نقدم العذر تلو العذر لمن يخرج في مظاهرات تأييد العهر
نقدم العذر تلو العذر
لمن يخرج في مظاهرات تأييد العهر
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
في الإسبوع الماضي كانت ساحة السبع بحرات في دمشق تحيي القاتل وتهتف باسمه , ورأوا الملائكة تهتف معهم , على لسان مدع يقول أنه عالم من ورثة الأنبياء , والجماهير تهتف وتصدق , وكالببغاوات الناطقة لاتعرف سوى ترديد كلمات السامع , وبغلفة من هاتف البوق , يقول حيسقط بشار ويردد الجميع حيسقط بشار , فصدقوا وجود الملائكة وهم في الحاضر الغائب , وصدقوا السقوط
هنا تصديق السقوط في الداخل حقيقي , وإحساس كل سوري حتى ولو كان من أعتى مجرمي السلطة ,مقتنع بالسقوط في داخله ولكن مازال يكابر , كالذي يؤتيه خبر موت عزيز عليه وهو عنه بعيد , فيشك بالأمر ويحاول أن يقنع نفسه أن الخبر غير صحيح .
حول هذه القناعة بأن نظام الطاغية زائل لامحالة , فاختلفت القناعات بين أهالي المدن السورية , فلو قارنا بين أهلنا في حمص البطلة وبين أهلنا في حلب , وبعض أحياء دمشق والتي ماتزال مؤيدة , فلا يمكن أن نقول أن أهل حمص هم أشد مراساً وقوة وبطولة من أهل حلب , ولكن يمكننا القول , في أن اهل حمص عرفوا إمكانياتهم وشدوا عزائمهم ووضعوا النصر أمام أعينهم , ولذلك هانت عليهم حياتهم والموت والحياة أصبحت في كفة واحدة في وجدانهم , ولا بد من البذل والعطاء حتى يتحقق النصر , فإن هددت السلطات بحرمان الطلبة من المدارس والجامعات والوظائف وغيرها من وسائل التهديد , ففي قناعتهم التي وصلوا إليها أن النظام زائل , ويمكن تعويض ذلك قريباً ولا مانع من أن يخسر الطالب سنة , والموظف بعضاً من راتبه , والمهم الآن اولاً وأخيراً هو اسقاط النظام الحالي .هذه القناعة نجدها عند أهلنا في ريف دمشق والميدان والقابون والحجر الأسود في دمشق والمناطق الثائرة فيها , وفي حوران ودرعا , وكذلك حماة وإدلب وجبل الزاوية , وعامودا في الحسكة , وفي بانياس وجبلة واللاذقية وريفها , بينما في حلب المدينة نرى أن هذه القناعة لم تصل إلى الذروة كما هو موجود في ريفها وخاصة عندان وتل رفعت والمناطق الثائرة في ريفها , وكذلك الأكراد , مازالت عدم الثقة في القادم , وما زالت الثقة المتارجحة في أن هذا النظام صار في حكم الساقط حتماً , جعل من قوة الأكراد مشتتة بين الثقة في الذات والنصر الأكيد والذي يتجلى في ذلك في درة الثورة عند الشعب الكردي في عامودا , والشباب الثائر الكردي والذي استطاع أن يتخلص من عقدة الخوف من المستقبل , وهو والشعب السوري الحر في كفة واحدة .
وهنا السؤال هل يمكن تقديم عذرأو أعذار للمظاهرات المؤيدة ؟
قبل الإجابة عن السؤال , لو سألت الغالبية العظمى من الذين يهتفون في المسيرة تلك , او استطعت أن تطلع على داخله لوجدته في كل شعار تأييد في داخله , يقابله الدعاء والهتاف بالسقوط للطاغية .
والسبب أن شعبنا تعود على المداهنة وتربى عليها , وتربى على النفاق والتزلف لذوي السلطة , في الظاهر , لمكاسب تنجيه من عذابات معينة (وكأنه يقول قبل اليد وادعوا عليها بالكسر ) .
فلم تستطع الفئات المؤيدة أن تتخلص من نفاقها أولاً, ولا استطاعت أن تثق في نفسها ثانية , ولا استطاعت تجاوز مرحلة الاحباط , وعندما تستطيع حلب المدينة وليست كلها , التخلص من الإحباط وأن النصر حتمي وأكيد , عندها ستفشل أي دعوة للتأييد وستجد عندها أهل حلب وشبابها وشاباتها تماثل إخوانها واخواتها في المحافظات الثائرة .
ولو عرف المترددون في حلب وباقي المدن , أنهم بالوقوف بقوة ضد الطغيان وقناعتهم أنهم منتصرون , لجعل من تهديد السلطة لهم ماهو إلا كالضراط على البلاط , ولصار التهديد من عندهم منطلقاً للطغاة وتدميرهم في الوقت القريب
فإن قلنا أنهم معذورون في عدم تمكنهم من الفهم فهذا ليس بعذر , وقد قالوها قديماً (إن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لاتدري فتلك أعظم ) لأنك لم تحاول أن تفهم الواقع وتهيء نفسك لمقاومة الأخطار والتي كانت تحيط فيك من كل جانب
وهنا نستطيع الاجابة عن السؤال أعلاه , فلا عذر لكل ساكت أو متردد أو مؤيد ظاهرياً , والسبب أن النظام الساقط هو كحامل فيروسات الوباء , وكل من يسانده ويدعمه ويتظاهر مؤيداً له فهو ناقل لهذا الوباء , وأول المتضررين فيه هم أهله وأبناؤه والمقربين منه.