذي يرفض الظلم والذل والتنازل عن الحقوق والأوطان !

.. وهكذا ..قد نرى أن التحركات القائمة لا تزيد على أن تكون محاولات استدراج لحماس ومن معها ..للركون إلى الدعة وإعطاء الفرصة للعدو ليزداد تمددا وتشددا وانغرازا في الأرض والوطن ..في ظل هدوء نسبي ..يريحه من التوتر والتربص الدائم على حدوده الجنوبية – خصوصا في ظل متغيرات ما يسمى [ بالربيع العربي ] الذي انتشر كالنار في الهشيم ..ويبدو أنه مستمر متصاعد لن يتوقف عند حد ..حتى تُحقق الشعوب حريتها الكاملة وتصرفها الحر بشؤونها ..وتقرير مصائرها وحرية قرارها والتطهر من فاسديها وهدّاميها ! والتحكم في مواردها وسياساتها – بعيدا عن الموساد وشبكاته ودسائسه ووكلائه ..وتأثيراته ..! 

   ... وليس أي شيء من ذلك واشباهه من مصلحة العدو بالتأكيد بل بالعكس .. فما قامت الدولة الصهيونية ..ولا دامت ولا عاشت ..ولا استمرت ..ولا تسمنت وقويت ..إلا في ظروف النظم القمعية المتفرقة المختلفة المتخلفة الفاقدة للمعتقد والانتماء والنهج الواضح والحريات الأساسية ..بل والغارقة في ألوان الفساد والانحرافات والتناحر والتخلف والتبعية ..إلخ !!

.. فهل تعي حماس ما يراد لها ..وما يراد أن تُجَرّ إليه .. ولا تغريها [ حركات بهلوانية ] ..وتلويحات بانتخابات ..وما يشبهها من مكاسب وهمية ..يوازيها [ ضغوط هائلة ] من مختلف الجهات ..قد توصل إلى مرحلة التوهين والتيئيس – كما حصل مع فتح حتى تحولت من البندقية إلى [ الفندقية ] ..ومن الخنادق إلى [الفنادق ] ومن المقاومة إلى المساومة والمفاوضة ومن ( النهر إلى البحر ) إلى [ استجداء  دولة ] على أقل من خُمس فلسطين التاريخية ..إلخ!!