أيها المجلس الوطني الانتقالي السوري: أنا اعترف بك
أيها المجلس الوطني الانتقالي السوري:
أنا اعترف بك
أ.د. ناصر أحمد سنه - كاتب وأكاديمي من مصر
قرر "المجلس الانتقالي الوطني الليبي" الاثنين /10 اكتوبرالحالي الاعتراف "بالمجلس الوطني السوري"، كممثل وحيد للشعب السوري، و"إغلاق السفارة السورية في ليبيا".. وكذلك نقلت وسائل الإعلام إعتراف "التحالف الديمقراطي المصري"، الذي يضم عشرات الأحزاب والحركات والتكتلات المصرية إعترافه "بالمجلس الوطني السوري". وقد تقدم الاتحاد الأوروبي، الذى يستعد لفرض عقوبات جديدة على دمشق، خطوة باتجاه المجلس الوطني السورى من خلال ترحيبه بإنشائه ولكن من دون الذهاب ـ بعدـ إلى حد الاعتراف به. إذ قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى "كاثرين اشتون" أن "الاعتراف خطوة كبيرة ولن نقوم بها إلا عندما يرى الوزراء أنها الأمر الصائب".
هذا الإعتراف إنما اعتراف بثورة الشعب السورى الشقيق. وإعتراف بتحقيق حلمه في الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية شأنه شأن باقي الشعوب العربية.. في تونس مصر، وليبيا واليمن. فكما عانى الشعب الليبى، واليمني فإن معاناة الشعب السورى مماثلة. هناك نظام فى سوريا واليمن يقتل الشعب ويعتقله ويهجره، ويمارس الإرهاب، وقد دعما فى السابق نظام القذافى، فالأمور جد متشابهة بين ليبيا وسوريا واليمن".
تأسس، رسميا فى الثانى من أكتوبر الجاري في اسطنبول، المجلس الوطني السوري، وضم للمرة الأولى ما يزيد عن 80% من التيارات السياسية المعارضة للنظام السوري، لا سيما لجان التنسيق المحلية التي تشرف على التظاهرات. فضلاً عن الليبراليين وجماعة الإخوان المسلمين، وأحزابا كردية وآشوريين، ومستقلين. وقد أكد الدكتور "برهان غليون"، المعارض السياسي العضو البارز في المجلس الوطني الانتقالي، أن تشكيل المجلس في صيغته الأخيرة "خطوة مهمة جاءت بعد ستة أشهر من المساعي لتقريب وجهات النظر بين تيارات المعارضة". وأوضح أن المعارضة "نجحت بالدوحة في تأسيس أو الإعلان عن ائتلاف وطني يضم الكتل الرئيسة من الهيئة التنسيقية وإعلان دمشق والإخوان المسلمين". ويري أن "المجال لا يزال مفتوحاً أمام الجميع، فالمجلس فكرته أن لا يكون ممثلاً لتيار أو طيف واحد، ولكنْ إطار لجميع السوريين المؤمنين بضرورة إسقاط النظام، وهي النقطة التي يتفق عليها الجميع".
ويتألف المجلس الوطني من ثلاثة هياكل رئيسة وهي: الهيئة العامة والأمانة العامة والمكتب التنفيذي، وتتكون الهيئة العامة من 230 عضواً تنقسم الى كتل هي: كتلة الإخوان المسلمين، وكتلة إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي، وتستثنى منه الأحزاب الكردية لكونها ممثلة في الكتلة الكردية، وكتلة
مجلس اسطنبول الذي عقد في 15-9-2011، وكتلة المستقلين، والكتلة الكردية التي تضم أحزاباً وشخصيات مستقلة وتنسيقيات، وكتلة تنسيقيات الثورة وتضم لجان التنسيق المحلية، والمجلس الأعلى لقيادة الثورة، وبعض التنسيقيات المحلية.
أما الأمانة العامة فتتكون من 29 مقعداً موزعة بين مختلف التيارات والطوائف .وأخيراً المكتب التنفيذي ويتكون من ستة أعضاء قد يتم زيادتهم الى سبعة اعضاء خلال المشاورات التي يجريها اعضاء المجلس.
وكان المجلس السوري قد أعرب عن رغبته في القيام بجولة في بعض الدول الأجنبية لانتزاع الاعتراف به كممثل وحيد للشعب السوري. وكان وزير خارجية النظام السورى حذر من أن دمشق ستتخذ "إجراءات مشددة" ضد البلدان التى ستعترف بالمجلس الوطنى السورى، الهيئة التى وصفها بـ"غير الشرعية".
الشرعية هي التي يعطيها الشعب لمن يشاء، وينزعها عمن يشاء في تصويت فعلي عملي، وتظاهرات سلمية. لقد تحمل الشعب السوري، والليبي واليمني من قبل ـ ولشهور عديدةـ القتل والتمثيل والتشريد والإعتقال والتعذيب والإغتيال (وآخرها إغتيال المعارض السوري الكردي "مشعل تمو").
فعلي كل من يتردد ـ حكومات وشعوب وأحزاب وجماعات وأفراد ـ ويعيد حساباته مرة ومرة،أن يبادر إلي الإعتراف بهذه المجالس علي طريق التحرر والحرية والدولة الحديثة. فشرعية هذه المجالس مُستمدة من الشعوب التى تخرج فى تظاهرات تأييداً لها، وإضفاءً علي شرعيتها، والشعوب إلي إنتصار، والنظم إلي زوال. فما واجهه شعب نظام إستبدادي طاغوتي فاسد مفسد إلا وأنتصر عليه.
الإعتبار من درس "كوسوفا"
في الأسبوع الأخير من شهر أبريل من العام الماضي 2010م، نشر ـ كاتب هذه السطورـ مقالاً الكترونياً في عدد من المواقع عنوانه:" يا كوسوفا: عذراً لقد تأخرت في الاعتراف بك". يحكي فيه خواطر/ خلفيات/ شجون نشأت بمتابعة مشكلة "الجمهورية الوليدة".. جمهورية "كوسوفا" المستقلة منذ 17 فبراير 2008م. وتمر الأيام.. وتتغير الأحوال، بل تنقلب ـ بالثورات العربيةـ رأساُ علي عقب. ويفرح الكوسوفيون ـ رسمياً وشعبياًـ كما
فرحنا. فقد "هرموا أيضا كما هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية".
وشاعت أنباء وتجليات ومظاهر تلكم "الفرحة الكوسوفية العارمة" بسقوط "رأس النظام المصري". فقد عبروا عنها خلال لقائهم بالوفد الشعبي المصري ـ الذي زار العاصمة برشتينا مؤخراـ برئاسة السفير "محمد رفاعة
الطهطاوي" مساعد وزير الخارجية السابق، وعضو ائتلاف الثورة (ومعه ثلة من الصحفيين).
لقد خرج الدبلوماسيون والساسة الرسميون الكوسوفيون عن" تحفظاتهم التقليدية" للتعبير عن هذه الفرحة فأبدت رئيسة الجمهورية "عطيفة يحيي" تهنئتها لثوار التحرير وانتصار ارادة المصريين. كما عبر رئيس الوزراء الكوسوفي "هاشم تاجي" للوفد الشعبي: أزحتم ديكتاتوراً وعلي الثورة المصرية/ العربية ألا تتوقف حتي يتم التحرر من رموز الفساد والديكتاتورية التي أهدرت طاقات المسلمين والعرب.
علي جانب آخر.. طلب "أنور هوشيه" وزير الخارجية في الدولة الوليدة من الوفد الشعبي نقل تهنئة شعب كوسوفا بالقضاء علي "نظام كان معيناً للانظمة الفاشية والديكتاتورية في العالم". كل هذه التصريحات وغيرها من مظاهر معبرة عن فرحة عمت كوسوفا لها أسبابها وحيثياتها. لقد كان ـ الكثيرون ـ يستغربون هذا الحلف والتحالف بينه وبين النظام الصربي/ اليوغوسلافي البائد أيضا. والذي حاكمه المجتمع الدولي بتهمة التطهير العرقي والإبادة الجماعية لشعب كوسوفا. لقد وقف "رأس" النظام المصري البائد بالمرصاد للشعب الكوسوفي المسلم حيث رفض الاعتراف باعلان دولته منذ عامين. مما ساعد النظام الصربي الذي أباد المسلمين وقتل منهم نحو نصف مليون شخص علي مدي 10 سنوات من التطهير العرقي.
ويبقي الشاهد: إن تنسي الدول والشعوب مواقف بعينها لكنها لا تنسي أبداً من بادر وسارع وشارك في "ولادتها" وأعترف بها دولة مستقلة كغيرها من دول العالم. كما لا تنس من رفض وحرّض ووقف ضد الإعتراف بدولة قدمت تضحيات وتحملت فظاعات إحتلال عنصري دموي شوفيني بشع. وقد كان نظام مصر البائد/ المتخلي من هذا الصنف الأخير. فحُـق لكسوفا أن تفرح بذهابه، إلي حيث ذهب، كما فرح الشعب المصري بتخليه.
ينتظر الشعب السوري واليمني من الحكومات والشعوب العربية والإسلامية: الاعتراف بثورته السلمية، وتفهم توقه إلي الإنعتاق من ربقة الإستبداد والطغيان والفساد والإفساد. ودعمهما بكافة السبل.
لذا فمرحبا بتلكم المبادرات في الإعتراف بالمجلس الوطني الليبي والسوري واليمني، والأمل معقود علي إستتباعها بأخري رسمية. ويا جمهورية "كوسوفا"، ويا أيها المجلس الوطني السوري واليمني، ومن قبل الليبي: مرة ثانية وثالثة ورابعة: أنا اعترف بكم جميعاً. وعذرا إن جاء الاعتراف متأخراً.. فأن يأتي متأخراً خير من أن لا يأتي علي الإطلاق.
![]()