رسالة الشباب العربي لإسرائيل... هل وصلت

رسالة الشباب العربي لإسرائيل...

هل وصلت؟!!

حسام مقلد *

[email protected]

ما زالت القضية الفلسطينية ضائعة وممزقة بسبب الانقسام الفلسطيني والوهن العربي والضعف الإسلامي، ولا زالت لهجة الغطرسة الصهيونية ولغة الصلف والغرور والكبرياء التي يتحدث بها قادة الكيان الصهيوني على حالها معتمدين على الممالأة الغربية والدعم الأمريكي اللامحدود، ويغذي نزعة التطرف والاستقواء لدى الصهاينة  ضعف العرب وتشتتهم، وهوانهم على أنفسهم وعلى الآخرين، وأما خرافة السلام والحديث عنه فوهم كبير وأفيون لإلهاء و تخدير الفلسطينيين والشعوب العربية!

ورغم كل هذه التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاقات أوسلو لم تحصل في المقابل على شيء ذي بال، ولم يزد دورها على أن تكون وكيلا لقوات الاحتلال الإسرائيلي وبديلا عنه في قمع المقاومة الفلسطينية، وأمام كل هذا العنت الصهيوني والدعم الأمريكي والغربي غير المشروط لإسرائيل، وبعد مرور قرابة عقدين كاملين على ما يسمى بمباحثات السلام  وجدت السلطة الفلسطينية أنها كانت تحرث في البحر، وأنها لم تجنِ من كل هذه المفاوضات سوى الوهم والسراب وضياع الأوقات وتبديد الجهود والطاقات، وأخيرا قرر محمود عباس (أبو مازن) الذهاب إلى الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية فيها، ورغم رمزية هذه الخطوة وأنها لن تقدم شيئا مهما على أرض الواقع للفلسطينيين، ورغم وجود حالة من الجدل الواسع حول جدوى الاعتراف بدولة فلسطينية هلامية بلا حدود واضحة وبلا سيادة وبلا عودة للاجئين... رغم كل ذلك رفض أوباما هذه الفكرة، وهددت الولايات المتحدة باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار بهذا الخصوص يناقش في مجلس الأمن الدولي، وهو ما يعني عمليا إجهاض مساعي الفلسطينيين للحصول على اعتراف دولي بدولتهم، حتى مع كونها دولة هلامية بلا سيادة حقيقية دولة مقطعة الأوصال منزوعة السلاح، وهذا يعطينا إشارة ذات دلالة مهمة وهي أن الوسيط الأمريكي في عملية السلام المزعومة بين العرب وإسرائيل ليس نزيها أبدا، بل منحازا تمام الانحياز لدولة الكيان الصهيوني، وأن لا نية حقيقية لديه للسماح بقيام دويلة فلسطينية، وأن مفاوضات السلام ما هي في الواقع إلا مسرحية ممتدة العرض لكسب الوقت والضحك على العرب والمسلمين، والتمكين عمليا كل يوم لإسرائيل من خلال تغيير الحقائق على الأرض عبر التهويد والاستيطان ومصادرة منازل الفلسطينيين، والاستيلاء على مزارعهم وممتلكاتهم! هذه هي الخطة إذن وهذا هو الموقف السياسي الذي يستغل الأوضاع الإقليمية والعالمية، وهي حاليا ليست في صالح الفلسطينيين!!

لكن الربيع العربي أفرز نتيجة غاية في الأهمية وأحسبها كانت مفاجِئة للساسة الصهاينة والأمريكيين والأوربيين، فها هي أجيال جديدة من الشباب العربي لا تتجاوز أعمارهم الخامسة عشرة يعبرون عن كراهيتهم العميقة لإسرائيل، ويرفضون وجود هذا الجسم الغريب في جسد الأمة العربية، وهؤلاء الشبيبة ليسوا من فلسطين وحسب بل من كافة الأقطار العربية (والإسلامية...) والأجمل أنهم ليسوا عينة حصرية من الشباب المؤدلج المحمل بالفكرة الإسلامية مثلا، بل هم شباب غض يعبر بفطرته عن قناعة راسخة لديه، وفي هذا ضربة قوية لكل المحاولات الصهيونية على امتداد العقود الماضية لتحسين صورتها في أعين الشباب العربي وتزييف وعيهم التاريخي، واستمالتهم لقبول فكرة تواجد دولة يهودية صهيونية في عمق أراضيهم!

وعقب أحداث السفارة الإسرائيلية في القاهرة سمعنا بعض المفكرين والمنظرين الصهاينة يتساءلون: لماذا يكرهنا المصريون؟! وهذا التساؤل الغريب يتعامى عن الواقع وفيه من التضليل ما فيه سواء تضليل الآخر أو تضليل الذات، والمنطقي أن يتساءل هؤلاء: ولماذا يحبنا المصريون؟! نعم لماذا نحبهم؟! إن ذاكرتنا القريبة جدا متخمة بمشاهد الجرائم الإسرائيلية التي نصحو وننام عليها كل يوم، مشاهد الحرب والدماء والدمار والخراب والعنف والقتل، فهل ننسى تدمير أهلنا وشعبنا الأعزل في غزة الصابرة المجاهدة؟! هل ننسى صور آلاف الضحايا والقتلى الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب وحتى المعاقين؟! هل ننسى صور مئات الأطفال الذين ذبحهم جنود الاحتلال الصهيوني وأشلاؤهم تسبح في بحار من الدم المسفوح؟ هل ننسى طلقات الرصاص تخترق جسد الطفل الصغير محمد الدرة  وهو متكور كعصفور مبتل في حجر والده؟! هل ننسى صور المعاقين الذين اقتلع جنود إسرائيل أعينهم وهشموا عظامهم وكسروا ضلوعهم وأرجلهم وأيديهم؟ هل ننسى صور الثكالى والأرامل؟! هل ننسى صور أشلاء الشهداء والناس يجمعونها في حالة من الذعر والهلع؟!!

نعم، لماذا نحب إسرائيل؟! أي مشاهد للفرح والبهجة أو الرحمة والإنسانية خلفها الصهاينة الغادرون في ذاكرتنا؟! لقد تعاطفنا مع اليهود وهم يتعرضون للاضطهاد النازي؟! أفمن العدل أن ندفع نحن الثمن عن جريمة لم نرتكبها؟! أمن المقبول أن يشرد شعب بكامله وتنتهك حرماته وتغتصب أرضه وتعطى لشعب آخر؟! أهذا هو عدل الدول المتحضرة التي أرادت أن تكفر عن خطأ ارتكبه بعض أبنائها؟! لقد قبل حكامنا السلام على أساس حل الدولتين ورضي بعضنا بذلك لدعم الاستقرار والبناء في المنطقة، لكننا لم نرَ من الصهاينة إلا المكر والخداع والمماطلة والتسويف والإسراف في إذلال حكامنا، ورمي مبادرة السلام العربية في وجوههم مرارا وتكرارا، وكلما دندن حكامنا بالسلام ازداد الصهاينة علوا واستكبارا، وتمادوا في احتقارنا والاستخفاف بنا وبمشاعرنا، ولا يزالون يضربون حصارهم الظالم غير المشروع على غزة الأبية، ولا يزال أكثر من مليون ونصف المليون إنسان من أبنائها محرومين من حق الحياة الكريمة بسبب هذا الحصار الفاجر، وهذا مجرد شيء يسير جدا مما تختزنه ذاكرتنا عن الإجرام الإسرائيلي بحق أطفالنا ونسائنا وأبنائنا، ولن نستدعي صور ضحايا مدرسة بحر البقر، ومذابح دير ياسين، وقتل الأسرى المصريين... كل هذا السجل الحافل بالجرائم الصهيونية الآثمة ويتساءلون لماذا نكره إسرائيل؟!!!

عموما لا داعي لنكئ الجراح ونبش الأحزان، وهي لم تُنْسَ على أية حال، لكن الرسالة البليغة التي أرسلها طلائع الشبيبة العرب في مصر وتونس وليبيا وسوريا وفلسطين وفي كل أرض عربية وإسلامية أبلغ من أي كلام يقال، وأوضح من أي بيان أو تنظير، وأحسب أن إسرائيل اليوم لا خيار أمامها سوى الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولن ينفعها على المدى المتوسط (وربما القريب وليس البعيد كما يتوهمون...!!) إلا قبول هدنة طويلة المدى مع الفلسطينيين والعرب، تضمن من خلالها العيش في أمن وسلام سنوات أخرى، فعليها الإسراع في قبول ما يعرض عليها الآن، وإن رفضت واستكبرت كعادتها فرسالة الشباب العربي حاسمة وواضحة لا لبس فيها، والشعوب الحية لا تموت أبدا، فيذهب الحكام، وتتغير الظروف وموازين القوى، وتبقى الشعوب قوية هادرة لا تنسى حقوقها أبدا مهما طال الزمن... وإن غدا لناظره قريب!!

                

 * كاتب إسلامي مصري