هذا هو التعصب بعينه
د. إيمان مصطفى البُغَا
ما قامت معارك الإسلام منذ البداية من أجل أن تفرض حكم الإسلام , وإنما قامت في وجه من يقف ضد تبليغه .. تماماً كما ينعى اليوم على من لا يتقبل الرأي الآخر: فلتفتح الأبواب لعرض أحكام الإسلام بالحجة والمنطق , وليكن لدى هؤلاء الرافضين له من سعة الصدر ما يجعلهم يسمعونه ، بل ويتركون المجال لغيرهم ليسمعوه .. ولتقف تلك الحملة الشعواء ضد عرضه ..
لا يكون التعصب في شدة التمسك بالحق , وإنما في الوقوف ضد الحق , فهذا هو التعصب بعينه .. سمعت ندوة على التلفاز : وكان يحضرها عالم مسلم ومعه عدة أشخاص مختلفي التوجه , وكان موضوع الندوة حول قانون يتعلق بالجنايات وعن قصور القانون عن تلبية الكثير من النقاط , فقال العالم المسلم : الإسلام أوجد حلّاً لهذه المشكلات وهو كذا وكذا ... فامتعض البقية قائلين : أبعدنا عن الأيديولوجيات !!!!
يا للتعصب !!
أليس الرفض لأحكام هي الحل لمشكلات البشرية هو التعصب بعينه ؟؟
والسؤال المهم : لماذا هذا الرفض ؟ ومم يتخوفون ؟
لن يجد أحد ما في أي حكم من أحكام الإسلام مجالاً لما تكره النفس الفاضلة حتى ولو رفض الالتزام به : فلكل حكم كيفية لمن يريد تطبيقه ولمن لا يريد .. مما يجعل كل أمر وكل حق يوضع في موضعه الصحيح بكل حكمة ودقة .. ..
ولأذكر مثالاً توضيحاً على ذلك : مثلاً حرمة الخمر , عندما يقول الإسلام إن الخمر حرام لا يؤذي أحداً بهذه الفكرة لأنه ما من عقيدة تقول بأن الخمر واجب .. هذه واحدة , ثم إنه لا يمنع غير المسلم من شربها , وإنما يمنعه من شربها على قارعة الطريق , وأما المسلم فيعاقبه على شربها عندما تقوم عليه البينة , ولكن كيف تقوم عليه البينة إلا إذا شربها علناً ؟ أما إذا شربها داخل بيته فلن يراه أحد , من هنا يتبين أن الإسلام في هذا النوع من الأحكام يمنع شيوع الموبقات , ولكن فيما وراء ذلك : من اختار أن يفعل الموبقات بينه وبين نفسه فليفعل وحسابه على الله .. وعلى هذا المنوال ينسج ... ولا يمكن أن يرفض أحد ما هذا إلا إذا كان عدوّاً للفضائل , ومن الطبيعي أن من يعادي الفضائل لا يستحق أن نهمل قوانين الحق من أجل سواد عيونه أو زرقتها.
![]()