وطويت صفحة أحد أصنام الأرض

محمد فاروق الإمام

محمد فاروق الإمام

[email protected]

يوم السبت 17/12/2011 طويت صفحة أحد أعتى أصنام الأرض الذين جعلوا من أنفسهم آلهة تُعبد من دون الله، وقد بدا على قادة كوريا والمواطنين التأثر الكبير على فراق هذا الصنم وهم يبكون وينتحبون وكأن في موت هذا الطاغية نهاية العالم، من هنا يمكن أن نتفهم هذه الثقافة.. ثقافة العبودية للفرد على مدى 70 عاماً التي ربى هذا الطاغية وأبيه من قبله الناس عليها، من كثرة ما اقترف من جرائم بحق هذا الشعب الذي كان يضيّق عليه الحياة والعيش على رحابتها، وكأنهم يجهلون ما روته بطون التاريخ من سير مثل هؤلاء الطواغيت الذين كانت الدنيا بعد فراقهم لها أجمل وأحلى وأسعد. طويت صفحة هذا الديكتاتور الذي ورث أباه في الحكم كيم إيل سونغ ولم يغادر هذه الدنيا إلا بعد أن ورّث ولده كيم يونج – أون البالغ من العمر 28 عاماً، ليكرّس الملكية (غير المعلنة) في كوريا الشمالية، ويسن سنة سيئة عمل بعض الحكام العرب على تقليدها، كما حدث في سورية حيث ورث بشار السد أباه حافظ الأسد، في حين لم تمهل الثورات العربية في كل من مصر وليبيا واليمن طواغيتها من توريث الحكم لأولادهم كما كانوا يعدون لذلك الأمر.

وصف كيم جونغ ايل بأنه واحد من أكثر قادة العالم غموضاً وكان زعيماً لدولة أحاطتها السرية وتعرضت لعزلة دولية.

وعقب توليه مقاليد الحكم عام 1994 بعد وفاة والده كيم ايل سونغ لم يعرف عن جونغ ايل إلا القليل ونادراً ما كان يظهر علنا.

وتعرض جونغ ايل لانتقادات واسعة خلال فترة حكمه لوقوع "انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان إضافة إلى تهديده لأمن المنطقة بأسرها بسبب برنامج بيونغيانغ النووي".

ولطالما أظهرت وسائل الإعلام في كوريا الجنوبية أن جونغ ايل رجل لهو ومستهتر يرتدي الأحذية الرياضية لتظهره أطول قامة.

ولكن هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى أن الزعيم الكوري الشمالي الراحل لم يكن غبيا مثلما كانت تزعم جارته الجنوبية على الرغم من صحة التقارير التي تحدثت عن ولعه الشديد بالطعام والشراب.

ووفقا لما ذكره المبعوث الروسي قنسطنطين بوليكوفسكي الذي كان يصاحب كيم جونغ ايل خلال رحلاته بالقطار، فإن زعيم كوريا الشمالية كان يعيش حياة ترف فقد كانت تحمل إلى قطاره يوميا جوا الكركند أو " الاستاكوزا" لتناوله إلى جانب شراب الشمبانيا.

وقيل عن جونغ إنه احتسى عشرة أكواب من النبيذ خلال قمة عقدها عام 2000 مع رئيس كوريا الجنوبية آنذاك كيم داي جونغ.

ووصفه كثير ممن التقوه شخصيا بأنه واسع الاطلاع ومتابع جيد للأحداث الدولية.

ورأى البعض أنه مناور ذكي على استعداد للمخاطرة لدعم نظامه.

ووصفته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين اولبرايت بأنه "شخص متمكن".

وكان ينظر إلى جونغ ايل في كوريا الشمالية على أنه بطل أسطوري اقترب من نموذج الدكتاتور الذي يصبغ على نفسه صفة " الإله الحاكم".

ووفقا لتقارير رسمية في كوريا الشمالية فقد قيل إن جونغ ايل ولد في كوخ خشبي وظهر وقتها في السماء قوس قزح مزدوج ونجمة ساطعة.

كما قيل إنه ألف 6 أوبرات في غضون عامين وصمم أحد أشهر المعالم في البلاد.

ولكن خبراء من خارج البلاد قالوا إنه ولد بالقرب من بلدة روسية تحمل اسم خاباروفسك حيث كان والده يتزعم ميليشيا مسلحة تتلقى دعماً من روسيا.

وقضى جونغ ايل فترة الحرب الكورية في الصين ومثل غيره من أبناء النخبة في البلاد تخرج من جامعة كيم ايل سونغ.

وحصل جونغ ايل في عام 1975 على لقب " القائد العزيز" وبعد مرور خمس سنوات انضم إلى اللجنة المركزية لحزب العمال الكوري وتولى مسؤولية شؤون الفن والثقافة.

وفي عام 1978 أمر باختطاف المخرج الكوري الجنوبي شين سانغ أوك وزوجته الممثلة إيون هي واحتجزهما لمدة 5 سنوات قبل أن يجمع شملهما مرة أخرى.

وقيل إن جونغ ايل اعتذر عن اختطافهما وطلب منهما صنع أفلام له وقاما بالفعل بصناعة سبعة أفلام قبل هروبهما إلى الغرب عام 1986.

كما قيل أن شغفه بالسينما وصل إلى حد الهوس فقد تردد أنه أسس مكتبة أفلام تحتوي على 20 ألف فيلم وألف كتابا عن السينما.

وفي عام 1991، عين جونغ ايل قائدا أعلى للجيش الكوري وهي خطوة اعتبرها المحللون ردا على أي محاولة انقلاب قد تحدث بعد وفاة والده.

ظهر جونغ ايل علنا بعد لقائه كلينتون للإفراج عن صحفيين أمريكيين

سعى كيم جونغ ايل إلى تحسين علاقته مع جارته الجنوبية ورئيسها آنذاك كيم داي جونغ وذلك بعد أن تفاقم وضع الاقتصاد في بلاده وأصبحت على شفا أزمة اقتصادية كبيرة بعد انهيار شريكها الاقتصادي الرئيسي الاتحاد السوفييتي.

وكانت حركة التجارة قد توقفت بشكل كامل وتعطلت المصانع بسبب نفاد الوقود وأدت الكوارث الطبيعية إلى تفاقم الأزمة وتلف المحاصيل الزراعية.

واستمر تدهور الوضع الإنساني في البلاد حتى بعد أن خلف كيم والده في عام 1994 ما دفعه إلى طلب مساعدة دولية وبشكل خاص من الصين.

وقام جونغ ايل بعدة زيارات إلى الصين وأبدى اهتماماً كبيراً بمعرفة كيف استطاعت الصين تكييف مبادئها الشيوعية مع اقتصاد السوق.

وبعد زيارته لبكين وشانغهاى في عامي 2000 و2001 بدأت مشروعات صغيرة في الظهور في بلاده.

ثم قام جونغ ايل بخطوة أخرى لإنعاش اقتصاد بلاده عن طريق تحسين علاقاته مع جارته الجنوبية والتقى عام 2000 بالرئيس الكوري الجنوبي في أول قمة بين الكوريتين منذ الحرب الكورية عام 1953.

ومن أكبر الانجازات التي تمت بعد هذا اللقاء السماح بلم شمل العائلات التي فرقتها الحرب.

في آب عام 2008 نشرت إحدى المجلات اليابانية تقريرا حول وفاة كيم جونغ إيل عام 2003 وأن من يظهر في المحافل الدولية شبيه له.

وتزايدت هذه الشائعات بعد أن ذكرت تقارير استخباراتية أمريكية في العام نفسه أن جونغ ايل أصيب بجلطة دماغية نظراً لأنه لم يشهد العرض العسكري بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس جمهورية كوريا الشمالية.

ورداً على هذه الشائعات بثت وسائل الإعلام الكورية الشمالية شريط فيديو في نيسان 2009 لزعيمها أثناء قيامه بزيارات رسمية للمصانع.

وفي آب من العام ذاته ظهر جونغ ايل مجددا أثناء زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون إلى بيونغيانغ للتوسط للإفراج عن اثنين من الصحفيين الأمريكيين اعتقلا بتهمة دخول البلاد بصورة غير مشروعة.

وتردد أن الزعيم الكوري الشمالي أصدر أمرا بالعفو عن الصحفيين بعد مقابلة كلينتون.