"البُعبُع" السنّي

"البُعبُع" السنّي!

محمد سلام

صفعني غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بخوفه على المسيحيين من المسلمين السنة كما عبّر عنه في فرنسا، فصرت أعتقد أنني "بُعبُعٌ" فقط لأني لبناني مسلم سنّي.

ليس لأنه لا يوجد مسيحي واحد لا يعتبر السنّي بُعبُعاً. فسعادة النائب العماد ميشال عون (ومتفرعاته) غير مُقصّر في هذا المجال.

بل لأنه لم يسبق أن صدر عن أي بطريرك ماروني ما يعكس توجساً من المسلمين السّنة، حتى في زمن الحرب الأهلية أو الحروب الأهلية (1975-1990) أو في حقبة الحرب الأهلية الأولى (1958).

بل لأنه عندما تجنّى الخليفة العباسي الأول المنصور على المسيحيين تصدى له إمام بعلبك المسلم السنّي السّلفي عبد الرحمن الأوزاعي ورفض أمره على قاعدة أن "أهل بلادي ما ارتكبوا ذنبا ... ولا عقاب لمن لا ذنب له".

لم أفهم، فعلا، سبب توجّس غبطته من المسلمين السنّة الذين حكموا سوريا حتى العام 1970 فما اضطهدوا مسيحياً في سوريا، وما أطاحوا بما عُرف ب "المارونية السياسية" في لبنان التي احترم قاعدتها حتى رئيس دولة الوحدة جمال عبد الناصر في لقائه مع الرئيس فؤاد شهاب في خيمة خارج الحدود اللبنانية.

دولة البعث الأسدي، التي تخوّف غبطته من تداعيات سقوطها، هي التي رفضت ترسيم حدود لبنان التي نطالب بها كلنا، السنّة كما المسيحيين، علماً أن من خطّها هو الكنيسة المارونية.

وفي ظل حكم دولة البعث الأسدي للبنان أُلغيت امتيازات رئيس الجمهورية اللبناني الماروني، ولم تعط لأي طائفة أخرى، بل شُطبت من الوجود ويزعم عون أنه يريد أن يسترجعها ... من السنّة الذين لم يأخذوها.

وفي ظل حكم دولة البعث الأسدي قتل الرئيس المنتخب الشيخ بشير الجميل، ولم يقتله السنّة يا صاحب الغبطة. فلماذا نحن "بعبع" ؟

في ظل حكم دولة البعث الأسدي والفقيه الفارسي قتل رئيس الجمهورية رينه معوّض، وليس السنّة هم الذين قتلوه. فلماذا تُشعرني يا صاحب الغبطة بأني "بعبع" سُنّي.

في ظل حكم دولة البعث الأسدي والفقيه الفارسي ارتكبت مجزرة كنيسة سيدة النجاة. ولم يرتكبها السنّة، كما تعلم يا صاحب الغبطة. فلماذا نحن "بعبع"؟

هل تلوثت أيدي السنّة بدم الشهيد الشيخ الوزير بيار الجميل؟ أو النائب أنطوان غانم. فلماذا سيعمل "البعبع السنّي" قتلاً وتهجيراً في المسيحيين إذا سقط البعث الأسدي في سوريا يا صاحب الغبطة؟

نحن، المسلمون السنّة، لم نقتل سمير قصير، ولا جورج حاوي، ولم نحاول قتل مي شدياق. فلماذا سيقتل "البعبع السنّي" من لم يُقتل ويُهجّر من لم يُهَجّر إذا سقط البعث الأسدي في سوريا يا صاحب الغبطة؟

نحن نتمسّك بحدود لبنان المعترف بها دولياً، ونسعى لترسيمها فعلياً، ومن قال لك إننا سنتخلى عنها إذا حكم السنّي سوريا يا صاحب الغبطة؟

من قال لكم يا صاحب الغبطة إن اللبنانيين المسلمين السنّة يريدون أن يكونوا رعايا في دولة سورية أو عربية أو إسلامية أو سيخية أو عمّالية أو بوذيّة أو زنديقيّة؟

من قال لكم يا صاحب الغبطة إنني سأتنازل عن شرف الكتابة لموقع حزب الكتائب المسيحي-الماروني إذا سقط بعث الأسد في سوريا ... حتى ولو خرج معاوية بن أبي سفيان من قبره واستوى على عرش دمشق؟

من قال لكم يا صاحب الغبطة إن المسلمين السنّة سينسون يوماً أن صالونات بكركي تقبلت التعازي بسماحة المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد في عزّ الحرب الأهلية.

ومن قال، يا صاحب الغبطة، إن أنين أجراس الكنائس التي قُرعت حزنا على العلاّمة الشيخ الدكتور صبحي الصالح لم يعد يضج في وجدان كل لبناني مسلم سنّي.

هل السنّة هم الذين اقتلعوا باب كنيسة لاسا وأعطوا مفتاحه للعماد عون يا صاحب الغبطة؟

أم ترى هم السنّة الذين احتلوا بساتين جزين وأملاك الكنيسة في ضاحية بيروت الجنوبية!

سجلاّت بكركي ما زالت تحفظ شعار اللبنانيين المسلمين السنّة في حقبة التكوين الاستقلالي "مع بكركي ضد التركي"، فيما كان شعار غيرنا "التركي ولا بكركي". فلماذا نحن "بعبع" يا صاحب الغبطة؟

ومع أني لست من أهل التسامح والغفران، أدير لكم يا صاحب الغبطة خدي الأيسر، متوسلاّ أن تصفعني عليه ... كي أستفيق من صفعتكم اللّوردية-الفرنسيّة.

أنا مسلم سنّي من أهل العدل والقصاص. قاصصني يا صاحب الغبطة. إصفعني رأفة بي لأنني، ولو للحظة، كدت أصدق أنني "بعبع" سنّي.