هل يريد متطرفو الأقباط إحراق مصر

حسام مقلد *

[email protected]

في تطور مريب ومفاجئ للكثيرين ألقى مجموعة من المتطرفين الأقباط كرة لهب كبيرة على وطننا العزيز مصر، وطننا جميعا نحن المصريين: سواء كنا مسلمين أو مسيحيين أو غير ذلك، وفي غضون دقائق معدودات اتسعت كرة النار لتحرق وتلتهم أجزاء كبيرة ومساحات واسعة من نسيج الوحدة الوطنية في مصر، البداية كانت بالاعتداء على بعض عناصر من الجيش المصري وإحراق العربات والمركبات العسكرية في شارع ماسبيرو أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون، ولا يُعرف على وجه التحديد ـ حتى كتابة هذه السطور ـ من هم الذين قاموا بهذا الاعتداء، ولا نفهم سر اشتعال حال الغضب وتفاقمها إلى هذا الحد، فالأخوة الأقباط كانوا يقومون بمسيراتهم وتظاهراتهم كالمعتاد تحت سمع وبصر قوات الجيش والشرطة العسكرية وقوات الأمن المكلفة بحماية  مبنى الإذاعة والتليفزيون، ولم يضايقها أحد، ولم تتعرض لأي اعتداء كما ظهر في صور مظاهرات الأقباط التي نقلتها جميع وسائل الإعلام العالمية، فما الذي أثار غضب المتظاهرين الأقباط ودفعهم للهجوم على جنود الجيش ورشقهم بالحجارة وحرق سياراتهم على هذا النحو المستفز المؤسف الذي رأيناه؟! وفي أي مكان في العالم ما هو الرد الطبيعي والتلقائي جدا المتوقع من هؤلاء الجنود الذين تعرضوا لهذا الاعتداء؟!

إن مسيرات الغضب القبطية لم تكن مبررة هذه المرة، وفيما يبدو أن مظاهراتهم العبثية كانت مؤامرة دبر لها بليل، فبحسب المحاضر الرسمية لم يكن مبنى مضيفة  قرية المريناب (مركز إدفو بمحافظة أسوان) كنيسة، وأراد بعض الأخوة الأقباط تحويله إلى كنيسة بدون ترخيص، وعندئذ اعترضت الجهات المسئولة وتم التعامل مع الوضع في حجمه البسيط وضمن إطاره الإداري الطبيعي، لكن أعداء مصر دفعوا بعض الأخوة الأقباط على تصوير الموقف وكأنه اعتداء إسلامي على حقوق الأقباط، ومنعهم من إقامة الكنائس وبناء دور العبادة، وأي مسلم منصف عاقل لا يمكنه أبدا أن يرضى بأي حيف أو ظلم يقع على الأقباط؛ لأن ذلك يعارض تماما تعاليم الإسلام السمحة، لكن الذي جرى هو تضخيم الموقف وتصعيده بصورة مؤسفة تنافي تماما الوقائع على الأرض، والحمد لله لم يكن هناك أية أطراف سلفية أو إسلامية هذه المرة ليلصقوا بها التهمة كمعظم التهم السابقة، بل لم يكن هناك قضية من الأساس فقرية المريناب هذه ـ بحسب بعض التقارير الصحفية والإعلامية ـ قرية صغيرة تقع في أعماق الصعيد، ويصل عدد سكانها إلى نحو عشرة آلاف نسمة جميعهم من المسلمين، ويقطن القرية عدة أسر لأخواننا الأقباط يبلغ إجمالي عدد أفرادها فقط خمسة وسبعين فردا، منسجمين تماما مع إخوانهم المسلمين، ويعيشون معهم في محبة وود وصفاء كبقية القرى والمدن المصرية، وعلى مسافة كيلو مترين اثنين فقط من القرية توجد كنيسة كبيرة في قرية تدعى قرية "الحاج زيدان" وعلى مسافة سبعة كيلومترات فقط من القرية توجد كنيسة أخرى أكبر وأوسع في مركز ومدينة ادفو، وهذا هو واقع جميع دور العبادة (مساجد وكنائس) في قرى ومدن مصر،  ففي كثير من القرى لا توجد المساجد على مسافة أقل من كيلومترين أو ثلاثة، ورغم أنني لا أفهم حقيقة أي مبرر لإقامة كنيسة لهذا العدد الضئيل من الناس في هذه القرية الصغيرة!! إلا أنه على أية حال ليس هناك أي مانع من إقامة كنيسة لهؤلاء الأخوة الأقباط في هذه القرية ولكن بالطرق الرسمية، وليس بمخالفة القانون والافتئات على السلطات المسئولة!

 

وكان من الممكن جدا أن تتم متابعة الأمر بمنتهى البساطة بشكل قانوني عادل حتى يتم البت في الموضوع وإنهائه بالطريقة المناسبة التي ترضي جمهور أخوتنا الأقباط، وتحافظ في نفس الوقت على مشاعر بقية سكان القرية، وتحقق مصلحة الجميع التي هي في النهاية مصلحة مصر، لكن أن يتجمع آلاف الأقباط ويعتصمون في ماسبيرو أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون على هذا النحو المستفز، وإظهار الأمر وكأن المسلمين يظلمونهم ويضطهدونهم في عقيدتهم بهذا الشكل عديم الرحمة فهذا أمر مرفوض تماما، ولا يتفق معه أي عاقل؛ لأنه يثير مشاعر الغضب ويستفز الشباب، ويراكم حالات الاحتقان والحقد والكراهية ويغذيها، ويؤدي هذا الشحن المستمر إلى انفجار الموقف على النحو المؤسف الذي رأيناه، إذ اندفع شباب الأقباط الغاضب إلى الاعتداء على أفراد الأمن وجنود الجيش بشكل مستفز للغاية، لم يتمالك معه بعض الجنود أعصابهم وقاموا تلقائيا بالدفاع عن أنفسهم، وهذا رد فعل عادي يحدث في كل دول العالم وقد رأيناه مؤخرا في لندن عندما اندلعت الاحتجاجات وأعمال العنف، ولم نسمع أحدا في العالم يتهم الشرطة البريطانية باضطهاد القائمين بأعمال الشغب، وعندما تفاقمت الأوضاع وامتدت أعمال العنف وتواصلت على مدى عدة أيام وصل الأمر إلى تهديد رئيس الوزراء البريطاني باستدعاء قوات الجيش للسيطرة على الموقف، ولم نسمع أحدا في العالمين يدين هذه التصريحات، بل وُضعت في سياقها الصحيح، وعلى الرغم من وقوع بعض الضحايا أثنى الكثيرون على موقف الحكومة البريطانية الحازم في التعامل مع الأحداث صيانة لأمن البلاد وسلامتها.

أما نحن هنا في مصر فكأننا بلد مستباحة بلا ضابط ولا رابط ولا حامٍ ولا واقٍ ولا جيش!! وها هم متطرفو الأقباط يطالبون بالتدخل الأجنبي في مصر لحماية الأقلية القبطية!! وها هي الأصابع الآثمة في الولايات المتحدة الأمريكية تتلقف فكرة الشيطان هذه وتدعو الكونجرس الأمريكي للضغط على الحكومة الأمريكية من أجل اتخاذ قرار يسمح بوضع مصر تحت الوصاية لحماية الأقباط، ويجري بكل مكر وخبث ودهاء تصوير هذه الاضطرابات وكأنها مذابح مروعة للمسيحيين في مصر!!

ونتساءل في حسرة ومرارة: أما آن الأوان لحكماء الأقباط أن يأخذوا على أيدي هؤلاء المتطرفين في الداخل والخارج لحماية الوطن من حريق هائل يوشك أن تلتهم نيرانه الأخضر واليابس؟! إننا جميعا ضد أي غبن أو ظلم يحيق بأي مواطن مصري مسلما كان أو مسيحيا، ولا نرضى مطلقا بهضم حقوق أي فئة كانت، وهذا هو صلب وجوهر الإسلام دين العدالة والمحبة والتسامح، ولا داعي هنا لتكرار الكلام التقليدي الذي لا نسأم من قوله وترديده في مثل هذه المواقف المؤسفة!

لكن إذا كنا بصدد معالجة المشكلة من جذورها فلا يستساغ أبدا إلقاء اللوم فقط على غلاة متطرفي أقباط المهجر، أو أية جهات خارجية مبهمة لا نعلمها على وجه التحديد، ونقول إنها تناصب مصر العداء وتسعى لإفشال الثورة المصرية وإفساد خطة الشعب المصري للتحرر والنهوض، وليس مطلوبا أن نتعامى عن الحقائق التي حدثت على أرض الواقع ورأيناها جميعا ورآها العالم كله على شاشات التلفزة: فمن الذي حرض آلاف الشباب الأقباط على القيام بأعمال العنف التي وقعت؟! من الذي رسم لهم الخطط؟! من الذي أمرهم بالاعتداء على أفراد الجيش وحرق سياراته العسكرية وهي ملك للشعب كله؟! ثم من الذي نفخ في قضية مضيفة قرية المريناب وجعلها كنيسة ثم ضخمها بهذا الشكل الخبيث الذي يحاول خداع العالم بادعائه أن الأمر هدمٌ لكنيسة وظلم صارخ للأقباط واضطهاد ديني مستمر لهم؟! وما هو موقف بعض القساوسة ورموز الأخوة الأقباط الذين يشاركون في تلك المظاهرات (كمحامي الكنيسة مثلا...)؟! طبعا من حقهم التظاهر والتعبير عن آرائهم بكل حرية كغيرهم من المواطنين المصريين الذين يتساوون جميعا أمام القانون في الحقوق والواجبات دون تفرقة بينهم على أساس الدين أو الجنس أو العرق أو اللون،لكن ألم يكن الأجدر بهم التأكد من واقعة مضيفة القرية المذكورة قبل التظاهر على هذا النحو الذي جرجرته أيادٍ خفية ـ لا نعلمها حتى كتابة هذه السطور...!! ـ إلى العدوان المسلح على أفراد وممتلكات الجيش المصري الذي هو جيش مصر ومهمته حماية جميع المصريين؟ أم أن متطرفو الأقباط يريدون أن يحرقوا مصر؟! وإذا كان الأمر كذلك فماذا يريدون أن يكتب عنهم التاريخ؟! إنهم يعلمون كغيرهم ويعلم جميع من وراءهم أن مصر ليست لقمة سائغة أبدا، فمصر الشامخة الأبية بأبنائها الشرفاء مسلمين وأقباط ستتصدى لأية مؤامرة خسيسة تريد النيل من عزتها وكرامتها، وستقطع أية أيدٍ قذرة خبيثة تمتد إليها بسوء، وبإذن الله تعالى ستواصل مسيرة ثورتها الشعبية المجيدة لتحقيق كامل أهدافها المشروعة، وبناء دولة مدنية عصرية ديمقراطية قوية غير تابعة لأحد!!!

                

 * كاتب إسلامي مصري