دول وشعوب وساسة مخترَعون

صلاح حميدة

[email protected]

أثارت تصريحات مرشّح الرّئاسة الأمريكيّة نيوت جنجريتش الكثير من السّخط في الشّارع الفلسطيني، فيما ساد شعور بالفرحة والارتياح في دولة الإحتلال، فقد اعتبر هذا الشّخص أنّ الفلسطينيين " شعب مخترع" و أنّهم " مجموعة من الإرهابيين" وأنّهم  "يعلّمون أبناءهم الإرهاب في المدارس"؟!.

من وجهة نظر الكثيرين لم تكن تلك التّصريحات غريبة عن واقع السّياسة الأمريكيّة المناصرة لدولة الإحتلال في كل ما تقترفه من جرائم بحقّ الفلسطينيين، فالولايات المتّحدة الأمريكية تعتبر المناصر والدّاعم والحامي الأول لدولة الإحتلال  الصّهيوني في العالم، ولهذا الدّعم دوافع كثيرة، وأحد أهمّ تلك الدّوافع هو المشتركات في النّشأة والتّكوين بين الدّولتين والشّعبين، وعندما يتّهم جنجريتش الفلسطينيين بأنّهم إرهابيون ومخترَعون ويعلّمون أبناءهم الحقد على الآخر، فهو هنا يسقط ما يشترك فيه مع دولة الإحتلال على الضّحايا المفترضين نتيجة قيام هاتان الدّولتان المخترَعَتان في الجغرافيا والدّيموغرافيا.

الفلسطينيون شعب أصيل في المنطقة وليسوا رعاة رحّل لا مقام لهم ولا مستقر، وليسوا رعايا دول أخرى استجلبوا إلى فلسطين ليتمّ صناعة شعب منهم، وكانت لهم تجارة وصناعة وزراعة وسياحة وحياة علميّة وثقافية نشطة قبل الإحتلال والتّهجير، وقبل أن تقوم الولايات المتّحدة الأمريكيّة نفسها، وأقترح على قناة "الجزيرة" أن ترسل له نسخةً مترجمةً عن فيلمها الوثائقي " إغتيال مدينة" وهو فيلم فيه الكثير من المعلومات القيّمة التي يحاول هذا الشّخص تجاهلها وطمسها.

أمّا الشّعوب والدّول المخترَعة فهما الولايات المتّحدة والدّولة العبريّة اللتان قامتا على الحرب والتّدمير والتّطهير العرقي للشّعوب التي كانت تسكن الرّقعة الجغرافيّة التي احتلها من جلبوا من كل بقاع الأرض ليصنعوا شعباً لهاتين الدولتين، فهذان الشّعبان الفاقدان لأيّ نوع من أنواع التّجانس ينطبق عليهما المثل الفلسطيني " مثل شعير البيّاع" ولذلك يعيش هؤلاء عقدة دائمة تجاه الآخرين، ويسعون لاتّهام الآخرين بما فيهم من صفات، فدولة العصابات الدّمويّة ودولة المغامرين واللصوص وال "cow boy" لا يمكن لهما أن ينصفا الشّعوب والدّول الّتي قاما على أنقاضهما وعلى مأساتهما، وبالتّالي فالضّحايا متّهمون دائماً من قبل الجناة.

فمن هو الإرهابي والمجرم؟ هل من يأتي من كل أنحاء العالم لقتل شعب آخر وتشريده وسرقة أرضه إرهابي؟ أم من يدافع عن نفسه في وجه من يعتدي عليه ويسلبه أرضه وحقّه في الحياة بكرامة وحرّيّة هو الإرهابي؟ فاللص والمجرم يعتقد دائماً أنّ ضحيّته مدان لدفاعه عن نفسه ولمطالبته بحقوقه المسلوبة، ولا يمكن أن يطلب الإنصاف والعدل من قاتل وسارق، فالولايات المتّحدة لا تختلف عن الدّولة العبرية في النّشأة والسّلوك تجاه من سلبتهم حقوقهم، ولذلك من السّخافة أن يطالبها أحد  بأن تكون منصفة للفلسطينيين.

الغريب أنّ هذا الشّخص يحمل شهادة في التّاريخ، ولا أعرف على أيّ أساس منحت له شهادته الأكاديميّة في التّاريخ؟ فهو فاقد لأيّ منطق ومنهجيّة علميّة في التّفكير والبحث والتّقييم، بالإضافة إلى انغلاقه الواضح على الآخر المختلف، فهو يتحدّث عن المدارس والمناهج التّي تعلّم الإرهاب، وفي هذا الموضع يجب أن ترسل له نسخة من كتاب العالمة الإسرائيليّة المختصّة في علم المناهج الإسرائيليّة للطّلاب اليهود من الحضانة حتّى الثّانويّة العامّة، وهي التي خلصت إلى أنّ هذه المناهج تصنع عنصريين قتلة لا يختلفون عن النّازيين، وأنّه لا فرق بينها وبين المناهج التي كانت تدرّس للطّلبة الألمان في عهد هتلر، وهنا نتساءل هل هذه التّصريحات لهذا الشّخص تعبير عن جهل أم عن نفاق سياسي أم نتيجة مختلطة من الإثنين؟ وهل اختراع السّاسة في الولايات المتّحدة يحتاج لمثل هذا الخلط والتّملّق والقفز على الحقائق التّاريخيّة والجغرافيّة والدّيموغرافيّة، فصل الخطاب في هذا الموضوع هو أنّ الشّعوب والدّول المخترَعة لن تنتج إلا رؤساء وساسة مخترَعين.