مابين الجيش المنشق والمعارضة
شهدت سوريا الأسبوع المنصرم تضييقاً وخناقاً في بعض المدن السورية، وكان أبرزها مناطق تلبيسة والرستن بمحافظة حمص، فقد تعرضت مدينة الرستن في ريف حمص لعنف متزايد وصفه الكثيرون بحرب إبادة، وحوصرت بالدبابات وهدمت بيوتها ومساجدها واستهدفت مآذنها بالقصف بأسلحة ثقيلة من دبابات ورشاشات واستخدم الطيران الحربي في العملية العسكرية على البلدة، هذا التصعيد جاء بعد انشقاق المزيد من الضباط والجنود الذين رفضوا المشاركة في مجازر بحق المدنيين، كما لوحظ قيام أجهزة بالقيام بمزيد من الاعتقالات وجرائم اختطاف واغتصاب فتياتٍ من مدنٍ ومناطق عدّة منها برزة في دمشق وحمص بحسب شهودٍ من المدينتين، وكان أبرز تلك الحالات الشهيدة زينب الحصني في مدينة حمص، كما تم اقتحام مدرسة في أحد أحياء حمص بعد هتافات الأطفال بإسقاط النظام مما أدى لقتل العديد من الأطفال واعتقال عدد آخر، وفي تلبيسة هدمت أكثر من عشرة بيوت بشكلٍ كامل مساء الأربعاء وصباح الخميس إثر قصفٍ عنيف على البلدة، وفي تصعيد جديد، قامت قوات الأمن لأول مرة منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس الماضي باغتيالات في صفوف علماء وأساتذة جامعات، وكان أبرز عمليات الاغتيال تلك اغتيال المهندس النووي أوس خليل بمدينة حمص.
وفي جمعة "النصر لشامنا ويمننا" - كما أسمتها اللجان التنظيمية للمظاهرات في اليمن وسوريا كأول أسم موحد يظهر بين ثورتين في ربيع الثورات العربية – سقط ما يقارب من 32 شهيد، 16 شخص منهم قتلوا في ريف حماة في اشتباكات بين الجيش والأمن كما سقط بعض الجنود المنشقين اثر دفاعهم عن أهالي المدينة، و 13 شخص في حمص، واثنان في ريف دمشق وواحد في إدلب، كما شهدت مدينة الرستن اقتحام 250 دبابة ومدرعة المدينة استمراراً لحملة تشنها قوات الأمن منذ ما يزيد عن أربعة أيام تستهدف فيها بعض المناطق بمحافظة حمص، وشهدت غالبية المدن السورية مظاهرات خلال يوم الجمعة، فخرجت المظاهرات من حماة وأحيائها وريفها وحمص وريفها وحوران وإدلب ودير الزور وحلب وريفها ودمشق في عدة مواقع وريفها الذي لم يهدأ منذ بداية الثورة، وعادت هذه المظاهرات لتتجدد بعد العصر وفي المساء، رافعين شعارات المطالبة بإسقاط النظام وحماية ونصرة المدن والقرى المحاصرة، وقد أعتقلت الناشطة مروة الغميان من المطار وهذه المرة الثانية التي تعتقل فيها بعد اعتقالها في أول المظاهرات التي انطلقت في سوق الحميدية في 15 آذار/مارس المنصرم.
وفي صعيد انشقاقات الجيش برزت العديد من الانشقاقات العديدة في الفترة الماضية، وبحسب العديد من الناشطين أن اقتحام مدينة الرستن الذي حدث مؤخراً بسبب وجود مايقارب ألفين عنصر من عناصر الجيش المنشقين في المدينة، وفي تطور آلية عمل الجنود المنشقين اتحد لواء الضباط الأحرار مع الجيش السوري الحر، وكان العقيد المنشق رياض الأسعد – قائد الجيش السوري الحر - قد ذكر أن الجنود المنشقين يشنون هجمات باستخدام نمط حرب العصابات تركز على المخابرات الحربية ومخابرات القوات الجوية، وهي الشرطة السرية داخل صفوف الجيش والتي تعمل على ضمان عدم حدوث تمرد في الجيش، وقال الأسعد إن معنويات الجيش منخفضة وإن الانشقاقات تتزايد في أنحاء سوريا لكن جنودا كثيرين لا يتركون الجيش خوفا من أن يقتلهم النظام أو يقتل عائلاتهم. وأوضح أن هدف الجيش الحر هو حماية المظاهرات السلمية وإسقاط النظام، وقال إن أكثر من عشرة آلاف جندي انشقوا عن الجيش، وقد قام الجيش السوري الحر بسلسلة من العمليات العسكرية في حمص ضد حواجز الأمن السوري في محاولة للتخفيف عن الرستن وتلبيسة، وأعلن قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد عن تشكيل كتيبة جديدة في درعا (كتيبة العمري) وعُيّن النقيب قيس دياب القطاعنة قائداً لها، ومن ضمن أعمال الكتيبة تم تشكيل مجموعة الفجر للعمليات الخاصة.
على صعيد المعارضة وتحركاتها عقدت قوى المعارضة الرئيسية ممثلة بالإخوان المسلمين وإعلان دمشق والهيئة الإدارية المؤقتة للمجلس الوطني السوري وعدد من الأحزاب الكرديةوالقوى الأخرى طاولة مستديرة في تركيا لتوحيد صفوف المعارضة والخروج بكيان قادر على تمثيل المعارضة، من جهته اعترض المعارض المسيحي البارز ميشيل كيلو على هذه التحركات وقال أنه يرفض الانضمام للمجلس، ويُنتظر أن يتم الإعلان عن التشكيلة النهائية في غضون أيام.
على الصعيد الدولي لا تزال الدول الأوروبية تسعى إلى زيادة الضغوط على نظام الأسد و تفشل في مواجهة التعنت الذي تبديه روسيا أثناء التداولات في مجلس الأمن فقد وزعت بريطانيا و فرنسا مشروع قرار يدين سوريا لكنه يخلو من دعوة لفرض عقوبات فورية على دمشق و إنما دعوة للتهديد بفرض عقوبات مستقبلية. على صعيد آخر تصاعدت اللهجة المنددة بسلوك نظام الأسد من داخل سوريا على لسان السفير البريطاني و الفرنسي و غيرهم من السفراء، كما احتجت فرنسا على مهاجمة سفيرها في دمشق بالحجارة و البيض من قبل مناصري نظام الأسد، الهجوم الذي لم يسلم منه حتى السفير الأمريكي في دمشق بعد زيارته المعارض حسن عبد العظيم، و الذي أدى إلى أزمة دبلوماسية حقيقية بين الولايات المتحدة و سوريا آخرها الإدانة الشديدة للهجوم من قبل وزيرة الخارجية كلينتون و استدعاء السفير السوري في الولايات المتحدة و تحميله رسالة شديدة اللهجة للحكومة السورية مما ورد فيها "أننا نستغرب وصول القوات السورية إلى أي مظاهرة في دمشق خلال دقائق و استغراقها ساعتين للوصول إلى السفير الأمريكي". و في لقاء جمع بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم و الأمين العام للأمم المتحدة وُصف باللقاء السيئ من مصادر دولية لتخلله "مواجهات حادة" و أن الأمين العام أبدى بالغ الغضب من أجواء اللقاء و ما سمعه من المعلم الذي استخدم لغة وصفت "بغير الدبلوماسية".
على الصعيد التركي نقلت وكالة رويترز أن الحكومة التركية تحضر قائمة عقوبات ضد نظام الأسد لاستكمال حظر الأسلحة الذي شرعت به انقرا مؤخراً، العقوبات وصفتها الحكومة التركية بالعقوبات "على النظام وليس الشعب". من جانبه استمرت روسيا و الصين بالإضافة إلى الهند و البرازيل و جنوب أفريقيا بالتهديد بفرض الفيتو على أي قرار ينص على عقوبات على النظام السوري، بينما ترى الصين في نفس الوقت أن على المجتمع الدولي أن يتحرك بحذر. و على المستوى العربي لا يزال الجمهور الدولي و العربي ينتظر أي تحرك حقيقي كما عبر وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط البريطاني بأن ما يحول دون قدرتنا على عمل أي شيء حيال الوضع في سوريا إلى جانب الفيتو الروسي و الصيني هو عدم وجود عربي موحد تجاه الوضع في سوريا.