المجلس الوطني والمشاركة الوجدانية

أبو طلحة الحولي

لن أحكي حكاية الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما حرم على نفسه اللحم عام الرمادة حتى يأكله الناس ، ثم تقرقر بطنه فنقر بطنه بإصبعه وقال‏:‏ تقرقر تقرقرك ، إنه ليس لك عندنا غيره حتى يحيى الناس‏.‏

لن أحكي عن الخليفة فقد يقول قائل ذلك خليفة خليفة رسول الله ولن يستطيع احد فعل أفعاله .

ولكن سأحكي حكاية  رجل من عامة الناس ، ليس بمجنون ، وليس بمريض نفسي ، وليس به أي خلل عقلي .. سأحكي حكاية حدثت في فصل الشتاء ، حيث البرد الشديد ، ويتفنن الناس في شراء المدافئ  ، والملابس ذات الفرو والسميكة ، والبطانيات وما يلزم من امور التدفئة !!!

فما بالك بشتاء قارص وحصار يقتل النفس تلو النفس ، وقنابل ترعب ، واعتقالات الداخل اليها مفقود والخارج منها مولود .

سأحكي حكاية للمجلس الوطني بقيادته وأعضائه ، حكاية رجل لم يكن مقيما في فندق ضخم يلقي منه مواعظه وتأملاته في الحياة ، ولكن مقيم في بيت متواضع ، ومع هذا ملأ الدنيا بعلمه ، وكان قدوة ومدرسة للكثير من أبناء هذه الأمة الإسلامية ، ولكن المهم في الحكاية ليس بيته ومنزله ، ولكن ماذا فعل ؟ وماذا صنع ليشارك الفقراء برد الشتاء ؟

قال بعض الرواة: دخلت على بشر الحافي في يوم شديد البرد وقد تعرى من الثياب، فقلت: يا أبا نصر الناس يزيدون الثياب في مثل هذا اليوم وأنت تنقص؟ فقال: ذكرت الفقراء وما هم فيه ولم يكن لي ما أواسيهم، فأردت أن أرافقهم بنفسي في مقاساة البرد! ( الرسالة القشيرية ، باب الجود والسخاء ص 64)

بشر الحافي رجل عامي من عامة الناس ، ولكن له أسوة حسنة متمثلة في عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وذلك في التعبير عن مشاركته لإخوانه من الفقراء والمساكين .

إن البرد الذي أصابه لم يكن ليمنع البرد عن الآخرين ، ولا ليخفف الأسى والمعاناة عنهم ، ولكن هذا البرد هو إعلان عن المشاركة الوجدانية الفعلية وليس مجرد كلام وعواطف .

ماذا يضر المجلس الوطني لو شارك الثوار في معاناتهم مشاركة تتجاوز العواطف إلى المشاركة الحسية والوجدانية ؟

وماذا يضير المجلس الوطني لو غير في طبيعة بروتوكول اللقاءات والاجتماعات ولو ليوم واحد أو اجتماع واحد وشارك أبناء جلدته ، ومن نادى به ،  مشاعرهم وأحاسيسهم ..

ألا يمكن أن تعقد اجتماعاتهم في بيت عادي ، او حديقة ما !!

وبدلا من صرف ألاف الدورات على الفنادق والأكل والشراب يمكن الاكتفاء بصرف مئات الدولارات ، والباقي يعطى كمعونات إغاثية للثوار ...

إن هذه المشاركة الحسية هي من اكبر ما يُشجع الثوار على المشاركة الحركية ، والتظاهرية والفاعلية .. إن إحساس المجلس الوطني الذي يعيش في الخارج بإحساس الثوار الذين يعيشون في الداخل هو قمة التلاحم في الجسد الواحد ، وقمة السمو في تحمل المسؤولية بأن يعيش الإنسان من أجل غيره لا من اجل نفسه .

أن على المجلس الوطني مسؤوليات كبرى ، وأمانة عظيمة فإما أن يكون على قدر المسؤولية أو فليترجل ولا يساوم على دماء الشهداء .. لقد كثرت الاجتماعات ، والمؤتمرات واللقاءات لقادة وأعضاء المجلس ولم تتوحد جهود المعارضة ، ولم يتم حتى الآن الاعتراف به عربيا وعالميا ..

وعندما يعيش المجلس الوطني من اجل الثوار .. من اجل الشهداء .. والجرحى والمعتقلين ، لا أن يعيش من أجل نفسه وكراسيه ومناصبه ، سيكون في قمة العطاء وستعترف به الدنيا كل الدنيا ... "آلا إن نصر الله قريب".