نداء إلى أهل سوريا وإلى أهل حلب على وجه الخصوص

صلاح الدين الإدلبي

نداء إلى أهل سوريا وإلى أهل حلب

على وجه الخصوص

صلاح الدين بن أحمد الإدلبي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه.

وبعد، فقد كان والدي الشيخ أحمد الإدلبي رحمه الله يرى ما آلت إليه أحوال الأمة من بغي الحكام وظلمهم وابتعادهم عن إقامة شرع الله، وكنت أراه يتألم لذلك غاية الألم، وكثيرا ما سمعته يحكي عن جدي الشيخ محمد سعيد الإدلبي رحمه الله أنه كان كثيرا ما يتفكر في مثل هذا ويقول "أَمَا نحن مؤاخذين؟!".

وسمعته مرات كثيرات كذلك ينقل عن خال والدته الشيخ محمد نجيب سراج الدين رحمه الله أنه كان يقول في مثل هذا "لو أعرف عشرة من المشايخ صادقين!". أي لكنت أريتكم ما أصنع.

هكذا كانوا رحمهم الله تعالى ـ وهم نموذج من علماء حلب ـ يرون ضرورة القيام بعمل يزيح هذا المنكر عن كاهل الأمة، ولكنهم كانوا يرون شدة البأس وضراوة الواقع الذي لا قِبَل لهم به فيسكتون وقلوبهم تتحرق على هذا الواقع الأليم، وكانوا ينكرون بألسنتهم إذا سنحت لهم فرصة وأسعفهم الحال.

وكانوا مهاجرين للحكام الظالمين، حريصين على أن لا يقولوا كلمة فيها ثناء على الظالم أو قََبولٌ أو رِضًا بما كان يصنع، وكان لا يغيب عنهم ما رواه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمتْ".

وعلى نهجهم كان يسير مَن كان معاصرا لهم ومَن جاء بعدهم من العلماء الصادقين، فينكرون المنكر على قدر الاستطاعة، أحيانا باللسان، وعلى الأقل ينكرون بقلوبهم وقلوبهم وَجِلة.

وفي هذا السياق أنقل للإخوة الكرام ما ذكره ابن عبد البر رحمه الله في كتابه الكافي في فقه أهل المدينة حيث يقول: [سأل العمريُّ العابدُ وهو عبد الله بنُ عبد العزيز بنِ عبد الله بنِ عمر بن الخطاب رضي الله عنه مالكَ بنَ أنس فقال: يا أبا عبد الله، أيسعنا التخلفُ عن قتال من خرج عن أحكام الله عز وجل وحكم بغيرها؟. فقال مالك: "الأمر في ذلك إلى الكثرة والقلة"].

يا أهل سوريا على وجه العموم ويا أهل حلب على وجه الخصوص:

إن تحرير سوريا من حكم الظالم المجرم الطاغية بشار الأسد وأعوانه ـ فضلا عن كونه مطلبا اجتماعيا حيويا ـ هو كذلك فريضة دينية على كل مستطيع، وهو فرض على الكفاية، إذا قام به مَن تحْصلُ بهم الكفاية من أهل الاستطاعة سقط الإثم عن الباقين، وإلا أثموا جميعا.

فقد روى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".

وروى الشافعي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد في مسنده عن ابن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد".

وقال إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله كما في مسند الطيالسي: أراد مروان أن يأخذ أرض سعيد بن زيد فأبى عليه، وقال: [إن أتوني قاتلتهم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد"].

وروى أحمد في مسنده من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد".

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قُتل دون ماله فهو شهيد".

وروى الطيالسي من طريق رجل من بني مخزوم يحدث عن عمه أن معاوية أراد أن يأخذ الوَهْط من عبد الله بن عمرو فأمر مواليَه أن يتسلحوا، فقيل له في ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد". [الوَهْط قرية بالطائف على ثلاثة أميال من وجٍّ كانت لعمرو بن العاص، وكان قد عرَّش فيها ألفَ ألفِ عُود كَرْمٍ على ألف ألف خشبة].

وقال أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي كما في مصنف عبد الرزاق: أرسل معاوية إلى عامل له أن يأخذ الوَهْط، فبلغ ذلك عبدَ الله بن عمرو، فلبس سلاحه هو ومواليه وغلمته، وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون ماله مظلوما فهو شهيد". فكتب الأمير إلى معاوية، فكتب معاوية أنْ خَلِّ بينه وبين ماله.

وروى مسلم وابن حِبان في صحيحيهما عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يُؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".

يا أهل حلب على وجه الخصوص:

لا تسمعوا كلام المتخاذلين والمثبطين، الذين يحتجون بالروايات المعلولة المخالفة للأحاديث النبوية المتقدمة، كرواية "وأنْ لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان"، وكرواية "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمعْ وأطعْ".

إنكار المنكر واجب، فلينكرْ كلُّ واحد منكم على قدر استطاعته، وكونوا مع الله تعالى ومع رسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام، واعملوا تحت راية العلماء الصادقين الذين لا يخافون في الله لومة لائم.

واذكروا قول الله تعالى "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبَّ إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين".

واحذروا المتخاذلين والمثبطين، ولينصرنَّ اللهُ من ينصره، إن الله لقوي عزيز.

وكتبه صلاح الدين بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد سعيد الإدلبي في 22 رمضان 1432.