بهلوانيات النظام السوري

د. نور الدين صلاح

مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم الثورة السورية

رأينا قريباً آخر (بهلوانيات) النظام السوري في قضية زينب الحصني، متمثلة هذه البهلوانية بسيناريو رديء وإخراج بذيء، فالسيناريو كتب في أقبية الظلام الأمنية والإخراج تم في الإعلام الكاذب المضلل، مع احتقار للإنسانية والكرامة البشرية واستخفاف بكل شيء حتى بالقانون والمؤسسات المدنية، وأنا سأثبت حيال هذه القضية النقاط التالية :

1-   هذا مثال للتضليل الذي يمارس على الشعب السوري منذ عقود، ولا يمنع من الاشتراك في هذا التضليل أي جهة ولا يردع منه أي اعتبار، فهذا النظام قائم على التضليل ويكتسب آلية استمراره بمزيد من الخداع والكذب، فكل يوم كذبة جديدة، وكل يوم خداع جديد، وكل ليلة تضليل جديد، وما شعار الممانعة والمقاومة إلا إحدى عناوين التضليل الكبيرة، وما دعوى الإصلاح إلا كذبة كبيرة مماثلة لقضيتنا هذه

2-   هذا التضليل الذي مورس في قضية (زينب) ليس جديداً على الشعب السوري بل على الإعلام العالمي، رأيناه في قضية السفيرة السورية في باريس (لمياء شكور) ورأيناه في قضية (البياسي) ابن بانياس، فهذا كما يقولون (شنشنة نعرفها من أخزم) لكن اليوم القضية مختلفة لأنها شاركت فيها مؤسسات رسمية مختلفة زودت بوثائق رسمية وشهادة وفاة وإذن بالدفن وشاركت فيها مستشفى حكومي (العسكري) ومحافظ المدينة وأجبر الأمن أهلها على تحميل العصابات المسلحة مسؤولية قتلها، فكيف قتلتها العصابات حسب روايات الأمن وهي ما تزال حية

3-   والرواية الهزيلة التي رواها التلفزيون السوري من أن زينب كانت هاربة ولجأت عند جيران أو معارف ثم سلمت نفسها للشرطة، وكأنها لم تسمع بنبأ وفاتها ودفنها على كل لسان لتظهر في الوقت المتأخر الذي حدده الإعلام السوري لها وقد بلغت من القسوة إلى حد أنها لا تتصل بأمها لتبريد قلبها وخاصة قد استشهد أخوها قبلها، وهنا نطالب منظمات حقوق الإنسان في العالم أن تحقق في هذه القضية وأن تضمن سلامة زينب فهي مفتاح الحقيقة، ومن يدري لعل هذا التصوير كان قبل قتلها وتسليمها فلا شيء يستبعد على هذه الأجهزة المجرمة المضللة

4-   وعلى كل الأحوال لقد تسلم الأهل جثة بنت مقطعة مشوهة المعالم بسبب (الأسيد) الذي صب عليها فسلخ الجلد وغيّر المعالم، وإذا كان هذا المشهد جزءاً من هذه التمثيلية الحقيرة فليعلم العالم ما وصل إليه استخفاف هذا النظام بالكرامة الإنسانية والحياة البشرية، وهذه الجثة إذا لم تكن لزينب الحصني فهي جثة مواطنة سورية لها اسم ولها قضية ولا تغير من واقع الظلم والقمع والقتل والتمثيل والتشويه شيئاً

5-   ولقد أدركت تحدي (طالب إبراهيم) لمناظره (المرزوقي) في قناة الجزيرة بكل ثقة واطمئنان بأنه يتحداه ويتحدى الذي خلقه بإثبات أن الأمن هو الذي قتلها، فهو يعلم أنها لم تقتل وأنها تمثيلية أمنية الإخراج وهذا بدوره يدل على أن هذه الأبواق هي جزء من النظام الأمني وخاصة (طالب إبراهيم) فهو على رتبة عالية من السلك الأمني بحيث سمح له بحمل هذا السر (تمثيلية زينب) والسفر بها خارج أرض الوطن مع خطورة كشفه

6-   ولقد فكرت ملياً ما الذي حمل النظام على هذه المسرحية الهزلية فوجدت لذلك أسباباً أهمها :

·        مدى الإفلاس الإعلامي لهذا النظام فلم يعد لديه ما يقوله للناس والعالم، وقد أدمن على رواية واحدة خلال أشهر لم يقم دليلاً واحداً عليها ولم يقتنع بها أحد في الداخل ولا في الخارج وهي رواية العصابات المجهولة التي ليس لها ناطق رسمي وتقتل الجميع ولا يعلم أحد من أين جاءت ولا من وراءها وما هي أهدافها، فهذه القضية يمكن أن تكون مادة ثرية ليستهلك ويشتري بها الإعلام السوري الوقت وليلعب دور الضحية وليلبس مسوح عقدة الاضطهاد

·        إشغال الرأي العام عن القضية الأساسية بافتعال فقاقيع وبالونات إعلامية هنا أو هناك بحيث ستنزف أحاديث الناس واهتماماتهم وصرفهم عن القضية الأم التي هي الثورة ومطالبها المحقة وإنجازاتها العظيمة

·        التشكيك في المواقع والقنوات والجهات التي يراها النظام معادية وذلك بإضعاف مصداقيتها من خلال ممارسة التضليل عليها، وهذا الهدف وإن ظنه النظام أنه سينجح لكنه سيفشل إذ سيحول كل هذه المواقع والقنوات والجهات إلى أعداء حقيقيين لشعورهم بممارسة التضليل عليهم، وهذا من غباء النظام وإفلاسه فهو يظن أن الدراما السورية التي سوقت (باب الحارة) وأماتت أبا عصام في نهاية الجزء الأول وأخرج المخرج جنازته في بداية الجزء الثاني ليكتشف الناس في نهاية الجزء الخامس أن أبا عصام ما زال حياً ويرسل الرسائل إلى أهله، إذن فمن ذاك الذي دفن وخدعنا المخرج بجنازته، قد يقبل هذا في (الدراما) وإن كان أحياناً يبدو سخيفاً لاستخفافه بعقول المشاهدين لكنه لا يقبل بحال في عالم الواقع والتلاعب بجثث الناس ومشاعرهم ومصائر أبنائهم وبناتهم، ويبدو أن الأمن السوري بدأ يستعين بعباقرة وشبيحة المخرجين والفنانين السوريين

·        تحقيق انتصار في إحدى جولات الحرب الإعلامية، فلا شك هناك حرب إعلامية، وذلك بإحباط الجماهير الذين عولوا على هذه الرواية ووجدوها مادة خصبة لأدبياتهم ووسائلهم المتنوعة في إثبات همجية هذا النظام فظن النظام أنه بتكذيب هذه الرواية يتم تكذيب هذه الحقيقة، ونسوا أن هذه القضية إحدى الشواهد والشهود وهي غيض من فيض، لا بل ستعطي رواية الإعلام السوري مزيداً من القناعة عند الناس بمدى استخفاف هذا النظام بالحياة البشرية والمشاعر الإنسانية ليجعل منها صفقة إعلامية رخيصة يروج من خلالها كذباً ممقوتاً، وأنا أطمئن النظام أنه لم يكسب هذه الجولة الإعلامية بل خسرها، وإذا كان يتوقع أن يفقد المصداقية لمن نقل ونشر، فالوثائق والقرائن كلها رسمية محلية، مما يجعل المواطن السوري بل المتابع الخارجي لا يفقد الثقة بالنظام السوري وإعلامه فحسب بل يفقد الثقة حتى بمؤسساته التي يفترض أن تكون مدنية، فقد سيّس النظام كل شيء قابل للتسييس، وكنا نسمع أن النظام يكذب حتى في نشرة الأحوال الجوية لأهداف سياسية، ويكذب في التاريخ ويكذب في الجغرافيا، ويكذب في نتائج المباريات الرياضية، ومستعد أن يكذب في الحقائق الساطعة كضوء الشمس في وضح النهار، فقد ثبت للجميع أن هذا النظام لا يستحي، وهذا جزء من مخطط كسر كرامة المواطن، فاستحقار النظام لعقلية المواطن بهذا الشكل ليجعله حقيراً في نفسه، وإهانته بهذه الطريقة ليصبح في نفسه مهاناً ويعيش عقدة الظلم والاضطهاد والاستحقار

7-   وإذا كان النظام قد مارس التضليل بقضية زينب فهل يستطيع أن يقول لنا من قتل أخاها محمداً بعد أن اعتقله النظام فهل سلمه النظام للمسلحين المندسين ليقتلوه ويسلموه، وليخبرنا النظام من قتل حمزة الخطيب ومثل بجثمانه وهل سلمه النظام للمندسين ليفعلوا به ذلك ثم ليعيدوه إلى النظام ليقوم بدوره بتسليمه بهذه الصورة إلى أهله المساكين، هذا النظام باختصار هو عصابة إجرامية يمارس كل ما تمارسه العصابات المجرمة بكل مفردات الإجرام، فهو يمارس الاختطاف وطلب الفدية على المختطفين وهذا ثابت وموثق، وهو يمارس الاغتيال والتصفية الجسدية واتهام الخصوم وخلط الأوراق، وهو يمارس التهديد والوعيد حتى على معارضة الخارج، ويمارس أخذ الرهائن بدلاً من المطلوبين ليجبرهم على تسليم أنفسهم، ويمارس ابتزاز الخصوم والمعارضين ىبشتى صور الابتزاز المادي والمعنوي، ويمارس كل أشكال السادية في التعذيب والتنكيل وانتزاع الاعترافات حتى ولو كانت غير صحيحة، وهو بلد السور الحديدي الذي يخفى فيه كل شيء ، تغير طائرات إسرائيل على إحدى مواقعه (الكبر) فلا يعلم الناس هذا إلا من الإعلام الإسرائيلي بعد أسبوعين، ويقتل (عماد مغنية) ولا تعلم التفاصيل إلى يومنا هذا، وتحدث مجزرة (صيدنايا) وإلى الآن لا توجد رواية رسمية لما حدث، وكم عدد القتلى وما أسماء المقتولين، هذا النظام يعيش في الظلام ويريد للناس أن يعيشوا مثله في الظلام، والظلام خير وسط وبيئة لممارسة كل أشكال التجاوزات والجرائم والسلب والنهب والتضليل

وفي الختام إن قضية زينب ستزيد الناس ثقة بأن هذا النظام لا يمكن أن يوثق به بحال، وهو فاقد الشرعية والقيم والوطنية بل فاقد الإنسانية، وسيصبح طلب إسقاطه أكثر إلحاحاً وصمود الثائرين على تحقيق ذلك أكثر إصراراً.