النظام السوري ونازية القرن الحديث

النظام السوري

ونازية القرن الحديث

محمد عمر

بعد صمت ثقيل، واحتقار اثقل واكبر للشعب السوري، والجامعة العربية والشعوب العربية والعالمية، وبعد خداع للذات، واسرافا في السراب الخاوي من السراب، اطل الطاغية السوري اليوم على العالم ليعترف بان الشعب السوري يفجر ثورة خالدة طاهرة نقية من اجل تنقية المجتمع والتاريخ السوري من دموية العائلة التي حكمت سوريا بانقلاب عسكري ووطدت حكم العائلة المطلق في رقاب ومقدرات الشعب السوري واللبناني الى حد لا يمكن وصفه او الاقتراب من وصفه باي طريقة من الطرق، وباي اسلوب او مفردة في لغتنا العربية او لغات العالم الاخرى.

صحيح ان الاعتراف لم يكن مباشرا، وصحيح ايضا انه جاء يحمل في طياته نوعا من المذلة والاستجداء بطريقة محكمة مغلفة بالتهديد والوعيد للعالم والشرق والاوسط، لكنه يبقى اعترافا واضحا بان الشعب السوري انفجر مستلهما الثورات العربية التي سبقته واطاحت بأنظمة تخيلت كما تخيل بشار بان التجربة مختلفة عن التجارب السابقة، فبشار اعلن بوضوح صارخ لا تشوبه شائبة بان حرب النظام قائمة مع الاخوان المسلمين، وهي طريقة الاستجداء التي حاول النظام المصري والليبي واليمني ايصالها الى القوى العظمى والمؤثرة في قرارات التغيير في العالم، كأمريكا واوربا، من اجل استدرار عطفهم ورضاهم في مؤازرة النظام بقتل الشعب وانتهاك العرض ومسح الابرياء والايغال بدمائهم وارادتهم وثورتهم، لكن الغريب ان النظام السوري الذي اصيب بالعفن والوهن والاحباط والاستبداد والجريمة والقتل والترويع والايذاء والسحق والمحق، لم يستطع ان يتعلم بان الاتهامات التي يوجهها الى الشعب من خلال وصمهم بصفات ترضي العالم الغربي لم تعد تصلح، ولم تعد تؤثر، لأنها اكذب من ان يرد عليها رضيع او مجنون او مخبول، لكن الانظمة الاستبدادية التي تستشعر خطر زوالها لا تملك من الرؤية اكثر من مجنون استبد به الجنون حتى لم يعد يعرف ذاته او يدرك ما حوله.

بشار الاسد والنظام الذي كان موال لوالده، لم يترددوا ابدا في اجراء تعديل الدستور من جهتين، الاولى: الغاء المادة التي تنص على عدم تسلم الشخص مهام الرئاسة الا حين بلوغه سنا معينا. والثانية: انه ايضا لا يحق لمن كان برتبة عسكرية بسيطة ان يتولى الرئاسة. وحين مات حافظ، وخلال دقائق معدودة تم تعديل الدستور ليتواءم مع تسليم السلطة الى من لا يستحقها حسب نص الدستور الاصلي للبلاد. ولم يقف أي عسكري او مدني في النظام السوري ليعلن ان الخيانة للدستور تعني الخيانة للوطن والشعب والتاريخ وروح القانون والعدالة، بل وظف النظام طاقاته كلها من اجل ابتداع طرق اعلامية وارهابية من اجل اقناع المحيط بان ارادة العائلة المقدسة والقيادة الخالدة فوق أي قانون او عدالة او منطق او دستور او حرية.

اليوم، يقف النظام السوري بكل ما فيه من وحشية وقمع ليعلن شرعية وجوده اللاشرعي من خلال الاعلان بانه يحارب الاخوان المسلمين منذ الخمسينات، مصنفا الاخوان بانها فئة ارهابية ليس عليه فقط، بل وعلى العالم، ظنا منه بان العالم ما زال ينظر الى الزعماء المنخولين بالعجز نظرة تصديق او ايمان بما يقولون، متناسيا الوعي الذي دفعت به محطات الاعلام والشبكة العنكبوتية، وخاصة قناة الجزيرة الرائدة في استنهاض الوعي وتثبيته في العقول العربية منذ انطلاقتها وحتى اليوم.

وهذا الوعي يدفعنا الى التساؤل العميق والممنهج حول اغفال بشار شعبه منذ انطلاق الثورة السورية المباركة الى يومنا هذا؟ وهو ما يدفعنا الى السؤال عن قدرة النظام في تعديل الدستور خلال فترة زمنية بسيطة من اجل توطيد حكم العائلة؟ وعن رفضه الرضوخ لإرادة الشعب الذي اعلن قبل كل شيء عن مطالبته بالإصلاحات الدستورية ورفع سقف الحريات؟ يومها خرج بشار متشدقا بانه يريد الاسراع ولا يريد التسرع، لكنه يوم استأثر بالسلطة اراد التسرع الذي لا يلجمه شيء ولم يكن يريد الاسراع، اليس هذا غريبا الى حد يجعل المواطن في كل مكان ينظر الى بشار كدعي لا يستطيع حماية شخصيته ومنصبه من كذبة اوضح ما تكون؟

هو يقول: بانه يحارب الاخوان المسلمين. ويقصد بذلك انه لا يحارب الشعب، وهذا اشد ما يكون من السفسطة والادعاء واللهج والخديعة، بل هو اشد اهانة توجه الى المواطن العربي والمسلم، لأنه يريد منا ان نعتقد وكأننا نعيش في زوايا اخرى من الكون، بين مجرات غريبة، او حتى في الثقوب السوداء، ان الاخوان المسلمين ليسوا من الشعب السوري، بل هم دخلاء على اللغة والدين والجنس والسلالة والتاريخ، طبعا مع التحفظ المطلق على صدق قوله بان الحرب المعلنة في سوريا اليوم هي حرب على الاخوان، لان المشاهد التي تصل الى المواطن العربي، رغم الارهاب الممارس على الاعلام العربي والعالمي، تدل وبوضوح مفرط على طبيعة الانياب التي تمزق الاطفال والنساء والشيوخ، والتي تغتصب النساء وتقطع الجثث وتشوهها وتلقيها هنا وهناك، كما توضح الحقد النابع من الرعب الساكن اعماق النظام، حين تهاجم المساجد وتهدم المآذن وتقصف البيوت، ويمثل بجثث الاطفال، ويطلب من المتظاهرين ان يعلنوا عبوديتهم المطلقة لبشار وماهر، وان تكون شهادة ان لا اله الا الله، غير صحيحة وغير مقبولة، بل شهادة الوهية بشار وماهر ومن والاهم هي المقبولة وهي المنجية من جحيم النظام وزبانيته.

ونحن نتساءل الان، لماذا اختار بشار وطغمته الاخوان لتكون العلامة في الحرب المعلنة على الشعب السوري؟ ولماذا لم تشن هذه الحرب على حزب الله مثلا؟ علما بان حزب الله لا يمثل أي قيمة عربية او اسلامية، فهو جهاز وذراع تابع للدولة الفارسية التي تنشر سمومها في الوطن العربي هنا وهناك؟

الاجابة واضحة تماما، فالنظام السوري نظام عاجز عن حماية نفسه، الى درجة ان الكيان الصهيوني وجه له الاهانة خلف الاهانة، فمرة يقصف صواريخه في البقاع، ومرة تحلق طائراته فوق قصر بشار العتيد، ومرة يقتل كل من بعث النظام لاجتياز الحدود مع فلسطين المحتلة، واكثر من الف الف مرة تهديدات صريحة ومكشوفة لاجتياح سوريا اذا سولت للنظام نفسه مجرد التفكير للرد او حتى الاعلان عن رد. لهذا تحول النظام السوري الى تابع مطلق بلا ارادة ولا حول الى النظام الايراني من اجل المحافظة على بقائه في سدة الحكم.

اقتضت هذه التبعية مساندة حزب الله في استعمار لبنان واحتلاله، وتوطيد القوة الايرانية والنفوذ الايراني من اجل الغاء الدولة اللبنانية المستقلة، ومن اجل ارباك الدول العربية والاسلامية، ومن اجل فتح التبشير بالفكر الصفوي بين ابناء الشعوب العربية والاسلامية، والهدف من ذلك تمزيق الوحدة الدينية والفكرية والعربية من اجل ان تكون الاقطار العربية برمتها تابعة الى الارادة الايرانية والصفوية، ونحن هنا لا ندعي او نقرر شيئا من عندنا، فحسن نصر الله لم يتوانى ابدا عن التأكيد عن تبعيته لايران وللفكر والصفوي حين اجاب ردا على سؤال: نحن خدم لولاية الفقيه. ولمن لا يعرف معنى ولاية الفقيه ومتى نشأت ومن مؤسسها، عليه العودة الى كتب الخميني ليعرف الحقيقة التي تجعلنا نفكر مليون مرة في اهداف ايران وسوريا وحزب الله في المنطقة العربية، وما خلف تلك الاهداف من نوايا ترعب الجبال قبل ان تذهل الاطفال.

وما يدفع لمثل هذا الكلام التشابه الكامل الذي مارسه النظام الايراني لقمع الانتفاضة التي حاولت الثورة عليه، وبين القمع الممارس الان على الشعب السوري، والقمع والارهاب الممارس على المجتمع اللبناني من قبل حزب الله. هو ذات القمع وذات الاسلوب وذات الارهاب، وكان على بشار قبل ان يصف حركة الاخوان بالإرهاب، ان يتذكر الارهاب الذي مارسه والده وعمه ضد الشعب السوري، وضد الشعب اللبناني، وضد الشعب الفلسطيني، وعلية ان يتذكر كيف قام والده بمحو مخيم تل الزعتر عن الوجود وغيره من جرائم بحق المقاومة الفلسطينية، قبل ان يتحدث عن الاخوان.

النظام السوري ما زال يعيش بنفس عقلية حافظ، فذاك قام بزرع القنابل والعبوات في الباصات والاماكن العامة من اجل ايجاد المبررات لسفك دماء الشعب حين انتفض عليه، وهذا استقدم مرتزقة من ايران ومن حزب الله من اجل مؤازرته في تحطيم ارادة الشعب وثورته، ولم يتوان النظام عن سفك دماء جنوده والتمثيل بهم من اجل الادعاء بوجود عصابات مسلحة تقاتل الجيش، وبعد اعدامهم والتمثيل بهم يخرج بجنازات عسكرية لهم تكريما لجثثهم التي مثل بها من اجل ترويع الشعب السوري، واقناع العالم بكذبه وخداعه.

القذافي مارس نفس الدور، استخدم المرتزقة، تماما كما النظام السوري الان، يستخدم مرتزقة ايران وحزب الله، لكنه لم يبق على سدة الحكم، ولم تنفعه كل اكاذيبه بان الشعب الليبي ارهابي تابع للقاعدة والظواهري، ولم تنفعه الاذن التي اغلقت ولم تعد تسمع الا صوت الرصاص وهدير المدافع، حتى لم تنفعه حالة العمى التي اصيب بها وظن انه قادر على انهاء ارادة شعب وثورة جماهير، وكل ما يقدم من اكاذيب ومن ترويج من النظام السوري، لن يقود الا الى اتجاه واضح، نهاية حكم طاغية وعائلة من الطغاة.

بشار يهدد بحرق الشرق الاوسط، القذافي هدد بحرق ليبيا، وبين الاثنين فارق واضح، فعنجهية القذافي وغروره وشهيته للقتل والارهاب وقفت عند حدود ليبيا. اما بشار، فانه يعلن وظيفته وقدرته ودوره النازي الذي يفوق نازية هتلر وفاشية موسوليني، ليهدد بانه سيحرق الشرق الاوسط برمته اذا تعرض حكمه ودوره الايراني للاهتزاز، هي شهية موروثة من اب قاتل، ولغ بدماء الشعب السوري واللبناني والفلسطيني، ولكن شهوة الوراث اكبر واقوى من شهوة المورث، فذاك اكتفى بالمحيط وشعبه، اما هذا فانه شهيته بالقتل والتدمير والارهاب تتجاوز ذلك لتصل الى الشرق الاوسط برمته، وكأنه يملك كرامة او عزة ظهرت حين حلق الطيران الصهيوني فوق مكان اقامته. هو ارهابي كمفتي جمهوريته الذي هدد وتوعد بالقيام بعمليات  " استشهادية " في العالم، وانا اصدق المفتي بذلك، ولكنه كاذب اذا ادعى بان احد الاخوان او أي فرد من افراد الشعب السوري هو من سيقوم بمثل هذه العمليات، لكني اصدقه اذا قال ان ايران وحزب الله هما من سيتوليان مثل هذه المهمة باسم سوريا والشعب السوري، من اجل تلطيخ ثورتهم وارادتهم بشرور ايران وبشار وحزب الله.

وانا لا اعرف من اين استمد بشار هذه القدرة على التهديد، امن رامي مخلوف الذي اكد للصهاينة ان وجود الطغمة الحاكمة في سوريا هو من يضمن امنهم وحدودهم من أي عملية عسكرية او توجه شعبي؟ ام من ايران التي دعمت وسهلت وشاركت في سقوط العراق بأيدي الاستعمار والمجموعة التي قدمت على دباباته؟ ام من حزب الله الذي شارك بالولوغ بدم الثائرين في سوريا؟ واذا كان قادرا على حرق الشرق الاوسط، لماذا لم يحرك ساكنا هو ووالده ونظامهما من اجل استرداد كرامتهم بعد ان مرغ الصهاينة كرامتهم بوحول الهزيمة؟ لماذا لم يحاول ان يرسل دبابة واحدة نحو الجولان؟ واستطاع ان يرسل قوات الجيش كلها بكامل تشكيلاتها الى درعا وحمص وحماه ودير الزور واللاذقية؟ ولماذا خضعت القيادة السورية التي ستحرق الشرق الاوسط الى قرار خروج الجيش السوري من لبنان وفق ارادة امريكا ورغما عنها وعن انفها وعن كرامتها العسكرية والسياسية والدولية، ولم تحرق حتى رماد كرامتها الممرغة بالإذعان والقبول والتسليم والطاعة؟ ولماذا ارتعدت مفاصل بشار وعائلته ونظامه رعبا يوم حركت تركيا جيشها من اجل اخراج عبد الله اوجلان من سوريا، وسارعوا الى قبول فروض الطاعة والاستجابة للإرادة التركية؟

عيب على فتى من الشارع ان يقول شيئا لا يستطيع الالتزام به وتحقيقه، لكن العيب الاكبر ان يكون هناك من يظن ان رئيس يمارس القتل والتنكيل بشعبه الاعزل، يمكنه ان يكون بمنزلة فتى الشارع، فالبون بين الاثنين كبير، فابن الشارع ان ادعى ما لا يستطيع، فانه لا يلام لكون الادعاء لا يخرج عن ذاته، اما من يتكلم من خلال ما يعتقد انه يمثل وفق الظرف وضربة الحظ التي جعلته في منصب رئيس، فان الخزي والعار سيلاحقه حيا وميتا، ومع كل ما سبق، وكل الامثلة التي سردنا عن عجز النظام السوري تحقيق مرحلة ما قبل الصفر مما ادعى، وقدرته على تحقيق اعلى مستوى من القتل والسلخ والتنكيل بالأطفال والنساء والشيوخ والمساجد والمآذن، فان الخزي بدأ فيهم منذ مجزرة حماة التي قادها الاب بكل وحشية وصلف بعيدا عن الرحمة والانسانية، وهنا ينطبق عليهم قول الشاعر:

ومن يهن يسهل الهوان عليه

                               ما لجرح بميت ايلام.

هؤلاء هانوا في ذات اليوم الذي وصلوا فيه الى السلطة، وحين ورثوها ليكملوا مسيرة الهوان المتحللة والعفنة.

الثورة السورية امتازت بمحاسن عديدة، ربما نعود يوما للكتابة عنها، لكن اهم ميزة انتجتها الثورة لذاتها وللامتين العربية والاسلامية، انها افرزت حقيقة حسن نصر الله وحزبه الذي يستعمر لبنان، وابانت سريرته المناهضة للثورات العربية التي يمكن ان تفرز مجتمعات عربية اسلامية خالية من التبعية للمشروع الايراني الذي تمدد بالعراق واكتسحها، واثبتت الوهم الذي عاشه المواطن العربي الذي ظن يوما بان حزب الله حركة ثورية يمكنها ان تشكل امتدادا للثورات والتغيير في الوطن العربي، فها هو حزب الله "الثائر"، يشارك بتصفية الثورة السورية ويدمج ذاته وافراده في نظام الديكتاتورية التي من شأنها سحق الشعوب الطاهرة النقية وابادتها.