إلى الأبد
د.هشام الشامي
عندما رفع النظام الأمني الحاكم في سوريا شعار (إلى الأبد يا حافظ الأسد) ، لم يكن هذا الشعار عبثياً ، بل كان مدروساً بعناية فائقة ، و مرفوعاً عن سابق إصرار و تصميم ، فهم يعرفون أن حافظ سوف يموت أخيراً ، و لذلك بدؤوا يحضرون ابنه البكر باسل ، و عندما قضى باسل نحبه بحادث سير ، استدعي الطبيب بشار على عجل من انكلترا حيث كان يختص في طب العيون و تم إقحامه في عالم الأمن و الجيش و السياسة ، و الأمن هو هاجس النظام السوري الأول ، لأنه لا يوجد في سوريا سياسة (و لا أي شيء آخر ) بلا أمن ، فالأمن هو أولا وثانيا و ثالثا في سوريا الأسد.
و عندما توفي الأسد الأب عام 2000م ، تم لي عنق الدستور السوري الدائم كما سماه حافظ الأسد عندما وضعه عام 1973م ، خلال خمس دقائق داخل مجلس الشعب الصوري ، ليعدل سن الرئيس من 40 سنة إلى 34سنة تماماٌ كما هو عمر بشار الأسد يومئذ، و ليتم تطبيق مبدأ إلى الأبد المرفوع سلفاً ، و لتتحول سوريا إلى أول جملوكية عربية 0
أغرت هذه التجربة بقية الأنظمة الجمهورية العربية حتى التي كانت لم تحضَر نفسها لمثل هذه التجربة كمصر مثلاً ، فبدأت كافة الأنظمة الجمهورية العربية الديكتاتورية تقليد النظام السوري ، و بدأ شعار إلى الأبد يعم كافة أرجاء الوطن العربي الكبير00
و لكن رياح الربيع العربي سارت بغير ما تشتهي سفن هذه الأنظمة المهترئة ، فانطلقت شرارة البوعزيزي من تونس الخضراء و اتبعتها ثورة مصر المحروسة في 25 يناير ، و من ثم اليمن و ثم ليبيا في 15 فبراير و ثورة الكرامة السورية في 15 آذار ولا يزال الربيع العربي مستمراً00
فسارع بن علي تونس ليقول فهمتكم و لا توجد رئاسة للأبد ، و كذلك فعل حسني مصر حين قال في خطابه الموجه للشعب المصري بعد اندلاع الثورة : لم أكن أنوي أن أترشح لدورة رئاسية جديدة ، و نفى أي فكرة لتوريث جمال مبارك من بعده في الحكم ، أما علي اليمن فقالها صريحة و علنية و في خطاب أمام الشعب اليمني : لا رئاسة مدى الحياة ، لا توريث في الرئاسة 0 أما قذافي ليبيا فنفى أي يكون لديه أي منصب سياسي ، و أنه مجرد قائد للثورة ، وأنه لو كان لديه أي منصب لكان رمى استقالته في وجوه أبناء ليبيا و ذلك في خطاب علني متلفز و أمام أنصاره أيضاُ 0
أما في سوريا و بعد تسع أشهر من الثورة ، و بعد كل هذا الدمار و الخراب ، و بعد آلاف الشهداء و عشرات آلاف الجرحى و السجناء و المشردين ، و بعد كل هؤلاء الملايين من الشعب السوري الذين أسقطوا النظام بأعلى صوتهم داخل كافة المدن و القرى السورية ، و الذين هتفوا أمام الدبابات و المجنزرات و المصفحات ( ما في للأبد ما في للأبد عاشت سوريا و يسقط الأسد )، و بعد أن صرح كل زعماء العالم تقريباً ( باستثناء ديكتاتور الصين العظيم ، و مخبري الشيوعية بوتين و ميدليف الذين تنكّرا بقناعين ديمقراطيين ليخفوا حقيقتهما الشمولية و بدأا مسلسل تبادل الأدوار بين الرئاسة و رئاسة الوزراء ، و الحليف الطائفي الفارسي الذي زوَر الانتخابات الأخيرة وأخمد ثورة شعبية بعد فشله في انتخابات الرئاسة ، و كركوز فنزويلا الذي يتخذ مواقفه من عقدة محاربة أمريكا و الإمبريالية ) أن نظام الأسد قد فقد شرعيته ، بعد كل هذا لم يصدر عن الرئيس ولا عن نظامه أي تصريح و لو لذر الرماد في العيون أو قل للضحك على اللحى أن الرئيس لن يترشح لرئاسة قادمة ( عداك عن أن يستقيل الآن )، و حتى عندما تبجح مفتي النظام أحمد بدر حسون و صرح لصحيفة دير شبيغل الألمانية أن الأسد سوف يترك الرئاسة و يعود لطب العيون بعد ان يطبق الإصلاحات الموعودة !، عاد ليلحس كلامه و ينفي هذا التصريح ، و هذا أن دل على شيء فإنه يدل على حقيقة أن هذا النظام لا يفكر أيداً بالتخلي عن السلطة ، أو أن يشاركه فيها أحد ، فسوريا هي مزرعته و عزبته ، و أبناؤها خدمه و عبيده، و أي تنديد أو دعم أو امتعاض أو استنكار من أحد من العالمين لقتل أو تعذيب أو إهانة أو سجن أو تشريد لهؤلاء العبيد هو تدخل فاضح و صريح في شؤون سوريا الأسد . و يختصر كل هذا الكلام تصريح الأسد الأخير في لقائه الصحفي مع صنداي تايمز البريطانية (و كذلك ما قاله تلميذه المعلم في مؤتمره الصحفي الأخير)عن استعداده للقتال حتى النهاية ، ألا يزالون يرفعون شعار (الأسد أو لا أحد )0
و لكن أنَى لهم .....