الزحف إلى القصر

د. عوض السليمان

دكتوراه في الإعلام - فرنسا

لم يكن بيان الجامعة العربية الجديد مفاجئاً، ولا مثيراً للدهشة، كان سيكون، لو وقفت الجامعة مع طموحات الشعب السوري في الحرية والتخلص من النظام الطائفي في سوريا.

البيان، طالب الجماعات المسلحة كافة بالتوقف عن العنف، فماذا يريد النظام السوري أجمل من ذلك، ولعله لم يكن هو بنفسه يطمع في هذه النتيجة. أما السيد الدابي رئيس فرقة المراقبين العرب، فقد قال في تصريحات صحفية، أن مهمة المراقبة لا تزال في بدايتها، وأنها ستكون طويلة. وقد عرف عن الرجل أنه كان متورطاً في تشكيل الجنجويد في السودان، وقد وجهت له اتهامات بارتكاب إبادة جماعية في دارفور. ولكن السيد الدابي، ومنذ الساعات الأولى لعمله في سوريا لاحظ، أن الحكومة السورية متعاونة بشكل كبير وأن كل شيء مطمئن في البلاد

ولم يلحظ سيادته أنه قد ارتقى أكثر من خمسمائة شهيد في سورية منذ لحظة وصوله. والأنكى من ذلك، أنه اتهم أحد أعضاء لجنته بالتخيل والتوهم. إذ بثت الفضائيات حديثاً مقتضباً لأحد المراقبين العرب من المملكة المغربية، وهو يقول بأنه رأى القناصة بأم عينه، وأنه يطالب الحكومة السورية بسحبهم على الفور. فرد الدابي أن المراقب المذكور لم ير أحداً، وأن رؤيته افتراضية. هذه الكلمة وحدها كانت تفرض على المجلس الوطني المعارض سحب الثقة على الفور من رئيس البعثة ومن الجامعة العربية.

لا أعرف كيف تقتنع المعارضة السورية بأن الجامعة العربية يمكن أن تقف مع الشعب العربي وهي لا تمثل شعوبها بل تمثل الأنظمة الشمولية العربية. وكيف لنا أن ننسى أن بريطانيا هي من شكل هذه الجامعة وكونها. أضف إلى ذلك أنها لم تقدم معروفاً لهذه الأمة منذ نشأتها.

ويسأل سائل، لكن الجامعة وقفت مع الشعب الليبي وطالبت مجلس الأمن بالتدخل لحماية المدنيين هناك، وأنقذت بنغازي من تدمير محقق وإبادة مؤكدة. إن أطفالنا الصغار في المدارس الابتدائية يعرفون أن الجامعة العربية تنفذ رغبات الغرب وأمريكا وليس رغبات الشعوب العربية. ولا أدل على ذلك من هذه الحادثة. إذ أسرع الغرب وتسارع للقضاء على القذافي، خوفاً على النفط، لا على دماء الليبيين، ولما أوعزت أمريكا وحلفائها للجامعة العربية أن تجتمع وتقرر فعلت، ورفعت الموضوع برمته إلى مجلس الأمن، وطالبته بالتدخل صراحة في ليبيا لحماية المدنيين هناك. ونحن نسأل اليوم أ ليس هناك مدنيون يرتقون كل لحظة في سورية. ألم تدمر حمص فوق أهلها، ألم يمارس النظام في سورية إبادة جماعية لأهلنا في جسر الشغور.

لقد استشهد إلى اليوم أكثر من ستة ألاف مدني في سورية، فهل هذه إبادة "فردية" مثلاً في نظر الجامعة. المسألة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، إن الغرب وأمريكا لا يريدان للأسد أن يسقط على الأقل في هذه المرحلة، فهو من يحمي الكيان الصهيوني، ويقدم له الجولان هدية، كما أنه يدهم الطولى في ضرب الفلسطينيين والتنكيل بهم، وبالتالي فإن الغرب لن يطلب من الجامعة تحويل الملف إلى مجلس الأمن، على الأقل في الوقت الراهن.  فالمجلس عندها سيكون أمام مسؤولياته في تحمل تبعات رفض التحويل من قبل الجامعة وهو ما سيحرج الأطراف الدولية الفاعلة كلها.

لا يعتقد عاقل، أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، لا تستطيع تغيير الموقف الروسي والصيني لو أرادت. ولكن المسألة باتت واضحة تماماً. فطالما أن الغرب لا يسعى فعلياً إلى إسقاط الأسد، فلن يضغط أحد على روسيا والصين ولن تستطيع الجامعة تحويل الملف إلى المجلس، و بالتالي فهي مضطرة أمام الرأي العام العربي، أن تدعي بأنها تقوم بما في وسعها لاحتواء الأزمة، وهي بالتالي مضطرة لإعطاء مهل جديدة لنظام الأسد، ليمعن في القتل.

كان على الجامعة العربية، ألا ترسل المراقبين أصلاً إلى سورية قبل أن يتوقف القتل، وهذه إحدى بنود البروتوكل المتفق عليه مع النظام السوري، ولكنها مع ذلك أرسلت البعثة، وكان عليها أن تسحب المراقبين على الفور عند رؤية أول دبابة في شوارع حمص، وكان عليها ألا تستمر في مهمتها، عندما سمعت بارتقاء أول شهيد، ولكنها لم تفعل، لأن الإرادة السياسة في الدول الغربية لم تتشكل حتى اليوم لإسقاط الأسد فعلاً وما على جامعتنا إلا السمع والطاعة.

أعلم جيداً أن الجامعة العربية اليوم تمثل تيارات مختلفة، وأنها ليست على قلب رجل واحد، ولهذا أستطيع تحية الموقف القطري مما يجري في سورية، ولكنني أطالب بالمزيد.

الآن ثبت لأصغر طفل في سورية أن الجامعة تتآمر على الشعب السوري، وتؤجل التدويل وتطالب الجيش الحر تلميحاً بأن يتوقف عن عملياته، وتساوي بين الجلاد والضحية فماذا بقي للشعب السوري.

بقي له بعد الله عز وجل ، الزحف إلى القصر الجمهوري، زحف يذكر بالشعب الروماني لما زحف إلى قصر تشاوشيسكو. فالشهداء يرتقون في أنحاء سوريا كل يوم، حتى القرى البعيدة النائية لم تسلم من التقتيل، فإذا كان علينا أن نستشهد على كل حال فلنستشهد بالطريق إلى القصر.

نتكلم اليوم عن ضرورة انتقال عدد كبير من المتظاهرين إلى دمشق، بطريقة مدروسة وغير معلنه، ثم تفجير بركان بشري باتجاه القصر الجمهوري أو على الأقل في ساحة الأمويين، والانتقال منها إلى قصر تشرين.إذا سمع النظام هدير الجماهير المتقدمة إلى القصر فسيفرّ معلقاً رجليه بظهره.

على كل حال إن فعلها السوريون أم لا، فالنظام ساقط لا محالة اليوم أو غداً. ولكن الثوار سيعجلون بسقوطه لو تحركوا في دمشق بشكل أكثر تنظيماً وأكثر عدداً.

إن التعويل على الجامعة وحتى على مجلس الأمن لن يحل المشكلة حتى تتفق المصالح الدولية والإقليمية، وإنني أخشى أن يطول الأمر، وبالتالي فالتعويل بعد الله على سواعد الثوار والتحرك في قلب دمشق بالإضافة إلى الاستمرار في التظاهرات والإضرابات والاعتصامات في كل مكان. وما هي إلا ساعة ، وما النصر إلا من عند الله.