دولة.. ليست فلسطين

صلاح حميدة

[email protected]

حشد إعلامي ودبلوماسي كبير يهدف لتجنيد الرّأي العام المحلّي والإقليمي والدّولي لمناصرة فكرة قيام الدّولة الفلسطينيّة على الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967م، وتتمّ الاستعانة بالكثير من الدّول العربيّة والإسلاميّة في سبيل حشد أكبر عدد من التّصويت الدّولي لصالح هذا الإعلان في الأمم المتّحدة.

جاء هذا الجهد بعد  فشل ما كان يطلق عليه " عمليّة السّلام" ووصولها إلى طريق يناقض ما كان يعلن عنه عند انطلاقتها، ولذلك بدأت عمليّة إطلاق حملة لهذا الاعلان الّذي أعلن عنه ك " إستحقاق" في أيلول، في محاولة لتذكير القوى التي رعت "عمليّة السّلام" بأنّ هذه الطّريق لم توصل إلى دولة، بل كانت نتيجته أسوأ بكثير من الواقع الّذي كان يعيشه الفلسطينيون عند انطلاق المفاوضات.

ولتحقيق هذا الهدف كان لا بدّ من تحقيق عدّة أمور، يتعلّق أولاها بملء فراغ البديل الشعبي، ولذلك كان لا بد من استحداث برنامج عمل يملأ هذا الفراغ النّاتج عن الفشل في مسيرة المفاوضات، وكان السّعي للذّهاب للأمم المتّحدة أملاً بوضع محدّدات لعمليّة التّسوية، وتحقيق نصر دبلوماسي وإعلامي على الاحتلال، إن تعذّر تحقيق إنجاز حقيقي على الأرض بفعل مواقف الولايات المتّحدة والاحتلال التي تعلن رفضها لهذه الخطوة.

ولتحقيق هذا الهدف كان لا بد من تحقيق إحتفاليّة المصالحة في القاهرة، وتكفّلت المخابرات المصريّة ونبيل العربي بإنجاز التّوقيع في القاهرة، وبهذا أصبحت الورقة الفلسطينيّة الدّاخليّة جاهزة لتظهر الفلسطينيين موحّدين أمام العالم، فقد تمّ جمع غالبيّة قيادة الفصائل الفلسطينيّة والعديد من الشّخصيّات التي توصف بالمستقلّة، بالإضافة لمسؤولين دوليين على رأسهم وزير خارجية تركيا الّذي تبنّت دولته عمليّة الحشد والدّعم الدّبلوماسي لهذه الخطوة، في إطار مناكفتها للدولة العبريّة.

أملت الفصائل الفلسطينية المعارضة أن يتم تحقيق المصالحة بخطوة واحدة في القاهرة، ولكن الظّروف الموضوعية على الأرض كانت تقول بأنّ هذا التّطبيق لن يتم في ظل تعذّر تنفيذ ما اتفق عليه، وعدم إمكانيّة مواجهة تبعات تنفيذ المصالحة، هذا التّعطيل أشعر بعض القوى الفلسطينيّة بأنّها لم تجن شيئاً من احتفاليّة عمليّة المصالحة، وبأنّها – ربّما – خدعت في سبيل تسويق رسالة سياسيّة للعالم، وبالتّالي فإنها رفعت من وتيرة انتقاداتها لما اعتبرته خطوات " منفردة" وإنجازات " وهميّة" لما أطلق عليه " إستحقاق أيلول" ولكن هذه القوى لم تسع لإظهار نفسها بمظهر من يقف في طريق مسيرة قد ينظر لها بعض الفلسطينيين على أنّها  قد تحقّق إنجاز، ولذلك وقفوا على مسافة من متاعب إضافيّة قد تأتيهم من معارضة ما يعتبرونه تحميلهم وزر فشل نشاط يرى الكثير من المحلّلين أنّه لن يأتي بنتائج حقيقيّة على الأرض، كما أنّ هذه الفصائل تدافع عن موقفها بانتقاد هذه الخطوة بالقول:- كيف تطلبون منّا دعم خطوة ترفضون مناقشتها معنا ومشاورتنا فيهاوإطلاعنا على مضمونها وتفاصيل بنودها؟.

بعض الشّخصيّات والقيادات السّياسيّة الفلسطينيّة استهجنت طريقة تسويق الذّهاب إلى الأمم المتّحدة، والبعض الآخر أعرب عن مخاوف من تثبيت الوضع القائم وتضييع حق العودة، في ظل حقيقة أنّ هذا الجهد الرّسمي الفلسطيني يأتي في إطار استراتيجيّة المفاوضات، وليس بديلاً عنها، ويدلّلون على ذلك بأنّ الذّهاب إلى الأمم المتّحدة جرى بشكل منفرد وبلا تنسيق مع فصائل العمل الوطني الفاعلة التي دعيت للتوقيع والشّهادة على اتفاقيّة المصالحة في القاهرة، ويتخوّفون من عودة مظاهر الاحتقان الدّاخلي الفلسطيني بعد أيلول.

لن يتوقّف النّقاش عند هذا الحد، وسيستمر التّفاعل والخلاف الفلسطيني الدّاخلي حول المنهجيّة السّياسيّة المتّبعة، ولكن للمواطن الفلسطيني البسيط تساؤلات وتطلّعات وآمال ومطالب، وهو وإن كان لا يعجبه السّجال السّياسي القائم، فإنّه يتطلّع لقضاياه بنظرة بسيطة ومعبّرة عن مواقفه، فاللاجىء الفلسطيني يتطلّع للعودة إلى بيته الّذي طرد منه، ولا يهتمّ بدولة لا تتضمّن عودته لبيته، فالعودة مقدّمة على الدّولة في عقل كل لاجىء، وكل مواطن في الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة يتطلّع للعمل والتّنقّل والسّفر والتّجارة بحرّيّة، لا يعترضه جيش احتلال ولا يسرق أرضه وماءه مستوطن مغتصب، ويتطلّع للصلاة في المسجد الأقصى وفي الحرم الإبراهيمي بلا معيقات ولا منغّصات، يتطلّع للكثير من القضايا التي لن يتجادل فلسطينيّان على حيويّتها وأهمّيّتها، فعودة اللاجىء إلى بيته ضرورة لا جدال فيها، وتحرير الأرض مطلب محقّ ومحل إجماع فلسطيني، قد يتّفق الفلسطينيون على دولة كحل مرحلي لبعضهم، بلا تنازل عن باقي الحقوق، فيما قد يرى البعض الآخر من الفلسطينيين أنّ إقامة هذه الدّولة فرصة لما يعتبره حلّاً ينهي الصّراع بين الفلسطينيين والحركة الصّهيونية التي أقامت دولة اغتصاب وعدوان على أرضهم، ولكن من المؤكّد أنّ هذه الدّولة –إن قامت- فهي فلسطينيّة، ولكنّها ليست فلسطين.