مجنون في بغداد وطالب إبراهيم أبو عبد الله في دمشق

مجنون في بغداد

وطالب إبراهيم أبو عبد الله في دمشق

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

في صباح يوم من أيام الصيف في بغداد , خرجت من بيتي متجهاً لوسط المدينة , واسقليت الباص متجهاً إلى هناك , وبينما كنت أراقب المارة والشارع ومايحيط فيه وحوله شدني منظر غريب مثير للضحك

كنا قد وصلنا بجانب حديقة الزوراء الشهيرة في بغداد , والزمن كان قبل الاحتلال الأمريكي , على اليمين تقع الحديقة وعلى اليسار يوجد المعهد الفني , وبينهما جزرة وسطية عريضة نوعاً ما , أمام بناء المعهد الفني يوجد تماثيل متعددة الأشكال والأنواع وكان الوقت أثناء دخول الطلبة والطالبات للمعهد

من المعتاد لنا أن نر دائما هناك رجل مجنون مسالم , يجلس بجانب المعهد أو في الجزرة الوسطية وثيابه لاتغطي إلا النذر اليسير من جسده , يجلس على الأرض وأحيانا يغط في نوم عميق , والظاهر من جسده , لايفرق منظره عن منظر ثيابه الوسخة والمليئة بالشحم والزيوت , ومن النادر أن تجد في جسده الظاهر بقعة بيضاء

في هذا اليوم بالذات على مايبدو تطورت لحظات الجنون عنده , وأحب أن يثير المارة أكثر , وحتى يكون ذلك الأمر مثيراً أكثر قرر المجنون كما يبدو من منظره , في أن ينزع عنه ثيابه الوسخة والتي تلطخت من جسده ولطخت جسده بالشحوم والزيوت وأقذار الطريق , بحيث كان واقفاً في الجزرة الوسطية قبالة باب المعهد الفني ماداً ذراعيه بالكامل باتجاه الشرق والغرب ورجليه في وضعية استراحة ورأسه مرفوع للأعلى , ولا يستر جسمه شيء من اللباس , وكأنه تمثال من البرونز لم يغسل منذ فترة طويلة

لقد جن الرجل أصبح ينطق بعصبية , يكذب كل صورة وكل حديث , يقول عن مجموعة كبيرة من الناس تتظاهر في الشوارع والمدن السورية , هذا باطل والجزيرة تكذب والعالم كله يكذب , ولا يوجد في سورية أية مظاهرات ولا يوجد انشقاق عسكري واحد وهذا السفير الأمريكي يقول قبل ستة أشهر , أن الجيش السوري متماسك , إنه استاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق طالب أبو عبدالله

فلو قارنا بين مجنون بغداد واستاذ العلاقات الدولية , فذك المجنون ثيابه وسخة وجسمه أوسخ , ولكن لايوجد منه ضرر يمتد للآخرين , تصرفات فاقد للعقل , وطالب أبوعبدالله يتصرف بكامل وعيه ,المجنون أحب أن يعبر عن الواقع في مصداقية يراها صحيحة , في أنه أراد أن يقلد منظر التمثال المقابل له فجعل نفسه , مشابهاً لهذا الصنم , ولن يعتب عليه أحد وإنما يقولون ماهو إلا فاقد للعقل , هو لم يقل للأصنام سوف أحطمكم وإنما تماشى مع مايراه , بينما البوق يقول , كل من يتظاهر فيجب قتله وتقطيعه , هو يصدق رواية السفير الأمريكي وقبلها يقول : كل مايصدر عن السفير الأمريكي كذب

لن يمر وقت طويل ؟؟!!

سقط النظام في سورية , واستقر الوضع فيها , والثورة حققت أهدافها في الحرية والعدل والمساوات واختارت السلطة التي بحاجة إليها لتنظيم كافة شئون البلاد , والمجرمون والقتلة يحاسبون أمام المحاكم , والناس عادت لمرحها , وبقي سؤال واحد في نفوس الكثيرين

لم نسمع عن اعتقال أو محاكمة طالب أبو عبدالله والذي كان ينادي دائماً وأبدا على إبادة الثوار ولو أدى ذلك إلى إبادة الملايين من السوريين

فبينما كنت أتجول أمام جامعة دمشق في صباح يوم من أيام الصيف الجميل , وأمام باب الجامعة هناك شبه صنم لم أره من قبل , شدني ذلك المنظر الغريب فسارعت حوله لتبيان الحقيقة , فقلت في نفسي لعلني أحلم , أيعقل أنني عدت لمدينة بغداد ؟؟؟!!!

وهذا منظرها لم يتغير , أمام المعهد الفني , وعندما شاهدت التمثال أخذني العجب من هذا المنظر الغريب

لم يكن تمثالاً برونزياً ولم يكن حجراً إنه شخص إنه رجل , أسود الجلد عار تماماً يقف قبالة باب الجامعة , ويقف مجموعة من الصبيان على بعد ويضحكون , فسارعت إليه لعلي أضع عليه ستراً ما

ولكن شدني صوت أحد الصبية وقال لي ياعم اتركه  , فقد أخزاه الله وكشف ستره وهاهو كما ترى , إنه طالب أبو عبدالله , استاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق سابقاً

فعدلت عن هدفي وعدت بالذاكرة لمجنون بغداد , هناك كنت أضحك على تصرفه ,وهنا ذهب تفكيري لمكان آخر , وتذكرت حديث الرسول الكريم محمد صلى عليه وسلم في الحديث القدسي, بما معناه (وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم عاجلاً أو آجلا , ولأنتقمن من يرى الظلم ويقدر أنه يرده ولا يفعل شيئاً )

 فكيف بمن يدافع عن الظالم ويسير معه مدافعاً عن ظلمه كهذا المجنون أبو طالب العبدالله ؟