رحلة قصيرة
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
هي ليست حالة جديدة ولن تكون الأخيرة ...وستبقى هكذا ....مادامت الحياة باقية فوق هذه الأرض
يصنف العقلاء من البشر لثلاث أصناف (العقلاء : كل من بلغ الحلم من ذكر أوأنثى وقواه العقلية سليمة )
الصنف الأول : الذين يفضلون الحياة في الجانب المظلم
الصنف الثاني: الذين يقفون في الجانب المشرق
الصنف الثالث: ليس عندهم القدرة للإختيار بين الصنفين
والقرآن الكريم قسم مصير البشر في الآخرة لثلاث أقسام (أصحاب النعيم , وأصحاب الجحيم , وأصحاب الأعراف )
والثورات العربية أفرزت نمطاً جديداً لم يكن معهوداً قبل عدة أشهر , كان يوجد عندنا فريقين اثنين لاثالث لهما :
الفريق الأول هو الحاكم وزمرته وآلاته القمعية , وتكمن اللذة عندهم في الشر دائماً , وقسم يعيش في الظلام ومستسلم له , ولا توجد أفكار بداخل المجتمع لتنير الظلام والذي اعتادت عليه لقرون متعددة .
ومع اشراقة الربيع العربي في تونس وامتداده لمصر واليمن وليبيا وسوريا
هنا ظهر جلياً بالعودة للنمط البشري في التقسيم الوارد أعلاه , فنجد في الثورات العربية :
الثوار والذين خرجوا من قلب الظلام والإرادة الحديدية لنشر النور في داخل نفوس المجتمع , وتبديد الظلام المنتشر , بحيث لايمكن أن تحس بالنور مالم ينبعث من داخلك أولاً , والقسم الذي يدافع عن الظلام والشر بكل قوته , والذي يمثل النظام المظلم الظالم وبقاء أدواته الشريرة والتي أطفات كل شمعة حاولت أن تعبر خيوطها عبر هذا الظلام الدامس , والقسم الثالث حائراً خائراً واهناً متردداً , يحب أن يخرج للنور , ولكن الارادة عنده ضعيفة واهنة تقول له ابق كما أنت في الظلام . فلا خير منه ولا شر فيه , ولا يعرف أن الشر هو بحد ذاته الباعث للخير , وليس العكس . وهؤلاء لايعرفون ماذا يعني الخير , ولا يعرفون ماذا يعني الشر , وبالتالي هم أشد الناس عذاباً .
وقد برع الشاعر الايطالي دانتي في وصف أحوال هؤلاء , في الكوميديا الالهية رحلة إلى الجحيم , عندما يصف دخوله إلى الجحيم مستكشفاً أحوال من سبقوه ووجد على باب الجحيم قوماً يمثلون هذه الفئة فقال: (دوى هناك تنهد وبكاء وصراخ عالٍ , في جو بغير نجوم , فأسال ذلك لأول وهلة مدامعي , لغات غريبةٌ , وصرخات رهيبة , وكلمات أسىً , وصيحات غضبٍ , وأصوات صماءٍ عالية ً, ولطمات أيدٍ تصاحبها , أحدثت ضجيجاً يدور على الدوام , في هذا الجو الأبدي الظلام , كذرات الرمل , حين تعصف بها زوبعة . قلت وقد حف برأسي الرعب ((أستاذي , ماهذا الذي أسمع ؟ ومن هؤلاء القوم الذين يبدون وقد غلبهم الألم هكذا؟))
أجابني ((هذه الصورة البائسة, تتخذها النفوس التعسة , لأولئك الذين عاشوا دون خزي أو ثناء )) فقعر الجحيم لفظهم حتى لايفتخر عليهم الأشرار , والفردوس لاترضى فيهم , فليس عندهم خير يشفع لهم
الثورة السورية المستمرة منذ أكثر من ثمانية أشهر , وأفرزت الثورة هذه الأصناف الثلاثة والواضحة للجميع , فعلى مستوى المدن هناك مدن بكاملها تنتمي لهذا الفريق , كحلب والرقة والسويداء وطرطوس , بينما الفئة التي تعيش في النور وتطلب الخير وتتفانى في نشر نورها الوضاء في داخلها , درر متناثرة يربطها جمالها وغلو ثمنها وبريقها في درتها حمص وحماة ودير الزور وإدلب , ودرعا واللاذقية , وريف دمشق وبعض أحيائها .
وعلى مستوى الطوائف والقوميات , فالطائفة العلوية قسم كبير منها مازال حالهم يقول لاهنا ولا هناك , ومنهم من يؤيد الثورة, ولكن إرادته ضعيفة , فلا خير فيه ولا شر منه , وكذلك الطائفة المسيحية , والدرزية فالغالبية منهم حالهم لننتظر , وانتظارهم لن يجلب لهم الخير لافي الوقت الحالي ولا في المستقبل , بينما الطائفة الاسماعلية قالت ..لا ...نحن مع النور وليس مع الظلام , والأكراد قلوبهم مع الثورة وإرادتهم خائرة , إلا في عامودا البطلة قالت نحن درة من درر الثورة , والبقية متفرقون بين مع وضد وعلى الحياد , فضاعت قوتهم في أوهام ضاعوا فيها , وفقدوا درة رائعة وفقدها الثوار معهم عندما فقدنا الشهيد البطل رحمه الله مشعل التمو .
فالثورة لن تهزم وهي منتصرة بعون الله تعالى وأوجه كلامي لهذه الفئة بالذات , لأن الشرير لايمكن اصلاحه , ولن يصلح إلا بالقوة , والثوار يريدون نشر النور وجلب الخير لجميع أبناء الوطن , والفئة الثالثة فكروا قليلاً وغلبوا الارادة وانضموا للثورة قبل فوات الأوان
فبعد النصر ستقولون ياليتنا كنا معكم , وعندما ترون ثائراً ستشعرون بالأسى في داخلكم وسيساوركم الخجل , وينكشف أمركم أمام من ثار لتبديد الظلام , والطائفة العلوية والذين لم تتلوث أياديهم بدماء السوريين , فكروا في مستقبل حياتكم أولاً قبل التفكير في حياة الآخرين , لقد صبغكم نظام الأسد بكل صبغة شريرة , ووضع على كاهلكم كل جرائمه , وقد لاتشعرون فيها الآن , ولكن قريباً سترون كيف ستنظرون لأنفسكم أمام أي سوري , ستقولون (أكيد إن عرفني سيقول عني مجرم وقاتل وسارق ومغتصب ) فأنتم جزؤ من المجتمع السوري , وما تجركم إليه عائلة الأسد لن يكون لصالحكم أبداً لاحاضراً ولا مستقبلاً , ولكن يمكنكم تدارك الوقت قبل فواته , واخرجوا من باب الجحيم الذي عبر عنه دانتي أعلاه , وكذلك كل من يساند المجرم , ويقف على الحياة , فالشمش أشرقت ولن تستطيعوا إطفاء الشمس بعدها .